اخبار السودان لحظة بلحظة

تعيين الـولاة.. في انتظار (جودو) جوبا !

الخرطوم: آدم محمد أحمد

خبر «رشق والي وسط دارفور المكلف بالحجارة وتكسير زجاج سيارته»، يصلح أن يكون العنوان الأبرز للمرحلة السياسية ولائياً ومركزياً، لكونه يشير إلى مستوى تدني العلاقة بين مكونات الفترة الانتقالية «مدنيين وعسكريين»، والأمر لا ينفصل عن ما يجري في ولايات البلاد عامة، ويتعداه إلى عاصمة دولة جنوب السودان حيث تعقد مفاوضات السلام بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح، الذي انعكس في تضارب التصريحات بين أعضاء الوفد الحكومي الواحد بشأن قضية تعيين ولاة مدنيين، إذ قال محمد حسن التعايشي عضو السيادي إن جهود التوصل لاتفاق مع الجبهة الثورية حول القضية تعثرت، وإن الحكومة ستمضي إلى تعيين الولاة دون انتظار نتائج الجولة، وبالمقابل كانت تصريحات شمس الدين الكباشي عضو السيادي في ذات الإطار جاءت بما يشبه الرد، لكونه أعلن عدم وجود اتفاق على تعيين ولاة مدنيين، وقال إن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك طلب الإبقاء على العسكريين.

