1-
المذيعة بسمات عثمان تقول لمحدثها إنها ناقلةٌ للأخبار وليست صانعةً لها، فيجب ألا تُلام على ذلك.
كنا حتى في العهد السابق نُواجَه بذات الاتهام؛ لماذا تُركزون على الأخبار السالبة ولا تهتمون بنشر الأخبار الإيجابية؟!
ما قلناه أمس يجب أن نكرره اليوم:
أشيروا إلينا بما ترونه أخباراً إيجابية مستحقةً للنشر والإبراز، دون الوقوع في شباك الكذب الدعائي والمبالغات الثلجية.
تظل في كل العهود معاناةُ الناس في المعاش والحياة هي الأعلى صوتاً من أفراحهم، إن وُجدت!
-2-
من أين تأتي الصحفُ بالأخبار السعيدة لتنقلها بسمات وصحيباتها وصفوف الوقود والخبز تتلوى كالأفاعي صباح مساء؟!
من أين تأتي الصحف بالأخبار المفرحة مع قطوعات الكهرباء وجفاف خطوط المياه وتردي أوضاع المستشفيات وانعدام الدواء، وتصاعد أسعار السلع؟!
ومن أين تأتي الصحف بالأخبار السعيدة والوزراء لا يفتتحون منشأة جديدة ولا يجدون حلا لمشكلة قديمة؟!
هم كما قال المحترم عمر الدقير أقصر من قامة التحديات وطموح الثوار!
-3-
قبل عامين أو أكثر شرع عدد من الإعلاميين السودانيين، في تكوين مجموعة للأخبار السعيدة، تحمل اسم (إعلاميون ضد الإحباط).
لم تستطع المجموعة الإعلامية الاستمرار في مهمتها النبيلة، لسبب بسيط وهو عدم توفر المواد الخام!
لم تتوفر أخبار سعيدة بإمكانهم الترويج لها والحديث عنها، حتى يسهموا في مكافحة فيروس الإحباط.
طالعت قبل فترة بأحد مواقع الانترنت، خبراً يقول إن شابَّاً عشرينيّا انجليزيا قام بإنشاء موقع، لا ينشر فيه سوى الأخبار السعيدة: الاكتشافات والابتكارات، وكل ما بمقدوره وضع ابتسامة مشرقة على وجه القارئ.
لا أعرف حتى الآن مصير تلك التجربة الصحفية، لا أظنها مستمرة إلى اليوم.
-4-
القدر وحده، ألقى بنا في طرقات مهنة تستمدُّ وجودها وحيويتها، من نشر الأخبار السيِّئة: الحروب، التوترات، الكوارث، والأزمات.
يجب ألا يساهم الإعلام في بيع الأكاذيب والأوهام، وأن يُبصِّر بالمخاطر، ويضع إصبعه على مواضع الوجع، ويشير بقوة إلى مراكز الخلل والقصور، وألا يختبئ في معية النعام!
-5-
الحقيقة التي تبدو أكثر وضوحاً، هي وجود جهات رسمية عدّة، أمس واليوم، تبدو متخصصة في تسويق وإنتاج الأخبار السيِّئة.
الساسة هم الذين يجعلون الصحف تولول بالمصائب.. لا يقدمون بارقة أمل ولا بصيص ضوء ولا حلوى وعد.. يتشاكسون ويتصارعون، دون إحساس بحشائش الأرض ولا بالورود اليانعة.
في العالم الثالث يندر أن تجدَ سياسيًّا له مقدرة على إنتاج أفكار نيِّرة ومشرقة، تُسهم في حل المشكلات والأزمات. جميعهم بارعون في الكيد لبعضهم البعض.
بارعون في الهدم ونسج الأوهام، وعاجزون عن صناعة الأحلام، وإنتاج الأفكار.
-6-
المشكلة ليست في السياسيِّين كأشخاص، ولكن في الثقافة السياسيَّة السائدة، التي تجعل الحاكمين في كل العهود، يزيِّنون الواقع بالأكاذيب ووعود السراب وإنكار الحقائق، وإذا سايرتهم صحافة زمانهم في بيع البضاعة المغشوشة؛ فقدت الصحافة أعز ما تملك وهي مصداقيتها، فأصابها البوار.
في مقابل ذلك، المعارضون في كل العهود يراهنون على استثارة غضب الجماهير وغيظهم، بتكثيف نشر الأخبار السيِّئة، وتبخيس إنجازات الحكومة للوصول بالجماهير إلى مرحلة الثورة على الراهن.
-أخيرا-
دعكم من الصحف (المغرضة) وبسمات (الكوزة )، لو أُوكل تحريرُ الصفحات الأولى بالصحف ووضع خطوطها الرئيسية لدكتور عبد الله حمدوك، لما وجد خبراً واحداً مضاداً للإحباط، ومفرحاً للسودانيين، غير تكوين لجان التحقيق..!
صحيفة السوداني