اخبار السودان لحظة بلحظة

تجاوزات الموظفين.. (لم تسقط بعـــــــــد)

الخرطوم: صديق رمضان
حينما أوقفت الشرطة بمدخل الخرطوم الجنوبي (سوبا) عربة إسعاف حكومية قادمة من إحدى الولايات، وهي تحمل على متنها خموراً مستوردة، توقع كثيرون أن يكون العقاب مشددا ورادعا بحق من ارتكبوا هذه المخالفة والتي أثبتت التحريات أن مسؤولاً بارزاً يقف على رأسهم، غير أن الحادثة لم تجد العقاب المتوقع ولا يزال ذات الموظف الرفيع يواصل عمله، ومن ذات الولاية فقد تم إيقاف عربة إسعاف اخرى على مشارف العاصمة وهي تحمل على متنها كمية تجارية من الهواتف السيارة التي دخلت البلاد عبر التهريب، ورغم ان أصابع الاتهام ذهبت مباشرة ناحية المسؤول الأول عن حركة عربات الإسعاف إلا أنه لم يتعرض للمساءلة ولا يزال يواصل عمله.
وفي ولاية اخرى فإن مسؤولا بارزا في الزكاة ارتكب خطأ فادحا حينما تصرف في كميات كبيرة من الذرة غير أن عقابه كان نقله من محلية الى اخرى ولا يزال يواصل عمله، وفي هذه الحلقة نستعرض ثلاثة نماذج لموظفين حاليين وسابقين لم تطلهم يد المحاسبة حينما ارتكبوا مخالفات إدارية وجنائية.
عهد الإنقاذ وفقه السترة
قبل إلقاء الضوء على النماذج الثلاثة للموظفين الذين أثبتت تقارير مدير جهاز المراجعة القومي ارتكابهم لمخالفات مالية وإدارية، لابد من الإشارة الى أن عهد النظام المباد حفل بالكثير من الجرائم التي تم ارتكابها من صغار وكبار الموظفين بحق المال العام وكان التعامل معهم يرتكز بشكل أساس على فقه السترة التي يتناقض كليا مع إقامة العدل وإعمال سيف القانون على رقاب الذين يتعمدون الاعتداء على المال العام أو يرتكبون مخالفات، ومن خلال تقصينا فقد اكتشفنا أن عددا مقدرا من الموظفين الذين وردت اسماؤهم في تقارير المراجع العام لخمسة أعوام لا يزال (80%) يمارسون مهامهم وسبب إفلاتهم من العقاب الانتماء للمؤتمر الوطني.
اختلاسات وعمل النموذج الأول الذي يكشف عن حجم الفوضى في الخدمة المدنية خلال العهد البائد، بطلته موظفة تدعى زبيدة تم اتهامها بحسب تقرير مدير جهاز المراجعة القومي بولاية الخرطوم بالنمرة د م ق/ و خ/ 83 / ب بتزوير واختلاس مبلغ من المال، ويشير التقرير الى أنه ومن خلال الفحص المستندي لحساب المفوضية العمل الطوعي والإنساني بالولاية، ويشير التقرير الى دفع مبلغ من المال بموجب الشيك رقم 9 باسم المذكورة عبارة عن دعم لبعض الأسماء لمقابلة الإجراءات المالية بتوقيع المذكورة مع كشف الصرف، وبالاستفسار والمخاطبة لم تفد ما يؤيد استلام المبلغ بواسطة الأسماء المذكورة بالكشف، كما تم دفع مبلغ الى موظفين وهما إخلاص مدير التمويل بالمالية، وآدم عوض الله مدير التمويل والميزانية وقتها ومدير عام وزارة المالية الحالي ـ الذي تقاعد الى المعاش غير أنه تم التجديد له هذا العام ـ، وأشار التقرير الى أن المذكورين لم يكونا وقتها ضمن أسماء العاملين بالمفوضية، واللذين وبموجب خطاب بالنمرة د م ق / و خ/83/ 8 أكدا عدم استلام أي مبلغ ويوضح المراجع أن هذا يعني تحويل المذكورة المبلغ الى مصلحتها الشخصية ووجه مساعد مدير جهاز المراجعة بالولاية في خطابه باسترداد المبلغ واتخاذ إجراءات قانونية ضدها بمخاطبة وكيل النيابة، وذات الموظفة تم اتهامها في تقرير آخر لجهاز المراجعة القومي حينما كانت تعمل بالمجلس الأعلى للدعوة والإرشاد باستلام مبلغ سبعة وأربعين ألف ريال بتوجيه من الأمين العام للمجلس الأعلى للدعوة والإرشاد عبارة عن سلفيات لأمراء وإداريي حملات ولاية الخرطوم، إلا أن المراجع وحسب تقريره الرسمي يؤكد أن الموظفة زبيدة لم تسلم هذا المبلغ لمستحقيه حسب إفاداتهم، وقد تمت إحالتها للنيابة وكان هذا في العام 2018.
