تقرير: ندى محمد احمد
لا تزال الأزمات الاقتصادية تُحكم قبضتها الخانقة على البلاد والعباد، فالإشكالات المتعلقة بالوقود والقمح والدواء والمواصلات، لا تزال تتفاقم كل صباح، على نحو لم يعد في الإمكان احتماله، الحكومة في اجتماعها الثلاثي ( مجلسي السيادة والوزراء ) بجانب تحالف قوى الحرية والتغيير بالخميس الماضي، أعلنت عن آلية عليا لإدارة الأزمة الاقتصادية، فهل يكمن الحل في الآلية؟ أم إعلان حكومة أزمة؟ أم إن الإشكال الحقيقي هو طرف ثالث لا بد من مواجهته؟
تحدثت الزميلة (السوداني ) عن مطالب وصلت منضدة حمدوك تدعوه لتشكيل حكومة أزمة، ولكن عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير والمتحدث الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي عادل خلف الله وصف في حديثه لـ(الانتباهة) تلك الأنباء بأنها غير صحيحة وغير دقيقة، وأضاف أن الاجتماع لم يتطرق لهذه المسألة، فالاجتماع الثلاثي الذي عقد بالخميس الماضي، بين كل من مجلس السيادة ومجلس الوزراء وقوى الحرية والتغيير توصل إلى تشكيل آلية لوضع معالجات للأزمة الاقتصادية في محورين، هما وقف استمرار تدهور قيمة الجنيه وشح النقد الأجنبي، والثاني معالجة الندرة وعدم توفر مخزون كاف من السلع الاستراتيجية، كالقمح والمحروقات والدواء، وبسؤاله عما إذا كان من الأجدى إنشاء آلية عليا لتحسين الوضع الاقتصادي أم حل الحكومة وتشكيل حكومة أزمة قال إن الأفضل رغباتنا، لكن الممكن هو ما خرج به اجتماع الخميس، باعتبار أن هناك تفاوتاً في الحلول المقترحة والممكنة في التصدي للأزمة، فتشخيص الأزمة وأسبابها لا خلاف حوله، الخلاف حول البدائل والإجراءات والتدابير والسياسات الاقتصادية والمالية التي من خلالها يتم التصدي للأزمة. فمجلس الوزراء في غالبه لا يزال يتبنى وجهة النظر التي عرضت في موازنة 2020، ومضمونها الاستمرار في سياسات التحرير على نطاق واسع، عبر جدول زمني، بينما ترى قوى الحرية والتغيير أن الحلول الممكنة والعملية هو تبنى السياسات البديلة التي طرحت من طرفها وآخرين، والتي تعتمد على مقدرات الاقتصاد السوداني وإرادة شعبه . وقال عادل تمترست بعض مكونات السلطة الانتقالية في مجلسي السيادة والوزراء على الحلول التقليدية المضمنة في مشروع موازنة 2020، وعنوانها الكبير الاستمرار في نهج التحرير الاقتصادي، وتغييب الدولة وقطاعها العام من المساهمة في إداراة الاقتصاد السوداني عبر شركات القطاع العام، بالرهان المطلق على القطاع الخاص، وعلى آلية السوق، التي تجعل كل الخدمات والسلع وحتى العملة الوطنية محكومة بقانون العرض والطلب، ووصف هذا الاتجاه بأنه مجرب ولا يقدم حلولاً، كما أنه يزيد حدة الفقر، ويزيد عدد الفقراء، ويعطّل حركة الإنتاج، ومحصلته الدخول في انكماش اقتصادي ومعدل نمو سالب، لذلك رفضت قوى الحرية والتغيير هذا التوجه، ونتيجة لذلك تم التوافق على الآلية، على أن تعتمد على البدائل التي طُرحت من قوى الحرية والتغيير، والحادبين على إيجاد حلول على المدى الإسعافي والمدى المتوسط .
