إغلاقان يهدِّدان السودان اليوم؛ الإغلاق الأول، يتعلق بتدابير مواجهة “فيروس كورونا”، ويقصد به حظر التجوال الشامل طوال اليوم، لمدة قد تصل ثلاثة أسابيع أو تزيد حسب مقتضيات الحال.
أما الإغلاق الثاني فأقصد به أن تسير البلاد تدريجياً نحو الشلل الاقتصادي الكامل، نتيجة تباطؤ الحكومة في اتخاذ القرارات المصيرية الحاسمة التي تضع البلاد في المسار الصحيح!
الآن الشعب السوداني مواجه بتداعيات الإغلاقين..
تقارير وزارة الصحة الأخيرة تزيد من قوة الحيثيات التي تقود البلاد بسرعة نحو قرار على ذمة “آخر الدواء الكي”، وهو إعلان حظر التجوال الشامل طوال اليوم، وليس مشكلة أن يبقى الناس في منازلهم لمنع انتشار الفيروس، لكن المصيبة هي أن الغالبية الكاسحة من السودانيين يمتهنون أعمالاً حرة، توفر لهم قليلاً من المال بصورة يومية تمكنهم من إعالة أنفسهم وأسرهم، وليس لديهم رصيد احتياطي مدخر يمكنهم من تحمل تكاليف المعيشة الباهظة إذا أُغلقت البلاد وشُلت الحركة.
والحكومة من جانبها أكدت أنَّ لا قِبل لها بتحمل مثل هذه التكاليف كما تفعل دول كثيرة أخرى.. فيصبح قرار حظر التجوال أشبه بالإعدام البطئ.
ورغم أنَّ الحكومة تردِّدُ أنَّ خيار المعاناة مع الإغلاق الأول أفضل كثيراً من خيار مجابهة حالة انفجار – لا قدر الله- انتشار الفيروس، إلا أنَّ الحاجة الماسة لترتيبات تخفف من عبء الحظر الشامل ستكون هي المحك في تقبل المواطن للحظر، كأن يكون هناك فترات مؤقتة للتجوال تسمح ببعض الأعمال وتوفر مدخلاتٍ مادية.. أو مثلاً حصر حظر التجوال في ولاية الخرطوم (أو حتى المدن الثلاث فقط).. بحجة أنَّ انتشار الفيروس حتى الآن لا يزال في العاصمة بصورة أساسية وكاسحة.
لكن الإغلاق الثاني ربما أكثر ضراوة وأفدح في نتائجه النهائية.. الأزمة الاقتصادية تقبض بخناق المواطن السوداني والمعاناة في الحصول على السلع الحتمية باتت أمراً مقلقاً لكل الأسر.. وقد يكون ممكناً أن يتفهم المواطن كون البلاد خارجة للتو من عنق زجاجة الدكتاتورية، وتحتاج لبعض الوقت لبناء مؤسسات الديموقراطية التي تعالج خلل الاقتصاد.. لكن الذي لن يتفهمه المواطن هو أن لا يكون للحكومة أية بُشريات.. خطة أو وعد أو مجرد خطاب تنموي يشجع ويرفع من احساس الناس بأنَّ في آخر النفق بصيص ضوء.
الإغلاق الثاني أخطر كثيراً من الأول، فعلى الأقل “فيروس كورونا” جائحة عابرة سيخرج منها السودان بفضل الله ونعمة منه سريعاً.. لكن الإغلاق الثاني، قد يدخل البلاد كلها في سيناريوهات معقدة.. ليس أقلها أن يتجاسر على السلطة من يملكون القوة، بعبارة أخرى أكثر صراحة قد يشجع الإغلاق الثاني على اللجوء لخيار الانقلاب العسكري لمن يحاولون استثمار الظرف للإحاطة بالحكومة الانتقالية..
انقلاب ليس بيد أنصار النظام المخلوع، بل بأيدي أنصار النظام الخالِع، نفسه!!
صحيفة التيار