(1)
تقول الطرفة انه على أيام الحرب الباردة قال الأمريكي لرصيفه الروسي: (أنا يمكنني أن أقف أمام البيت الأبيض وأنتقد وألعن الرئيس الأمريكي والذين خلفوه، وأرجع إلى بيتي في أمان دون أن يلاحقني أحد) فرد. عليه الروسي بالقول: (بسيطة وأنا أيضاً يمكنني أن أقف أمام الكرملين وأنتقد وألعن سنسفيل الرئيس الأمريكي والذين خلفوه وأرجع الى بيتي مطمئناً من أي ملاحقة).هذا هو الفرق بين الحرية وعدمها، فالحرية في تقديري لحظة وجود ولحظة الوجود كما وصفها سادتنا فلاسفة التصوف هي تلك التي لا يمكن موضعتها أي نقلها بالكلمات إنما يحتاج المرء أن يعيشها حتى يدرك كنهها. فبصراحة ربنا كدا نحن في السودان الآن وبعد ثورة ديسمبر المجيدة، والتي كان أول شعاراتها حرية نعيش حالة حرية حقيقية فأنت اليوم يمكن أن تنتقد وتلعن وتثمن وتبخس ما تشاء ومن تشاء دون خوف من أن تصبح غداً في الجك.
(2)
حرية التعبير والتنظيم نعمة كريمة لأنها تحرر الإنسان من الخوف، والإنسان الحر هو الذي يبني الوطن القوي. فالأوطان لا تبنيها النفوس المرتعدة، والدولة القوية هي دولة القانون أي التي ليس فيها كبير على القانون، فلحظة الحرية التي نعيشها الآن ينبغي أولاً: أن ندركها، ثم ثانياً: الإمساك بها وعدم التفريط فيها, ثالثاً: التضحية ببعض المكاسب المادية من أجلها، رابعاً والأهم توجيهها لبناء الوطن، فالحرية في وطن متهالك لا تعيش ولا تنمو إنها مثل راكوبة الخريف والذين يحاربون الحرية من الداخل والخارج أدركوا هذه الحقيقة , حقيقة أن الحرية محتاجة لوطن متماسك، فهاهم اليوم يسعون لهدمه لتتطربق الحرية فوق رؤوسنا ونرجع لأيام المتابعة والخوف، إن نقطة ضعف الحرية هي أنها بالضرورة أن تكون مشاعة للجميع يعيشها الذين يؤمنون بها والذين يرفضونها في وقت واحد، لذلك هناك من يوجهها للهدم خوفاً على مصالحه الخاصة التي لا تزدهر وتنمو في دولة القانون لأنها مصالح قائمة على الجور والظلم.
(3)
إن العلاقة بين قوة الفرد وقوة الوطن علاقة جدلية والحبل السري الذي يربطها إذا انقطع سوف ينكسر المرق ويشتت الرصاص، فنحن اليوم نتنفس حرية برئات مفتوحة أربعة ضلف لكننا للأسف في وطن مخنوق لذلك لابد من أن نوجه حريتنا هذه نحو الوطن لتخليصه من هذه (الزردة) فنحن نتنفس برئة الوطن مثلما أن الوطن يتنفس برئاتنا ولحسن الحظ أن الزردة الآن بالنسبة لنا واضحة جداً وهي الاقتصاد، فالزردة الآن تمسك ببطننا وليس بحلقنا، وهذا من حسن حظنا لأن دماغنا وحواسنا الخمس يمكن أن تشتغل لتخلص الوطن، وهذا يحتاج للحظة توحد نحو الهدف فإذا بددنا طاقتنا في خنق بعضنا البعض سنكون انحرفنا عن هدفنا وسيروح الوطن في حق الله وساعتها ستكون حريتنا الفردية التي ننعم بها الآن قد راحت هي الأخرى في حق الله. فيا أيها الناس إن حريتنا الحلوة المنعشة التي نعيشها الآن محفوفة بكثير من المخاطر وتحتاج لجهد خرافي لتبقى. إنها مثل (جنا النديهة)، أها بتعرفوا جنا النديهة دا ؟ خليكم معانا إن شاء الله.
صحيفة السوداني