اخبار السودان لحظة بلحظة

(كورونا) بين يونفيرسال والسباعية.. حالة إشتباه

الخرطوم: صديق رمضان
في الوقت الذي خرجت فيه المواطنة هدى من مستشفى يونفيرسال الحكومي ببحري وقد تنفست الصعداء بعد تأكيد عدم إصابتها بفايروس كورونا، فإن المواطنة الخمسينية عائشة التي توجد مع ألف وخمسمائة مواطن سوداني بمنطقة السباعية جنوب مصر تبخرت أحلامها في أن تتمكن من دخول وطنها السودان بعد إغلاق الحدود، وبين يونفيرسال والسباعية فإن ثمة قواسم مشتركة أبرزها أن الاشتباه بالإصابة بمرض كورونا، فالذين ابتسمت لهم الظروف وحضروا إلى البلاد قادمين من مصر لا يزال بعضهم تحت الحجر، أما العالقون في مصر فيأملون أن يعودوا إلى السودان حتى لو تم وضعهم في الحجر، وبينهما تطل أزمة ركاب بص وصلوا السودان غير أنهم لم يسلّموا أنفسهم للسلطات الصحية.
قرار وآثار
كان السودان حتى منتصف شهر مارس في منأى من جائحة كورونا التي لم تترك دولة في العالم الا وتركت بصمتها فيها حتى تجاوز عدد المصابين الثلاثمائة واربعين الف ووصل عدد الذين تسببت في وفاتهم ستة عشر الفاً، ولكن وحينما اقترب خطر كورونا من السودان واتخذت معظم دول العالم اجراءات احترازية فان الحكومة الانتقالية ولادراكها التام هشاشة الوضع الصحي في البلاد، وجدت ان تطبق شعار «الوقاية خير من العلاج» على الارض يبعدها من الحرج فاتخذت جملة من القرارات كان من بينها اغلاق الحدود البرية والجوية والبحرية لعدم افساح المجال للداء الخطير للتسلل الى دولة منهكة بازمة اقتصادية خانقة ولا قبل لها بالتصدي لمرض ارهق حتى الدول الكبرى ،ونتيجة لهذا القرار فان السودانيين بعدد من الدول ومنها الجارة الشمالية مصر وجدوا انفسهم في موقف محرج، وبعد مرور اسبوعين على قرار اغلاق الحدود فان الواقع يكشف عن نجاح ثمانمائة مواطن في الوصول الى البلاد من مصر تم اخضاعهم للكشف عن الوباء فيما لا يزال الف وخمسمائة عالقين داخل الاراضي المصرية وقد تقطعت بهم السبل.
«يونفيرسال» وثورة العائدين
لاستجلاء الحقائق عن العائدين السودانيين من مصر الذين تم تداول مقطع في الوسائط يكشف عن هروبهم من مستشفى يونفيرسال الذي يقع الى الشرق من كوبري القوات المسلحة الذي يربط بين وسط الخرطوم وبحري، توجهنا صباح امس الى ذات المرفق الطبي الضخم الذي كل ما نعرفه عنه انه يتبع لجهاز الامن تم تشييده بتوجيه من الرئيس المخلوع ابتداءً منذ العام 2010 لتوطين العلاج بالداخل وبدأ بشراكة مع مستثمر تركي يملك ستة عشر مستشفى بذات التصميم في مختلف دول العالم غير انه لاحقاً تنازل عن نسبته بعد بيعها للحكومة السودانية، قصدنا المستشفى الانيق الذي وجدنا السكون يخيم عليه ولم يكن يوجد اثر لحركة وهذا جعلنا نتوجه ناحية مكاتب الادارة فجلسنا الى المهندس المقيم والمسؤول عن المستشفى جابر احمد عبدالله الذي قال في حديث لـ(الانتباهة) ان المستشفى ورغم اكتمال جاهزيته على احدث طراز على صعيد المرافق والاجهزة الطبية الا انه لم يتم افتتاحه حتى الان بسبب تأخير الحصول على التصديق من وزارة الصحة، وينوه الى انه وحينما اعلنت الدولة عن خطتها لمجابهة فايروس كورونا اتخذته من ضمن المستشفيات التي تتعامل مع هذا المرض.