استمرار في العمل
رغم التقارير الرسمية في القضية الأولى إلا ان الموظفة زبيدة لم تتعرض للإيقاف عن العمل، وتم نقلها الى محلية جبل أولياء، وهذا دفع مدير جهاز المراجع القومي بولاية الخرطوم الى مخاطبة المدير التنفيذي للمحلية، وأشار خلاله الى أن تقريراً لجهاز المراجعة الذي صدر اتهم الموظفة بالتزوير والاختلاس حينما كانت تعمل في مفوضية العمل الطوعي والإنساني بولاية الخرطوم، وأنه وجه بتحريك إجراءات قانونية ضدها بنيابة الأموال العامة، وبناء على ذلك فإن مفوض العمل الإنساني والطوعي حول التقرير الى المستشار القانوني لوزارة الشئون الاجتماعية لتكملة الإجراءات، وبالفعل تم تدوين البلاغ بنيابة الأموال العامة وفتح بلاغ بالرقم 14063 تحت المادة
177 من القانوني الجنائي وتم إطلاق سراحها بالضمان، ورغم أن الإجراءات القانونية ضدها كانت قائمة وأنه بناء على خطاب النيابة كان يفترض إيقافها عن العمل الذي جاء كما يشير المراجع استنادا إلى خطاب مدير الشئون المالية والتنمية الاقتصادية الذي أكد المراجع عدم قانونيته وتضمنه معلومات غير صحيحة، ونوه المراجع في خطابه الى محلية جبل أولياء إلى ان قانون الخدمة المدنية بولاية الخرطوم نص في الباب الثاني على أنه يجوز للسلطة المختصة إيقاف المتهم الذي أقيمت ضده إجراءات جنائية عن العمل ، وأكد ان إجراءات إعادتها للعمل غير قانونية، وطالب بإيقافها عن العمل، والموظفة زبيدة ورغم أن تقرير المراجع العام أشار الى
ضلوعها في اختلاس وتزوير في مناسبتين إلا انه لا تزال حاليا موظفة بولاية الخرطوم وتتولى إدارة رفيعة وتعتبر من أبرز قياديات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية.
تزوير في وضح النهار
أما القصة الثانية التي تجسد حقيقة تزوير عدد مقدر من العاملين بالخدمة المدنية لشهادات العمر والمؤهل الجامعي يوضحها تقرير لجهاز المراجعة بولاية الخرطوم، الذي يشير الى أنه تبين للمراجعة من خلال فحص ملف موظفة تدعى ماريا، وجود صورة لشهادة بكالريوس صادرة عن جامعة القاهرة فرع الخرطوم، تفيد بأن المذكورة قد حصلت على درجة البكالريوس في المحاسبة بكلية التجارة بتاريخ العام 1984 وأن المراجعة خاطبت الجامعة (النيلين حاليا ) للاستيثاق من حقيقة الشهادة وتبين عدم وجود اسم المذكورة في سجلات الجامعة في ذات الفترة، واعتبر المراجع أن في هذا تزويراً، ووجه باتخاذ الإجراءات القانونية واتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة المذكورة بناء على إفادة الجامعة، وذات الموظفة أحضرت شهادة من مجلس تنظيم مهنة المحاسبة والمراجعة أشارت خلالها الى أن الموظفة ماريا غير مسجلة بالمجلس والذي وبحسب الخطاب لم يصدر شهادة بنجاحها، وأكد المجلس ان رقم التسجيل الوارد في شهادتها بالرقم (1721) يخص طالبة تدعى ليلى أحمد، وكانت الشهادة التي أحضرتها الموظفة ماريا تشير الى أنها اجتازت بنجاح الجزء الثاني من امتحانات الزمالة السودانية،غير أن المراجعة أثبتت أنها ضالعة في تزوير الشهادة الجامعية وتلك الصادرة من مجلس تنظيم مهنة المحاسبة، والغريب في الأمر أنها لا تزال تعمل.
