تحليل: أحمد يوسف التاي
أعادت تصريحات رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك حول ضرورة هيكلة الجيش السوداني، والتي جاءت أثناء المؤتمر الصحافي الذي عقده في حضور الرئيس الألماني أمس الأول، أعادت هذه التصريحات حساسية هذا الملف إلى الواجهة، وفيما يرى البعض أن هذه الخطوة ـ هيكلة الجيش والمؤسسات الأمنية ـ ضرورة مُلحة تقتضيها ترتيبات السلام وإنهاء الحرب من خلال المفاوضات الجارية الآن بجوبا، يرى آخرون أن هذا الإجراء يُمثل الخطوة الأولى في اختراق المنظومة الأمنية في البلاد من جهات خارجية وداخلية، وأن هذه الخطوة واحدة من ملامح استهداف المؤسسة العسكرية السودانية التي ظلت عنصراً من عناصر وحدة التراب السوداني رغم التشوهات التي أحدثتها تجربة الجبهة الإسلامية بزعامة الترابي في هذه المؤسسة العريقة أثناء فترة حكمها التي امتدت لثلاثة عقود.
حمدوك في المقدمة
وبقراءة المعطيات الراهنة والتي سوف نوردها من خلال هذا التحليل، يبدو جلياً أن هناك تنازعاً حول ملف هيكلة الجيش والمنظومة الأمنية بشكل عام بين المكونين العسكري والمدني في الحكومة الانتقالية من جهة، وبين مفاوضي الحكومة والجبهة الثورية من جهة ثانية، إذ لم يعد خافياً أن هيكلة الجيش والشرطة والأمن ظلت مطلباً أساسياً لأغلبية قوى الحرية والتغيير، خاصة القوى اليسارية التي تبدو أكثر إصراراً على هذه الخطوة، والآن يُضاف إليها تصريحات حمدوك الأخيرة التي أكد فيها أن هيكلة الجيش والمؤسسات الأمنية تُعد خطوة ضرورية وأساسية تعزز هذا المطلب بشكل كبير، ويستقوي أنصار هذا المطلب بنصوص واضحة حوتها الوثيقة الدستورية التي أشارت إلى هذه الخطوة بوضوح باعتبارها واحدة من المهام الأساسية للحكومة الانتقالية.
مخاوف ومحاذير
وفي مقابل ذلك يرى البعض أن مفاوضات السلام الجارية حالياً بجوبا تستهدف تغيير العقيدة القتالية للجيش السوداني وذلك من خلال تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، وهي العقيدة نفسها التي حاربت بها القوات المسلحة التمرد منذ سبعينات القرن الماضي وحتى الآن، ويخشى البعض من انحراف عملية الدمج والتسريح إلى محاصصات جهوية داخل المؤسسة العسكرية، كما حدث في قسمة المناصب السياسية والخدمة المدنية، وإذا حدث ذلك سيبدو الأمر غريباً على المؤسسة العسكرية التي عُرفت بقوميتها قبل صعود الجبهة الإسلامية بزعامة الترابي للحكم في 30 يونيو 1989 حيث استهدف تنظيم الإخوان المسلمين المؤسسة الأمنية بشكل لافت لضمان استمرار بقائه في السلطة.
قوى إقليمية وراء الخُطوة
في غمرة الحديث عن ضرورة هيكلة القوات المسلحة والمؤسسة الأمنية، شهدت الساحة السياسية والإعلامية خلال الأسبوع الماضي تصريحات لعضو المجلس السيادي الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، يمكن أن تُقرأ في هذا السياق الذي سبقت الإشارة إليه، حيث اتهم جهات لم يسمها بالسعي لاختراق المؤسسة الأمنية وضرب وحدتها، وألمح إلى وجود جهات إقليمية تقف وراء هذه الخطوة، وقبل ساعات من حديث الكباشي تدوالت الأسافير تسجيلاً منسوباً لمخابرات إحدى الدول يكشف عن سعي منظمات وتنظميات سياسية من أجل العمل على هيكلة القوات المسلحة وإعادة بناء منظومتها وعقيدتها القتالية.
حميدتي على الخط
ولم يكن الكباشي هو أول من أشار إلى سعي جهات محلية وإقليمية لاختراق المؤسسة الأمنية، حيث أشار نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان حميدتي في أوقات سابقة إلى سعي بعض الدول وعبر سفاراتها لاختراق المنظومة الأمنية. وأشار في آخر حوار صحافي له إلى دخول بعض الشخصيات الأمنية إلى السودان تحت لافتة صحفي أجنبي وحذّر حميدتي من التمادي في استهداف المنظومة الأمنية ككل والدعم السريع بصورة خاصة.
طبيعة الهيكلة
وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، لم يسهب في طبيعة هيكلة الجيش، إلا أن الذي يتبادر إلى الأذهان وبحسب المهام الموكلة لحكومة الفترة الانتقالية، فإن من أهم أهداف هيكلة المؤسسات الأمنية هو إزالة تمكين الجبهة الإسلامية داخل المؤسسة العسكرية التي اخترقتها سياسياً وحوّلت بعض أفراد المنظومة الأمنية إلى أعضاء في حزب المؤتمر الوطني، يُلزمون بدفع الاستقطاعات لتمويل الحملة الانتخابية لحزب المؤتمر الوطني، كما جاء ذلك في الحوار الذي أجرته (الانتباهة) مع مسؤول الملفات الاقتصادية السابق بجهاز الأمن العميد م. محمد الحسن فقيري، لذلك فإن الهيكلة المقصودة هنا هي إزالة تمكين النظام المخلوع داخل المؤسسات العسكرية والأمنية، ولا شك أن هذا الوضع يتيح فرصة كبيرة أمام الفصائل السياسية، والفصائل المسلحة الأخرى من اختراق المؤسسة العسكرية بواسطة كوادرها من خلال السلام والفترة الانتقالية، ولعل هذا ما يشير إليه العسكريون بحذر كما في حديث الكباشي وحميدتي. وبالنظر إلى الظروف السياسية الهشة والاقتصادية المعقدة والسيولة الأمنية التي تشهدها البلاد حالياً، وملامح الغياب التام لهيبة الدولة فإن كل السيناريوهات تبدو محتملة بنسبة كبيرة إذ ليس بمستبعد أن تكون اختراقات المؤسسة الأمنية التي حذّر منها الجيش، قد قطعت شوطاً كبيراً بالفعل .
The post هيكلة الجيش.. هل تنتهي بمحاصصات جهوية وسياسية؟ appeared first on الانتباهة أون لاين.