743 قادماً من مصر
يمضي المهندس جابر احمد عبدالله في حديثه ويشير الى ان الذين تم اخضاعهم لاجراءات الفحص تمثلوا في القادمين من مصر، كاشفاً عن ان عددهم بلغ 743 مواطن، واضاف: حينما تم اخبارنا من قبل وزارة الصحة ان المستشفى سوف يستقبل القادمين من مصر عملنا على تهيئة الموقع على الاصعدة كافة وحينما حضروا في سبع بصات ولان المستشفى سعته السريرية كبيرة وبه خمسمائة غرفة وزعنا القادمين في 250 غرفة، بعضهم اسر اختار افرادها التواجد في غرفة واحدة واخرون توزعوا على الغرف بواقع شخص على كل غرفة، وخلال فترة اقامتهم تم اخضاعهم للفحص من قبل طاقم وزارة الصحة .
هروب وعودة
سألناه عن هروب القادمين من مصر من المستشفى احتجاجاً على سوء الاوضاع فقال المهندس جابر انهم احتجوا حينما وصلوا عند الساعة الثالثة صباحاً الى المستشفى وطالبوا بمقابلة وزير الصحة الذي لم يكن موجوداً وقتها، واضاف: عملنا على تهدئتهم فدخلوا الى الغرف واعتقد ان الخطأ الذي وقعت فيه وزارة الصحة دون قصد تمثل في عدم تجهيز الوجبات خاصة وجبة العشاء يوم وصول العائدين وقد اكدنا للوزارة قدرتنا على تجهيز الوجبة غير انها قطعت بانها عملت على تجهيز الف وجبة، وفي اليوم التالي لم يحضر مسؤول الا عند الساعة الثانية مساءً وكانت عضو المجلس السيادي الدكتورة عائشة موسى وعدد من المسؤولين بوزارة الصحة، وبعد ذلك اعلن عدد من العائدين رفضهم البقاء في المستشفي وخرج عدد منهم غير انهم عادوا بعد ذلك وحتى الذين وصلوا منازلهم لم يكن امامهم غير العودة مرة اخرى لوجود جوازتهم لدى السلطات الصحية، وفي النهاية تم الكشف على كل العدد الذي حضر ورغم انه كبير الا ان حالة الاشتباه انحصرت في ثلاثة عشر عائداً وتم تحويلهم الى مستشفى الضمان للمزيد من الفحوصات وللحجز، وينوه المهندس جابر الى ان المستشفى لم يتم تعقيمه بعد خروج العائدين منه وارجع هذا الامر الى عدم وجود اجهزة تعقيم كبيرة في السودان ،مؤكداً على جاهزية المستشفى لاستقبال العالقين في مصر.
هروب وعودة
من المعلومات التي تحصلنا عليها بالمستشفى ان عدد البصات التي كانت تقل العائدين من مصر الاسبوع قبل الماضي كانت تبلغ ثمانية غير ان التي وصلت مستشفى يونيفرسال سبعة فقط وحينما استفسرنا عن هذا الامر علمنا ان البص تعطل في طريق دنقلا الخرطوم وحينما تأخرت عملية اصلاح عطله ضاق القادمون ذرعاً من الانتظار واستقلوا مركبات اخرى ووصلوا الى العاصمة وتفرقوا فيها وبعضهم غادرها الى الولايات ،غير ان مسؤولاً بوزارة الصحة يشير الى ان ارقام هواتف وجوازات كل ركاب البص الذي تعطل لدى الحكومة وانه تم الاتصال بهم وحضروا الى المستشفيات المحددة لاجراء الفحوصات واردف» بعضهم احضرهم اقرباؤهم وهذا امر جيد يؤكد الوعي بضرورة محاربة كورونا «.
السباعية.. الوقوف على الحدود
أما في منطقة السباعية التي تقع الى الجنوب من مدينة اسوان بمصر فان اكثر المتشائمين من السودانيين العالقين لم يضع في حسبانه ان تشرق عليه شمس يوم ويجد نفسه يفترش الارض ويلتحف السماء في ارض وجغرافيا غريبة عليه، وان يقف على مقربة من حدود دولته الا انه يعجز عن العبور الى داخلها ،ولاستجلاء واقعهم فان (الانتباهة) فتحت خطاً مباشراً مع مجلس الجالية السودانية بالقاهرة بالاضافة الى عدد من العالقين ،وتوضح التفاصيل ان اكثر من خمسة وعشرين بصاً تقل الف وسبعين راكباً وفي رواية اخرى الف وخمسمائة مسافر تقطعت بها السبل وهم في طريقهم الى السودان منذ اسبوع عقب قرار اغلاق الحدود السودانية، واطلق العالقون عدداً من المناشدات الى الحكومة الانتقالية غير ان الاستجابة جاءت في شكل دعم مادي لاعانتهم على مواجهة الظروف التي يمرون بها وهذا يعني عدم امكانية فتح الحدود في هذا التوقيت والسماح لهم بالدخول الى البلاد.
