اخبار السودان لحظة بلحظة

بعد تأكيد المؤكد هل ستنفتح المؤسسات الدولية على السودان؟

تقرير: محمد عبد العزيز
كان بسيطاً رد مسئول مكتب العقوبات في الخارجية الأمريكية تايلور ريقليس على خطاب وزير الدولة بالخارجية السودانية حول صعوبات تواجه السودان في إجلاء رعاياه من مدينة ووهان الصينية بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على السودان، وهو يقول بخطاب مؤرخ بتاريخ 25 فبراير الماضي :”انتهاء كافة أشكال العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان بموجب الأمرين التنفيذيين 13067 و13412 الصادرين منذ 12 أكتوبر2017م”، وأبدى مسئول مكتب العقوبات تفهما في تحفظ المصارف العالمية في التعامل مع السودان عبر مشاركة القرار واضعاً روابط تشرح الأوامر الرئاسية التي صدرت في ذلك التوقيت.

محافظ بنك السودان المركزي بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم أعلن عبر تصريح رسمي لوكالة السودان للأنباء أن البنك المركزي تلقى خطاباً من مدير مكتب العقوبات بوزارة الخارجية الأمريكية عبر وزارة الخارجية يفيد بتأكيد انتهاء كافة أشكال العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان بموجب الأمرين التنفيذيين 13067 و13412 الصادرين منذ 12 أكتوبر2017.

وأشار إبراهيم إلى أنه بموجب إلغاء الأمرين فقد تم رفع العقوبات عن 157 مؤسسة سودانية ولم يتبق ضمن العقوبات سوى بعض الأفراد والمؤسسات المرتبطين بالأحداث في دارفور.

ويشير الخطاب إلى أن ذلك ليس له أي علاقة بمسألة التحويلات البنكية هذا فضلا عن ثلاث روابط تشير إلى انتهاء العقوبات عن 157 مؤسسة سودانية بتاريخ 12 أكتوبر2017.

وقام بنك السودان المركزي بمخاطبة المصارف السودانية والمراسلين بذلك كما قام بمخاطبة بعض المصارف المركزية بالدول العربية لتنشيط علاقات المراسلة المصرفية تعظيما للمنفعة المشتركة حسب ما أشار بيان من البنك المركزي.
وقررت الولايات المتحدة في 12 أكتوبر 2017 رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية على الخرطوم بعد فرضها مدة 20 عاما متواصلة على خلفية مزاعم دعم الخرطوم لـ”الإرهاب” لكن القرار لم يجر تنفيذه.
ولكن خطاب مكتب العقوبات ومشاركة روابط القرار هل ستفتحان الباب أمام السودان للاندماج في النظام المصرفي العالمي خاصة في ظل استمرار وجوده ضمن لائحة الدول الراعية للإرهاب أم ستلجم مد الدولار الذي ثار في الأسواق الموازية ليصل لنحو 117 جنيه؟.

مخاوف مصرفية
العديد من البنوك حول العالم أوقفت تعاملاتها مع السودان تخوفاً من الغرامات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على بعض المصارف الأوروبية أشهرها
بنك (بي أن بي باريبا) الفرنسي والتي وصلت إلى 8,9 مليارات دولار، مما أدى لإيقاف التعاملات المصرفية مع أوروبا إلى جانب غالبية الدول الآسيوية ومصارف أمريكا الجنوبية، فيما تحاشت المصارف العربية التعامل المصرفي مع السودان بالدولار.

لم يتغير الحال كثيرا بعد رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان والتي يتأثر بها العالم، ومنذ أكتوبر العام 2017م يواجه السودان حصارا مصرفيا شبه تام باستثناء شرايين محدودة للحياة، ولم يتغير المشهد كثيرا بعد الثورة التي أطاحت بنظام البشير.

وضعت الحكومة الانتقالية في السودان وجود السودان ضمن لائحة الإرهاب كواحد من التحديات الرئيسية، باعتباره حجرة عثرة أمام الاندماج المصرفي وإعفاء الديون وتدفق الاستثمارات.

إلا أن مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية تيبور ناجي أكد في وقت سابق لـ(السوداني) أن وجود السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب لا يمنعه التعامل مع النظام المصرفي العالمي.

وقال ناجي أن مفاوضات واشنطن مع الخرطوم تتناول “ما هو أوسع من مجرد قائمة الإرهاب “.

ومع إظهاره التفاؤل حيال النتائج الإيجابية لتلك المشاورات الثنائية إلا أنه رفض تحديد فترة زمنية بشأن إنهاء وجود السودان على اللائحة السوداء بسبب ما أسماه (تعقيد بعض الملفات).

وشدد ناجي على أن وجود السودان في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب لا يمنع تعامله مع النظام البنكي الدولي سيما وأن هذه العقوبات رفعت عام 2017.