والمتابع لمسار قضية ولاة الولايات يجد أن المسألة ما أن تختفي وتهدأ حتى تعود إلى الواجهة مجدداً، نتيجة لأسباب مختلفة، دون أن تصل الأطراف إلى حل جذري بشأنها، وإن كان المعلوم أن قضية تعيين الولاة تم إرجائؤها في وقت مبكر وفقاً لبنود إعلان جوبا والوثيقة الدستورية، والإبقاء على الولاة العسكريين إلى حين حدوث توافق في المفاوضات، وهو ما لم يحدث حتى الآن. ففي الأشهر الماضية حاولت مكونات قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة، البحث عن توافق لتعيين الولاة لكنهم اصطدموا بعقبة عدم التوصل إلى توافق يضمن سلامة القضية، إذ ظهرت في السطح خلافات داخلية وتنازع حول المناصب، هذا بخلاف ما يجري في جوبا، عندما هددت حركة العدل والمساواة بالانسحاب من المفاوضات حال أقدمت الحكومة على تعيين الولاة منفردة، وقال الناطق باسم حركة العدل والمساواة، عضو وفد التفاوض معتصم أحمد صالح، «إنه إذا أقدمت الحكومة فعلاً على تعيين الولاة وأعضاء المجلس التشريعي قبل التوافق مع أطراف إعلان جوبا فإنه سيكون بمثابة تنصل عن إعلان جوبا لبناء الثقة، مما يعني انسحابها من الإعلان تماماً، وسيؤدي لفقدان الثقة مع أطراف الإعلان جوبا وبين الطرفين»، وكذا يشير محمد حسن هارون الناطق الرسمي باسم حركة تحرير السودان جناح مناوي، إلى ان قوى الحرية انفقت وقتاً طويلاً في اقناع «الثورية» بتعيين الولاة، وأضاف في تصريح تلقته «الانتباهة» قائلاً:»الوقت الذي اضاعته قحت من أجل اقناع الاخرين بالموافقة على محاصصتها على تعيين الولاة لو تم توظيفه للسلام ومعالجة ازمات الوطن الاقتصادية لقطعت شوطاً كبيراً».
وسابقاً عندما اشتد الرفض في الولايات ناحية بعض الولاة العسكريين الذين واجهوا تحرشات من بعض الجهات ضدهم عبر احتجاجات ومظاهرات، استدعى رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان الحكام العساكر إلى المركز، لان بعضهم طلب اعفاءه، وعقد هؤلاء اجتماعاً مسبقاً مع وزير الحكم المحلي، لكنهم ابلغوه بقرارهم بعدم الاستمرار وقال بعضهم للوزير «سنعود إلى قيادتنا العامة في الولايات وليس ولاة»، حينها اتصل الوزير بالبرهان وقال له «ناسك ديل تمردوا عديل على المناصب»، فما كان من البرهان إلا ان استدعى الولاة في القيادة العامة، وكان اللقاء اشبه بالمواجهة، لان بعضهم قال للبرهان «كيف تقبلون ان يذل جنرال في الجيش صرفت عليه القوات المسلحة حتى وصل إلى هذه الرتبة»، ووفقاً لمصادر أن البرهان منحهم الضوء الأخضر لممارسة صلاحياتهم دون أي خوف.
الا ان تطاول الأمد في انتظار نتائج جوبا، خلق بعض الملل داخل قوى الحرية والتغيير، التي ترغب في تعيين ولاة مدنيين لتنفيذ برنامج تفكيك نظام الانقاذ، لان بعض قوى التغيير تعتقد ان الولاة العسكريين ما هم الا امتداد للنظام السابق، وكانت بعض تصريحاتهم في هذا الجانب واضحة، ولكن بعضهم يعلن احترامه لشراكة العساكر، وهنا تأتي تصريحات عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني أول أمس عندما أكد «أهمية وجود الجيش في الفترة الانتقالية كشريك أصيل لقوى الحرية والتغيير»، ولكن هذا التباين يتمدد إلى الولايات عبر تحريك الشارع ضد الولاة العسكر، وهو ما حدث في كسلا عند زيارة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وما تلاه من مظاهرات خرجت نتيجة لخلافات بين مكونات التغيير، وهي ذات الاسباب التي جعلت المحتجين يرشقون سيارة والي وسط دارفور اذ اتهم الوالي «أصحاب أجندة بتحريض النازحين».
واستمرار هذه الأمر يمثل تهديداً للاستقرار في الولايات، التي تسجل حالات انفلات امني، واحتجاجات غير مبررة احياناً في قضايا لا تستحق، وهو ما خلق فراقاً في بعض الولايات كالنيل الابيض التي اعلن واليها تقديم استقالته والانسحاب من واجهة الولاية، ولكن الشاهد ايضاً ان بعض الولايات تريد استمرار الولاة العساكر في الوقت الراهن، كولاية نهر النيل التي خرجت في مظاهرات مؤيدة للوالي الذي اعلن نيته الابتعاد مما دفعه إلى العودة مجدداً، ويقول حسن كفوت احد قيادات نهر النيل إن المواطنين في نهر النيل دعموا وجود الحاكم العسكري، وأضاف»لان الولاية ظهرت فيها خلافات عشائرية وقبلية وجهوية وسياسية في كيفية اختيار وال مدني من واقع ان اغلب المرشحين كانوا من تيار واحد».
ومع أن الاتفاق الرسمي عبر الوثائق أو السياسي في الراي العام، يدعو إلى مدنية المرحلة وتعيين ولاة مدنيين، إلا ان طبيعة العلاقة بين مكونات القوى السياسية أصبح لا يساعد على تحقيق ذلك الشعار، مما يتطلب مزيداً من التشاور، وهو ما اشارت اليه ثنايا حديث لياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية شمال جناح عقار، عندما قال إن التعيين المؤقت للولاة الى حين اتفاق السلام لا يلغي اتفاق جوبا، وأضاف :»من مصلحتنا جميعاً والجبهة الثورية جزء من قوى الحرية و التغيير ان لا نخلق شروخاً حول اتفاق جوبا الذي خلق روحاً جديدة مبنية على الشراكة بين أجهزة الحكم الانتقالي والجبهة الثورية، وهذا يعزز من العلاقات داخل قوى الحرية والتغيير نفسها والجبهة الثورية ويدعم مؤسسات الحكم الانتقالي».
ولكن حسن كفوت القيادي بحزب الأمة الوطني واحد قيادات نهر النيل، يقول إن المكون المدني لا يملك الحد الادنى من الاتفاق حول التراضي على الولاة من منظور التوافق الشعبي، ويؤكد كفوت في حديث لـ»الانتباهة» إن حظوظ العساكر كبيرة لانهم محايدون ولديهم القدرة على ضبط الحياة لعامة بموجب التفويض، ويشير كفوت إلى ان الولاة العسكريين واجهوا عراقيل من مدنيين لتحقيق مصالح ذاتية وسياسية، ويضيف «هناك خلافات عميقة بين قوى الحرية ظهرت في ترشيح الولاة، من واقع ان قوى معينة فرضت اشخاصاً غير متفق عليهم، مما أسهم في إحداث حراك ميداني مقاوم لمنهج الحرية ومؤيد للعساكر»، ويشير حسن إلى ان بعض الولايات ذات الطبيعة الامنية تتطلب وجود ولاة عسكريين لان العسكري لا يحتاج الى تفويض، وأضاف «تجربتنا في هذا الجانب أن العسكريين هم أكثر حضوراً في معالجة الخدمات، لكونهم الأنشط وسجلوا نجاحاً أكثر من التيارات المدنية الحاكمة في مجلس الوزراء».

The post تعيين الـولاة.. في انتظار (جودو) جوبا ! appeared first on الانتباهة أون لاين.

اترك رد