العودة العكسية
ولان العدد كبير ولعدم وجود فنادق بمنطقة السباعية فان المواطنين السودانيين العالقين اختار بعضهم العودة الى اسوان واخرون يمموا شمالاً صوب القاهرة ومنهم 45 مواطناً عادوا امس الاول ادراجهم الى القاهرة على حساب السفارة السودانية وبدعم من الجالية وذلك لانهم مرضى وكبار في السن وعدد كبير منهم خضع لعمليات جراحية، وعملت السفارة على حل مشكلتهم عبر ارجاع بعضهم الى المستشفيات للرعاية الطبية بالقاهرة بالاضافة الى استئجار شقق لتسكين الاخرين، وامس ايضاً تحرك بص يضم كبار سن ومرضى صوب القاهرة، ويقول حامد الذي يرافق والده وهو يتواصل معي عبر تطبيق الواتس اب انهم واجهوا معاناة حقيقية في منطقة السباعية وان والده الذي اجرى عملية جراحية كاد ان يفارق الحياة بسبب الارهاق ويقول انه عاد به الى القاهرة بعد ان وفرت بصاً وسكناً غير انه يشدد على ضرورة ارجاعهم الى السودان وقال «كل العالقين ما عندهم مشكلة بعد العودة للوطن ان يتم حجزهم لاربعة عشر يوماً في المستشفيات، بس يسمحوا لنا بالعودة»، وعلى ذات الصعيد فقد تمسك عدد كبير من العالقين بالبقاء في منطقة السباعية واتخذوا ظلال الاشجار وبعض المباني المتواضعة وبداخل البصات مستقراً لهم على امل انجلاء الازمة والعودة الى البلاد.
غرفة طوارئ
رغم الظروف الطبيعية والحياتية القاسية التي يرزح تحت وطأتها العالقون، الا انهم اشادوا باهتمام السفارة بالقاهرة والقنصلية باسوان ويشير القيادي في الجالية حمدي الى ان الحكومة السودانية وعلى لسان القائم بالاعمال ارسلت مبلغاً لمعالجة اوضاع العالقين وتحسين ظروفهم الى حين فتح الحدود، مشيداً بالجهود الكبيرة التي تبذلها الجالية السودانية في القاهرة واسوان لمساعدة العالقين وقال ان الكثير من رجال الاعمال السودانيين تبرعوا بالمال للاسهام في توفير السكن والاحتياجات الغذائية للعالقين الذين رفض بعضهم العودة الى القاهرة واختاروا البقاء في منطقة السباعية ويأملون في اتخاذ قرار من الحكومة السودانية يقضي بفتح الحدود ولو مؤقتاً.
السفارة تؤكد مسؤوليتها
وفي ظل الاوضاع التي يعاني منها العالقون فان السفارة السودانية في القاهرة اكدت على ان الازمة في طريقها للحل، واشارت الى ان اللجنة العليا لمكافحة فايروس كورونا بالسودان وجهت بمتابعة قضايا العالقين في مصر وتذليل الصعاب التي تواجههم، وذلك عبر توفير السكن والاعاشة والرعاية الصحية للمرضى منهم ،واوضحت السفارة انه وفي سبيل ذلك فان الحكومة وفرت ميزانية جيدة وارسلتها الى السفارة في القاهرة والقنصلية العامة في اسوان، واشادت السفارة بوقفة الجالية مع العالقين والعمل على حل الازمة، واعتبرت ان تباري رجال الاعمال في توفير الشقق والاعاشة امر عظيم، اكد على عظمة الشعب السوداني، وامتدحت السفارة حضور عدد كبير من السودانيين الى مقرها واعلانهم جاهزيتهم لمساعدة العالقين في الحدود.
في الانتظار
لا خلاف حول الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة الانتقالية لمجابهة فايروس كورونا، بيد أن تأكيد العالقين بمصر موافقتهم التامة على الحجر لمدة أربعة عشر يوماً والخضوع لكل الفحوصات في السودان، يمثل حلاً من شأنه أن ينهي أزمتهم الإنسانية إذا حاز على موافقة الحكومة .

اترك رد