تمليك السيارات الحكومية
ولننتقل الى وجه آخر من أشكال التجاوزات التي ضربت الخدمة المدنية في عهد النظام المباد، ومنها تمليك السيارات الحكومية، وهذا الملف شهد الكثير من التجاوزات التي أثبتتها تقارير لمدير جهاز المراجعة القومي خاصة فيما يتعلق بالأسعار التي اشتراها بها الموظفون والتي وكما تؤكد التقارير تقل دائما بنسبة 70% من سعرها في السوق.
ومن هذه النماذج موظف تم تمليكه بدل العربة اثنتين وهذا ما تكشفه المستندات، وهذا الموظف هو مدير الوقاية الأسبق بوزارة الزراعة الاتحادية خضر جبريل الذي تم تملكيه عربة رغم تقاعده للمعاش، وكان ذلك في العام 2015 والعربة من ماركة كامري موديل 2015 رقم مرورها 393/11 ورقم الشاسية 3030322 ورقم الماكينة 1216042 وتبين من خلال المستندات الرسمية أن وزارة المالية هي التي ملكت خضر جبريل العربة في العام 2017 دون طرح الأمر في عطاء أو مزاد مقابل ثمانين ألف جنيه، ووقتها كان سعرها في السوق ثمانمائة ألف جنيه .
وأكد المراجع وقتها أن هذا التمليك باطل لجهة ان من شروط تمليك السيارات الحكومية أن يكون عمرها قد تجاوز الخمس سنوات، كما أنها لم تتعرض لحادث حركة لتلجينها تمهيدا لبيعها.
عربة ثانية
وذات الموظف السابق خضر جبريل، تملك من قبل عربة حكومية (لاندكروزر، مونيكا) كانت تعمل في المأموريات (مسح الآفات) ورقمها خ أ 713 ورقم الماكينة 309052 ، والغريب في الأمر وبحسب المستندات في مبلغ التمليك الذي دفعه المعاشي جبريل وقتها بلغ أربعة وعشرين ألف
جنيه، رغم أن قيمتها السوقية وقتها كانت تبلغ سبعمائة ألف جنيه،وهذا يعني حصوله على سيارتين حكوميتين يبلغ سعرهما مليونا وخمسمائة ألف، والمبلغ الذي دفعه من أجل الحصول عليهما مائة وأربعة آلاف جنيه فقط .
أوراق غير مكتملة
من المخالفات التي أثبتتها تقارير المراجع العام، أن عددا مقدرا من منسوبي الخدمة المدنية توضح الحقيقة أن ملفاتهم تعد مخالفة للمادة 154 من قانون الخدمة المدنية القومية لسنة 2007 وكثيرا ما أشار إلى أن نتيجة هذا الإجراء يشير الى عدم صحة التعيين بما يؤدي الى  صرف مبالغ بدون وجه حق لغير المستحقين، وبخلاف التعيين وكما أشرنا آنفا فإن عدداً من الموظفين أحضروا شهادات مزورة، إضافة الى إشارة المراجع العام الى أنهم ارتكبوا مخالفات مالية تتمثل في الاختلاس، غير أنه ورغم كل ذلك فإن معظم الذين ارتكبوا مخالفات لا يزالون في الخدمة بسبب انتمائهم للمؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية ما   يعني أن الإنقاذ لم تسقط بعد.
العودة للتقارير عودة الخدمية المدنية إلى سابق عهدها لا تتوقف على إبعاد من انتسب إليها بطرق غير شرعية.
واستناداً إلى تمكين الإخوان المسلمين في الثلاثين عاماً الماضية، بل بتقليب أوراق تقارير جهاز المراجعة القومي ولائياً ومركزيا والتي تحوي الكثير من الأسماء لموظفين ارتكبوا مخالفات واضحة غير أن العقاب لم يشملهم، وهذا يعني حتمية اتخاذ إجراءات قانونية ضدهم.

The post تجاوزات الموظفين.. (لم تسقط بعـــــــــد) appeared first on الانتباهة أون لاين.

اترك رد