أعرف بعض الفتيات مضربات عن الزواج.. بينهن وبينه ما صنع الحداد.. وهذا العزوف الاختياري اتخذنه ووقعن عليه بكامل إرادتهن وقواهن العقلية.. لتأتي النتيجة في ما بعد مُرضية أو مؤلمة تؤدي إلى الندم غالباً.. فلماذا يا ترى خرج الزواج من أولويات بعض الفتيات ونام بعيداً عن أحلامهن الوردية, ورغباتهن الفطرية في ممارسة أمومتهن واتخاذ الشكل الاجتماعي الوحيد الذي يرضي معظم الناس؟؟ الملاحظ أن معظم الفتيات المضربات عن الزواج يتمتعن بأوضاع مالية مريحة، وقد يشغلن غالباً وظائف مرموقة ومحترمة وبمقابل مجزٍ!.. فهل يمكن اعتبار هذا الاستقلال المادي والقدرة على بناء كيان اجتماعي حر بعيداً عن سلطة الرجل أحد أقوى الأسباب وراء ذلك الإضراب؟ وهل البحث عن زوج في الأساس يهدف لتوفير متطلبات الحياة الكريمة والإنفاق فحسب, بحيث تسهم أمور مثل الوظيفة أو الميراث في تحويل حلم الزواج داخل أي فتاة إلى مجرد مشروع خاسر يمكن الاستغناء عنه لأنه لا يتناسب مع معطيات الحياة الحرة المرفهة؟ لا أجد في كل الشهادات الفخمة أو الوظائف المرموقة والأموال الطائلة ما يبرر اختيار فتاة حياة العنوسة بدلاً من المشاركة والأمومة بأي حال من الأحوال.. وأحسب أن كل من تحسب أنها في غنى تام عن الرجال والأطفال وحياة التعب والبذل, وعن الزواج بكل مسؤولياته وواجباته ومستلزماته التي ترى فيها كبتاً للحرية, إما كاذبة بالضرورة أو تعاني من مشكلة نفسية جعلتها معقدة..
وأنا أعرف فتاة جميلة في عمر العشرين ورثت عن أبيها بيتاً جميلاً وعيادة طبية ذائعة الصيت، وأموالاً لا تأكلها النيران.. وفي عمر الخامسة والعشرين حصلت على شهادة الدكتوراه في الطب فراحت تعمل في عيادة والدها من موقع المختص لا موقع الوريث، فزادت نجاحاً ومالاً.. وفي عمر الثلاثين كانت تمتطي سيارة فارهة وتملك شقة في لندن وأخرى في القاهرة إحداهما للمصيف والأخرى للتسوق والاستجمام. وفي الخامسة والثلاثين بدأت في تنفيذ مشروع المشفى الخاص بها بأحدث المعدات. وفي الأربعين لم يعد الخطاب يطرقون بابها كما كان ولكنها كانت مأخوذة بنجاحها وثروتها وترفعها عن الزواج.. وفي الخمسين من عمرها كان عشم الأمومة قد توارى وكانت الجدران شريكاً والوحدة أنيساً والعمل بديلاً عن ذلك الزواج الذي لم يشكل يوماً حلماً ما. وهي التي تمتلك الآن كل شيء لا تجد من يشاركها بيتها الفخم سوى الأشباح, ولا تعلم لمن ستترك كل هذه الأموال التي ظلت تجمعها وتكنزها لسنوات. وغيرها كثيرات يتشدقن بأحاديث الحرية والاستقلالية والمساواة ويجاهرن بأن الزواج مجرد (حاجة) يمكن الاستغناء عنها, ولا يعلمن أن الزواج يمنح المرأة الإحساس بالكمال والقدرة, وأن المعاناة والصعوبات والمسؤولية تؤكد لها أنها موجودة وفاعلة ومفيدة, أما الأمومة فهي الامتداد والأثر المتروك والإنجاز الحقيقي والنجاح الكبير والثروة التي لا تزول.. فإذا كنتِ من اللائي يخدعن أنفسهن بوهم الحرية والاسترجال فأرجو أن تعيدي حساباتك وتنظري لأبعد من تحت قدميك, وتذكري الإنسان الوحيد الذي يحبك بصدق هو ذلك الطفل الذي يثمر عنه زواجك المبارك. وإذا كنتِ ضد الطبيعة البشرية المتعطشة للحب والمشاركة فتأكدي أن الأمومة تكفي كعامل تحريضي يدفعك للزواج ستحمدين الله عليها كثيراً حالما ولجت عالمها الساحر الذي يستحق كل التضحيات.
* تلويح:
لا تكابرن..!!! فالرجل هو هوية المرأة الاجتماعية.
صحيفة الصيحة