الخرطوم: آدم محمد أحمد
أظهرت أوروبا «مجتمعة ومنفردة» اهتماماً كبيراً بالسودان، عقب الثورة التي أطاحت بنظام الحكم السابق، خاصة من جانب دولتي «فرنسا وألمانيا»، وإن كان التوجه الألماني نحو السودان بدأ حتى في العهد السابق، إلا أن ما جرى خلال الأشهر الماضية من تبادل للزيارات وإعلان مساعدات كان أمراً لافتاً، يدعو إلى التوقف عنده، لسبر غور العلاقات السودانية الأوروبية في عهدها الجديدة.
الزيارات المتتالية للمسؤولين الأوروبيين إلى السودان، في ظرف أشهر، قليلة تحمل تفسيراً واحداً وهو أن أوروبا تريد أن تستغل الواقع الجديد في السودان لبناء علاقات تحافظ على مصالحها في أهم دولة أفريقية وعربية ذات موقع جغرافي متميز، وإن كان البعض يعتقد أن النظر إلى الاتحاد الأوروبي ينبغي أن يستصحب أن الدول المنضوية تحت تلك الراية لكل منها أجندة خاصة تعبّر عنها، إلى جانب الرؤية الكلية لكتلة أوروبا مجتمعة، وهذا يبدو واضحاً في الاهتمام الفرنسي والألماني، فأول زيارة لرئيس الوزراء كانت إلى باريس، ثم تلتها إلى برلين.
السفير إدريس سليمان، يقول إن استراتيجية السودان ينبغي أن تقوم على العمل سوياً «تعامل ثنائي كل بلد على حدة وجماعي»، وكذا ويقول الكاتب إبراهيم ناصر في إحدى مقالاته المنشورة «إن الجسم الأوروبي يعاني من تصدعات بسبب التعارض في المصالح الخارجية لذلك، لا بد من أن تقوم الجهة الراسمة للسياسة الخارجية السودانية على عدم اعتبار الاتحاد الأوروبي كياناً موحد الرؤى والمصالح حيال أي دولة خارجه وبالتالي، لا بد من نسج علاقات مع كل دولة من الدول الأعضاء للاتحاد على حدة».
وبالطبع فإن الاهتمام الأوروبي كما ذكرنا بالسودان لم يأت من فراغ أو اعجاباً بالتغيير الذي تم، وان كان ذلك موجوداً، إلا ان لأوروبا مصالح تعتقد ان السودان يمكنه تحقيقها الآن، إذا اخذنا في الاعتبار ان وجود نظام الانقاذ كان واحداً من العوائق الماثلة في طريق علاقات متوازنة، لجهة ان الكثير من البلدان الأوروبية كانت لا ترغب في اقامة علاقات مع نظام البشير لاعتبارات من بينها المقاطعة الامريكية التي لها تاثير كبير عليهم، وهو ما وضح الآن عندما قرر البرلمان الألماني رفع الحظر في اطار التعاون عن السودان بعد ثلاثين عاماً، بموجب مسودة طرحها الائتلاف الحكومي ونالت توافقاً إيجابياً، الغى القرار السابق للبرلمان الذي حظر بموجبه الحكومة الألمانية من تقديم أيّة مساعدة أو تعاون مع الحكومة السودانية.
