سقطت حكومة الصادق المهدي من فرط التساهل في أمور لا تحتمل التساهل، وبسبب التفريط في بسط هيبة الدولة بحجة توسيع الحريات إلى الحد الذي مَحا كل الخطوط الفاصلة بين الحرية والفوضى، وبسبب تهاونها مع إعلام الجبهة الإسلامية الذي كانت تختلط فيه الشائعة بالحقيقة مع المبالغة في السخرية من رجال الدولة وذلك لنزع هيبتهم من صدور الرعية، الآن حكومة حمدوك تمشي على إيقاع حكومة المهدي، ونفس الخصم الماكر يضع نفسه في كل المنحنيات والمطبات لاقتناص الفرصة واستغلال الحريات والظروف…
كوادر الجبهة الإسلامية وقيادتها لديهم قناعة راسخة بأن إعلامهم «السافر» الذي تغذيه الشائعات والسخرية المُهينة كان له الدور الأبرز في إسقاط حكومة الصادق المهدي وممارسة الاغتيال المعنوي لرموزها وشخصياتها، وقد كانوا يتفاخرون بذلك الإعلام المتحرر من الضوابط الأخلاقية في التخلص من حقبة الديمقراطية الثالثة، ولهذا السبب وحده استعدوا أيام حكمهم الإعلام الحر وكسروا الأقلام التي استعصت على الترويض ظناً منهم أن هذا السلاح الذي اسقطوا به حكومة المهدي سيقود إلى نهاياتهم ولهذا كانوا أشد حرباً على الصحافة الحرة…
كان «الجبهجية» في عهد حكومة المهدي يستغلون مساحات الحريات المتاحة أسوأ استغلال، وينشرون الفوضى والشائعات القاتلة والتي أصبحت سلاحهم الوحيد في معركة حددوا ميدانها وتوقيتها وأسلحتها، هذا بالإضافة إلى الأسلحة الاقتصادية التي باتت الآن في حرزهم بالكامل، خاصة وأنهم لا يزالون يتحكمون في مقابض المال والمؤسسات المالية والاقتصادية العملاقة، واحتكار السلع والمضاربات وتجارة العملة، فضلاً على التحكم في الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي.
بعد سقوط نظام المؤتمر الوطني، واختيار د. عبد الله حمدوك لرئاسة الوزراء كتبتُ في هذه المساحة متنبئاً بما يحدث الآن وقلتُ إن «الجبهجية» سيعودون بضراوة لمحاربة حمدوك بذات الأسلحة الإعلامية والاقتصادية التي حاربوا بها الصادق المهدي، بهدف إسقاط حكومة الفترة الانتقالية واستعادة السلطة لصالح طرف على الأقل يحميهم من المساءلات والمحاكمات…
رموز النظام المُباد هم أزكى من أن يظهروا علناً لاستعادة نظامهم المخلوع لأنهم يدركون قبل غيرهم أن الشارع السوداني ما عاد يبغض شيئاً أكثر من عودتهم للسلطة، لذلك يسعون لخلق وافتعال الاضطرابات اللازمة لزعزعة الحكومة الحالية وذهابها إلى جهة أقرب مودةً إليهم، وليس هناك من جهة يلتجأون إليها غير المكون العسكري في السلطة الانتقالية، أما ترونهم يغازلونهم صباح مساء بأن يتسلم الجيش السلطة لدواع أمنية ومبررات الانهيار الاقتصادي الذي صنعوه بأيديهم، ولهذا فقد حشد زبانية النظام المخلوع والموالون له وشركاؤهم كل المبررات التي تدعو الجيش لاستلام السلطة، وإذا تحقق لهم هذا الحلم فهو بالتأكيد أفضل لهم من استعادة ملكهم العضود، فأجلَّ ما يطمحون إليه الآن هو الكف عن ملاحقتهم ومساءلتهم ومحاسبتهم وإسكات لجنة إزالة التمكين، وأي طرف يقوم باستلام السلطة غير قوى الحرية والتغيير سيكون رحيماً عليهم… اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله ، وثق أنه يراك في كل حين.