ولفت عادل في أن تلك الحلول تتمثل في تكوين شركة مساهمة عامة للقيام بدور الاستثمار والتعدين في الذهب والمعادن، وعمل بورصة، بجانب إعادة تأهيل شركات الدولة كالصمغ العربي والأقطان السودانية والحبوب الزيتية والمحاصيل، والاعتماد على صادرتنا، والعمل بمخطط تنفيذي لادخال تحويلات ومدخرات المغتربين داخل الجهاز المصرفي، باتباع سياسات تحفيزية، ومكافحة التهريب، واعتبار المضاربة في الذهب والنقد الاجنبي والمحاصيل من جرائم التخريب الاقتصادي، واعادة النظر في ضرائب شركات الاتصال، بزيادتها فنسبتها (7%) فقط من المبيعات، بينما نسبتها في الدول التي قورن بها سعر البنزين في السودان هي ما بين (60 -65%)، وذلك في الامارات وجنوب افريقيا والسعودية واثيوبيا، وهذه الضريبة المنخفضة ادت لفساد كبير، كان يمارسه النظام السابق، لذلك ينبغي اعادة النظر في هذا الهدر من الموارد، وفي نفس الوقت وجود كتلة نقدية كبيرة عدم شمولها بالضريبة، التي تحقق العدالة والكفاءة، اتاحت لهذه الشركات ان تمتلك كتلة نقدية يومية كبيرة جداً، وظفت ولا تزال توظف في الاستثمار خارج نطاق الاتصالات، كالمضاربة في اسعار السلع، وتصديرها للخارج وعدم عودة النقد الاجنبي للسودان، بجانب المضاربة في النقد الاجنبي (شراء الدولار) وفي السلع الاساسية، وطالبت قوى الحرية والتغيير برفع نسبة الضريبة على شركات الاتصالات السودانية اسوة بدول الامارات والسعودية واثيوبيا وجنوب افريقيا.
عضو مبادرة اساتذة جامعة الخرطوم ممدوح محمد الحسن قال حتى اذا حلت الحكومة وشكلت اخرى جديدة، ما لم تكن هناك إرادة جادة لحل المشكلة الاقتصادية، فانها لن تحل، واضاف في حديثه لـ(الانتباهة ) ان المشكلة الاقتصادية متشعبة فهناك طبقة طفيلية مسيطرة على اقتصاد السودان، مدعومة دولياً من بعض الدول التي تهتم باستمرار ضعف السودان ، لتمرر اجندتها على حكومة ضعيفة تحكم الخناق الاقتصادي عليها، وهذا النظام مسيطر ومتمدد وقوى جداً، فهو من يملك الشركات الخاصة، التي تملك قوت الشعب، من قمح ووقود، وهي الشركات التي تصدّر الذهب، وهي مملوكة لطفيليين باختلاف انتماءاتهم السياسية، وجزء منهم يمثلون الحكومة السابقة (الانقاذ والكيزان، والمنتفعين)، وللاسف بعض من هؤلاء موجود في الحكومة الانتقالية، سواء المكون العسكري في مجلس السيادة او غيرهم، وهذه الطبقة مستفيدة من الوضع الراهن، والدول التي تدعمها ايضاً، وهي تضغط لاستمراره، بجانب ذلك هناك جهة ما تسعى لخنق الحكومة اقتصادياً، ليخرج الشارع ضدها، ويثبت فشلها، لتأتي حكومة عسكرية، وتنظم الانتخابات خلال سنة او ستة اشهر، وذهب الى ان النظام العالمي يفضل التعامل مع الضعفاء لفرض اجندته، ولفت الى ان مجموعة من الدول تضغط على الحكومة الانتقالية، وتهيئ المسرح لـ(العساكر) ليستلموا الحكم، لتحقيق مصالحهم، ومن تلك الدول الامارات العربية والسعودية واسرائيل والولايات المتحدة الامريكية، ودول اخرى، وفي المقابل فان النظام الاسلامي العالمي يدعم الشركات الطفيلية للسيطرة على الاقتصاد، وهذا التوجه مفيد للاسلاميين، لانه يحقق لهم الافلات من الحساب، عليه في ظل هذه المتغيرات فان الحلول لا تكمن في تغيير الحكومة، فالحل يكمن في قرارات شجاعة تشبه الثورة، واذا لم تقدر الحكومة على ذلك عليها ان تملّك الرأي العام الحقيقة . وخلص ممدوح الى ضرورة احكام الرقابة على المال العام عبر وزارة المالية، فالشركات التابعة للشرطة والجيش والامن لا تزال خارج سلطة وزارة المالية، وتستفيد من مال الشعب وتضارب في السلع، ولا تأتمر بامر المالية، مما يفضي، للتضخم وزاد بان 80% من الشركات الحكومية خصخصت في النظام السابق، وليس للمالية سلطة على الجزء الاكبر من الشركات الحكومية المتبقية، فالقرارات الشجاعة هي احكام الرقابة على المال العام، ومراجعة مسألة الصادر والوارد، وكل الشركات بما فيها النظامية يجب ان تتبع للمالية. وقال ممدوح اذا توفر للالية القدرة على اتخاذ تلك القرارات يمكن ان تتلافى الخلل الحالي، واما ان كانت سلطتها اسمية فلن تتمكن من فعل شيء .
The post الأزمة الاقتصادية.. هل تعجل بـ”حكومة الأزمة” appeared first on الانتباهة أون لاين.