وأبرز ما تريد أوروبا تحقيقه من السودان وفقاً لمراقبين هو ان تلعب الخرطوم دوراً محورياً في مكافحة الهجرة غير الشرعية وتجارة البشر والجرائم الأخرى التي ظلت تعاني منها دول أوروبية كثيرة طيلة العقود الماضية، وهذا يتم ايضاً عبر دعم النظام السياسي والتحول الديمقراطي المنشود، هذا بالنظر إلى التفكك وعدم الاستقرار الذي تعيشه دول محورية مثل ليبيا، وفي مقابل ذلك يعتقد البعض ان الاتحاد الأوروبي يمكنه ان يقدم الكثير إلى السودان حتى يقوم بدوره، وهو ما أشار اليه نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي “جوزيف بوريل، الذي قال «زيارتي تمثل رسالة واضحة للسودان والإقليم بأن الاتحاد الأوروبي سيظل يدعم بكل قوة عملية الانتقال السياسي في السودان، وكذلك استعداد السودان للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لاننا نرى أن السودان الديمقراطي ضمان للاستقرار في الإقليم»، ولترجمة ذلك أعلن جوزيف عن توفير مبلغ «100» مليون يورو للسودان، إضافة إلى المبلغ السابق والبالغ «150» مليون يورو ليصبح الدعم الكلي «250» مليون يورو. ووفقاً لمعيطات ومؤشرات مختلفة ان الدعم الأوروبي للسودان لا يزال ضعيفاً مقارنة بالدور المطلوب، وعلى سبيل المثال ان اوروبا تستثمر حوالي 44 مليار دولار في افريقيا، وتدعم اثيوبيا بأكثر من 750 مليون دولار وموزمبيق بحوالي 800 مليون دولار سنوياً، وهذا مدعاة للكثير من الاسئلة المهمة حول ما ينبغي ان يضعه السودان كرؤية استراتيجية بغية الاستفادة القصوى من هذه الميزة، وعلى سبيل المقارنة ايضاً يمكن الإشارة إلى دولة تركيا التي تستخدم سياسة عبرها تعرف كيف تستفيد من موقعها، آخرها اقدام انقرة على فتح الحدود لتدفق اللاجئين إلى اوروبا مما دعا الأخيرة إلى اعلان الدعم والمساندة لتركيا، وهنا يقول السفير ادريس سليمان في حديث لـ»الانتباهة» إن السودان يقدم خدمات جليلة على رأسها الهجرة غير الشرعية ويتحمل ملايين المهاجرين، وأضاف» في السودان أكثر من 5 ملايين لاجئ ومهاجر منهم 2 مليون مهاجر و3 ملايين لاجئ»، ويؤكد إدريس انه مع كل ذلك تمنحنا أوروبا فقط 60 مليون يورو، ظلت معلقة وتمنح 80% منها للمنظمات العاملة في التنفيذ، ويرى إدريس أن الحكومة في حاجة إلى دبلوماسية نشطة وفاعلة تستطيع ان تستعمل الكروت التي في يدها وتمتلك رؤية واضحة للضغط على أوروبا، ويضيف «للأسف الدبلوماسية ليست على ما يرام في اطار جذب العون والاستثمارات والتعاون الاقتصادي، وحتى الآن ظهرت كسولة، إضافة إلى ان الحكومة ليست لديها رؤية في العمل الدبلوماسي الخارجي».
وكذلك وفقاً للمواثيق الدولية فإن السودان يتحمل اعباء التزامات تجعله في موقع المحاسبة حال الاخلال بها، خاصة في مواضيع الهجرة الدولية، يقول السفير حسن جاد الكريم لـ»الانتباهة»، إن اجندة أوروبا واضحة تتمثل في وضع السودان الجغرافي، وهو ما يتوافق مع تشريع دولي جديد وميثاق للهجرة، ويؤكد جاد الكريم أن الهجرة فيها 3 عناصر ، «اللاجئون والنازحون» واضافت المواثيق والتعريفات مؤخراً المغتربين، ويشير إلى أن السودان يختلف عن اي دولة لكونه يشمل ثلاثة تعريفات للهجرة «دولة معبر ومصدرة واقامة مؤقتة»، ويضيف للاستفادة من هذه الميزات ينبغي على السودان، الالتزام بالنصوص وطلب مساعدات فنية دولية تمكنه من تنفيذ المهمة.
The post العلاقات السودانية الأوروبية.. مكافحة «الهجرة» أحد شرايينها!! appeared first on الانتباهة أون لاين.