وأوضح أن مشكلة عدم تمكن الخرطوم من التعامل مع البنوك العالمية ذات صلة “بمتأخرات السودان للصناديق المالية وسمعته الدولية”.
في مقابل ذلك بدأت واشنطن الدخول الاقتصادي تدريجيا للسودان عبر الاتفاقية الموقعة في ديسمبر 2019 والتي تمنح مصارف سودانية الوصول إلى أنظمة أوراكل المصرفية وافتتحت مطاعم كنتاكي الشهيرة فروعا بالخرطوم لأول مرة.

ضد الإحباط
حالة من الإحباط أصابت السودانيين عندما تم رفع العقوبات الأمريكية الشاملة على السودان في أكتوبر 2017، فعلى عكس المتوقع بدأ الاقتصاد في التدهور بوتيرة أكبر إلا أن ذلك بحسب مراقبين يرجع لسياسات النظام السابق التي تسببت في تعقيدات بيروقراطية وعدم فعالية في وضع أظمة لمحاربة الفساد وغسل الأموال
لذلك من شبه المؤكد أن شطب الإرهاب لن يؤدي إلى تحسن اقتصادي فوري أيضًا ما لم يتم إجراء إصلاحات هيكلية وتشريعية حاسمة في القطاع المصرفي والبيئة الاستثمارية وإدارة المساعدات الاقتصادية.
في أوائل عام 2019م، كشف تحقيق أجرته مجلة The Sentry حول نظام مكافحة غسل الأموال في السودان أن جهود الحكومة لمكافحة التمويل غير المشروع لم تكن كافية على الإطلاق، ولم يتغير الكثير منذ ذلك الحين، وبحسب المجلة ما تزال العديد من البنوك السودانية مملوكة للأغلبية من قبل الشركات التي تسيطر عليها قوات الأمن أو غيرها من الكيانات الحكومية والتي لا يزال يديرها أعضاء سابقون في الدائرة الداخلية للبشير وكبار أعضاء الجيش والأجهزة الأمنية، مما يُحدث تضاربا في المصالح وسبلا من سوء المعاملة داخل البنوك، وأضافت المجلة:”على الرغم من وجود إشارات واعدة على أن بنك السودان المركزي يعمل على معالجة أوجه القصور، فإن الرقابة المصرفية لا تزال ضعيفة، والبنك المركزي – على الرغم من إصدار توجيهات جديدة بشأن الرقابة المصرفية – لا يتمتع بسلطة كافية لحسم البنوك الفاسدة”.

تحديات أكبر
عملية رفع السودان من لائحة الإرهاب معقدة يساء فهم طبيعتها وإجراءتها على نطاق واسع فهي ليست مجرد قرار بل عملية إجرائية، فضلا عن ذلك تبدو التوقعات المتصلة بها مبالغا فيها.
تقضي عملية شطب القوائم بأن تقوم الحكومة الأمريكية بإجراء تقييم متعمق لمدة أشهر حول ما إذا كان السودان يواصل دعم الإرهاب وما إذا كان يتوافق مع المعايير الأخرى التي اتفق عليها الطرفان والتي تضمنت مؤخرا التوصل لتسوية مع ضحايا المدمرة الأمريكية كول. بمجرد الانتهاء من هذا التقييم وتحديد العزم على إزالة السودان من القائمة، أمام الكونغرس نافذة مدتها 45 يومًا لمنع هذه الخطوة. من المحتمل أن تستغرق العملية برمتها عدة أشهر.

أما فيما يتعلق بتأثير عقوبات لائحة الإرهاب فهي لا تحظر أو حتى تجرم الاستثمار الأجنبي، بل تفرض قيودًا محددة على المساعدات الخارجية للحكومة الأمريكية للسودان، وتحظر صادرات الدفاع ومبيعات الأسلحة، والمواد ذات الاستخدام المزدوج إلى السودان. تحظر القائمة أيضًا تصدير بعض السلع الزراعية والأجهزة الطبية إلى السودان، ولكن تم رفع هذا الحظر بالكامل تقريبًا من قبل وزارة الخزانة الأمريكية في أكتوبر 2017م.

ومن المهم الإشارة إلى أن قائمة الإرهاب لا تقف عائقا أمام تخفيف عبء الديون في السودان. في الواقع، فإن القائمة تمنع الولايات المتحدة من التصويت لصالح حزم تخفيف عبء الديون الصادرة عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والقروض والتمويلات الأخرى متعددة الأطراف، لكنها لا تمنع أي بلد أو مجموعة من البلدان الأخرى من تقديم مساعدات أو تخفيف عبء الديون، كما أنه حتى إذا تم رفع تسمية الإرهاب، فإن سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بشأن المتأخرات ستمنع الإقراض للسودان.

على كل يمكن القول إن خطاب مكتب العقوبات الامريكية يمكن أن يمثل دفعة معنوية لجهود السودان للاندماج في النظام المصرفي العالمي، الا أن ما يحرك تلك المصارف ومؤسسات الائتمان هو الاستقرار السياسي والسياسات الاقتصادية المحفزة لتحقيق الأرباح فضلا عن إزاحة مخاطر التعامل مع السودان الذي ما يزال مصنفا كراعٍ للإرهاب ( De-Risking case)، لتعمل وفقا للمثل الشعبي “الباب البيجيب الريح سدو واستريح”.

اترك رد