الخرطوم: أميرة الجعلي
أثارت زيارة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي» إلى القاهرة في هذا التوقيت كثيراً من التساؤلات وسط المراقبين والرأي العام، خاصة مع تطورات الأوضاع الداخلية وارتفاع وتيرة الضائقة المعيشية، كما تأتي الزيارة في ظل ظروف بالغة التعقيد، إذ تشهد العلاقة بين الحكومة المدنية ونائب رئيس مجلس السيادة شداً وجذباً على خلفية قراره بالتخلي عن رئاسة اللجنة الاقتصادية ومطالبات الكثيرين بابتعاده عن ملفات الحكومة التنفيذية لا سيما وأن العلاقات الخارجية أحد تلك الملفات .
ليس هذا فحسب بل أيضاً الزيارة تأتي عقب زيارة استمرت لساعات لحميدتي وكان يشغل وقتها نائب رئيس المجلس العسكري وقتها قبيل التوقيع على اتفاق الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، وكانت القاهرة قد أبدت خلال تلك الزيارة موقفاً حاسماً بضرورة تقوية الجيش الوطني واضطلاعه بمهامه ومسؤولياته في حفظ الاستقرار وأن تتم إعادة هيكلة القوات النظامية وفقاً لتكوين جيش وطني واحد، كما صدرت تسريبات بأن القاهرة تتحفظ في التعاون مع قوات الدعم السريع وعلى رأسها قائد القوات حميدتي .
لكن اللافت أن الزيارة الحالية جاءت بدعوة رسمية من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سلمها رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل الأسبوع الماضي خلال زيارته للبلاد، والتي جاءت في أعقاب محاولة اغتيال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وتصاعد الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة الإثيوبي وتحفظ السودان على مشروع قرار مجلس الجامعة العربية الداعم لمصر في القضية .
وعليه وصل حميدتي القاهرة أمس الأول وعقد سلسلة لقاءات أبرزها لقاء بمقر إقامته بالقاهرة بوفد من الجالية السودانية بجمهورية مصر العربية، وأكد خلال اللقاء اهتمام الدولة بالجالية السودانية بمصر واستعدادها لحل كافة العقبات والمشاكل التي تواجهها من مبدأ حرصها على رعاية مواطنيها أينما كانوا، كما التقى مولانا محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل .
فيما بدأ في يومه الثاني للزيارة لقاءاته الرسمية بقصر الاتحادية بالقاهرة، والتقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وتناول اللقاء، الذي حضره مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول ركن جمال عبدالمجيد، العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين، وبحث اللقاء العلاقات الاستراتيجية وقضايا الهجرة غير الشرعية وجهود حكومة السودان في إكمال السلام بدولة الجنوب، بجانب قضية سد النهضة .
وامتدح «حميدتي»، المساندة المصرية الصادقة والحثيثة للحفاظ على سلامة واستقرار السودان في ظل المنعطف التاريخي المهم الذي يمر به.
وقال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية السفير بسام راضي إن الرئيس عبدالفتاح السيسي استقبل أمس، النائب الاول رئيس مجلس السيادة السوداني بحضور رئيس المخابرات العامة عباس كامل.
وأكد الرئيس السيسي أن سياسة مصر «دائماً كانت سنداً ودعماً للسودان، خاصةً خلال المرحلة الانتقالية الحساسة الراهنة».
ولكن حسب التحليل فإن الزيارة تناولت ثلاث قضايا تشمل أبعاد محاول اغتيال رئيس الوزراء والوصول إلى خلايا متطرفة من دول عربية واسلامية، وقضية سد النهضة التي تعتبر فيها مصر ان السودان قد أضر بمصالحها بالموقف الذي اتخذه برفض بيان الجامعة العربية الداعم لمصر، بجانب مستقبل العملية السياسية في السودان خاصة وان الشراكة بين المكون العسكري والمدني تواجه تحديات جسيمة في حل التحديات الاقتصادية وتسربت معلومات ان مصر ابدت استعدادها للاتصال بالدول الكبرى والمانحين من اجل تسهيل اسم السودان من قائمة الإرهاب وتسهيل حصول السودان على قروض من دول الخليج وتقديم دعم مادي وعيني للسودان، مقابل ان يتخذ السودان موقفاً داعماً لمصر في قضية سد النهضة خاصة بعد ان وصل الامر بين اثيوبيا ومصر الى طريق مسدود، بعد رفض اثيوبيا التوقيع على الاتفاقية التي أعدتها الوساطة الامريكية .
ولعل اللافت أن مصر هندست لقاء الفريق حميدتي ورئيس الحزب الاتحادي الاصل محمد عثمان الميرغني في القاهرة ولا شك ان الميرغني من الداعمين لتقصير الفترة الانتقالية وإجراء انتخابات مبكرة على عكس موقف الحركات والحكومة، الذين يريدون تمديد الفترة الانتقالية خلال الفترة القادمة وبذلك تكون مصر قد نجحت في الجمع بين الميرغني وحميدتي والميرغني وعبدالعزيز الحلو لرسم مستقبل الحكم في السودان، ولم تتسرب اي معلومات عن لقاء جمع بين حميدتي وقوش الذي كان موجوداً بالفعل بالقاهرة رغم تكهنات بان تلعب مصر دور وساطة في جمع الرجلين وتقريب وجهات النظر بينهما، لا سيما وان رئيس الوساطة الجنوبية لسلام السودان مستشار الرئيس سلفاكير للامن القومي توت قلواك اعلن من قبل عزمه في خوض وساطة للإصلاح بين قوش وحميدتي .
واختتم حميدتي زيارته لمصر امس وأوضح أنها جاءت بدعوة من الرئيس المصري، نقل له خلالها تحيات رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان واعضاء المجلس، ووصف الزيارة بأنها ناجحة، ولفت إلى دعم الرئيس المصري للتغيير الذي حدث بالبلاد.
وقال انه بحث خلال لقائه بالرئيس السيسي، قضايا الهجرة غير الشرعية والإرهاب ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بجانب استئناف أعمال اللجان الوزارية المشتركة بين البلدين والقضايا التي تهم الجالية السودانية بمصر، واضاف ان اللقاء تطرق الى الربط الكهربائي بين البلدين وزيادة سعته وتم طرح خط جديد، واشار إلى ان الرئيس المصري وعد باحالته للجهات المختصة لدراسته.
وأكد أن التشاور بين البلدين سيتواصل عبر تبادل الزيارات بين المسؤولين في السودان ومصر.
عموماً ربما لهذه الزيارة إسهام في كسر جمود العلاقة بين الدعم السريع والقاهرة عقب اخر زيارة لحميدتي كما ذكرنا آنفاً، وتغيير موقفها السلبي تجاه الرجل لكسبه مستقبلاً .
ومن الثابت ان جهود مصر في هذا الصدد تجد الدعم والموافقة التامة من الشركاء الخليجيين خاصة السعودية والإمارات، بعد ان تسربت معلومات عن وجود خلافات في ادارة الملف في السودان وان خطوة دعوة البرهان لزيارة واشنطون وزيارة حميدتي الى القاهرة تشير إلى ان الدول المهمة واللاعب الرئيس في القضية السودانية تدعم بقوة تقوية المكون العسكري والاضطلاع بدوره ومسؤولياته خلال الفترة القادمة مع الاهتمام بنجاح الفترة الانتقالية وعمل المكون المدني .