البروفيسر: عبـدهـ مختار
الأخ د/ أمين حسن عمر رجل مثقف ومفكر ونزيـــه. ولكن ما أستغرب له أنه لم يصطف مع بقية العقلاء من علماء الحركة الإسلامية الذي اختاروا منصة النقد من خارج أسوار السلطة وليس التشبث بالسلطة التي يعترف الآن (بعد الثورة) أنها كانت «مستبدة»! كما أستغرب أنه يقول – في حوار صحافي – أنه «غير نادم على انقلاب الإنقاذ»!
كانت هنالك الكثير من الفرص أمام أمين عبر الثلاثين عاماً وهو من نخبة المثقفين في الحركة الإسلامية أن يسجل موقفاً تاريخياً تجاه ما يحدث من فساد وفشل واستبداد وظلم وانتهاكات وممارسات غير ديمقراطية وغير إسلامية، ظلت تمارسها الحركة الإسلامية عبر ذراعها السياسي (المؤتمر الوطني)! كنتُ أتوقع أن يحذو أمين حذو رصفائه العلماء من النخبة الإخوانية الناقمون والناقدون من أمثال البروفيسرات التجاني عبد القادر وحسن مكي والطيب زين العابدين والدكتور عبد الوهاب الأفندي وغيرهم. لكن ظل أمين عضواً أصيلاً وفاعلاً في هذه الحركة الإسلامية وذراعها حكومة المؤتمر الوطني بكل سوءاتها، حيث ظل مستوزراً بها عدة مرات. الموقف الوحيد الذي يُحسب لأمين هو اعتراضه على إعادة ترشيح الرئيس البشير.
قال أمين حسن عمر في حوار صحيفة (التغيير) الإلكترونية معه (16/12/2019) إنه كان يتوقع أن يتم التغيير بإزاحة البشير وأن يتدخل الجيش لحماية الإسلام! لقـد فات على أمين أن الفاشل ليس البشير وإنما كل المنظومة وكل النظام. كما أدهشني بقوله «إن يتدخل الجيش لحماية الإسلام»! أين هو الإسلام في عهد الحركة الإسلامية/المؤتمر الوطني يا دكتور؟!! – ما لكم كيف تحكمون:!¿
لقد ظل الأخ أمين بكل علمه وفكره يدافع عن نظام تتجلى سوءاته كل يوم حتى للمواطن البسيط! وظل يكرس فكره وعلمه للدفاع عنه وتقديم التبريرات لاستمراره – وحتى في قمة السخط والغضب الشعبي ضده والذي انتهى إلى ثورة شعبية عارمة كان رأي الأخ أمين أن تتم التضحية بالبشير فقط ولا يرى أية إشكالية في استمرار ذلك النظام!!
الأخ أمين تحدث عن تضحيات الحركة الإسلامية وأنها قدمت شهداء! أرجو إعمال الفكر بموضوعية في هذا المفهوم من خلال السؤال يا أمين: شخص مظلوم واحتج فيتم قتله بدلاً عن رفع الظلم عنه، من هو الشهيد: المظلوم الذي يدافع عن حقه ويحتج على الظلم، أم مّن يظلم ويقاتل المظلوم فيكون شهيداً إذا قُتِل؟؟!!
استميح القارئ أن أقدم مثالاً لاستخدام أمين علمه للدفاع عن نظام فاشل/فاسد بتبريرات «مدهشة»:
في يوم (7/1/2015) لبيتُ دعوة من جمعية «رواد العلوم السياسية» بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية لحضور المؤتمر الأول لطلاب العلوم السياسية بالجامعات السودانية. وقد كان المؤتمر تحت عنوان: «الرؤية العلمية لطلاب العلوم السياسية بالجامعات السودانية تجاه قضايا الحوار الوطني»، وذلك بقاعة التنويـر المعرفي بالخرطوم. وقد شـرَّفه عددٌ من ممثلي الأحزاب السياسية منهم د. أمين حسن عمر (المؤتمر الوطني) وكمال عمر (الشعبي) وحسن رزق (الإصلاح) ومحمد ضياء الدين (البعث العربي الاشتراكي) والبروفيسور/ حسن سيد سليمان (الجمعية السودانية للعلوم السياسية).
كنتُ حريصاً على الحضور لكي أعرف كيف يفكر الجيل الجديد من الشباب وخاصة طلبة العلوم السياسية بالجامعات السودانية. وأشهد بأن الطلبة قـد أعدوا أوراقاً وقدموها بالطريقة ذاتها التي يفعلها الكبار في مؤتمراتهم العلمية. وأشهد بأن مناقشاتهم اتسمت بالهدوء والموضوعية وعدم الانفعال.
لكن يبدو أن الأخ الدكتور أمين حسن عمـر لم يعجبه نقـد الطلبة للأداء السياسي للحكومة فنسى أنه قال في بداية حديثه بأنه جاء كدارس للعلوم السياسية وأنه لا يمثل الحكومة، وانبرى لهم بلغة السياسي المنحاز لا الأكاديمي المحايد. لكنه حاول أن يغطي على ذلك وقال للطلبة «أنني جئتُ لأسمع كلام علمي من طلبة العلوم السياسية لأن السياسة علم». (وشرح لهم خطوات البحث العلمي). وقال لهم – في ما معناه – لكنكم تحدثتم حديث سياسي، وأن كل كلامكم فلسفة بينما السياسة علم وليس فلسفة لذلك تمت تسميتها «علوم سياسية»، واستنكر عليهم أنهم تحدثوا عن الخطاب السياسي للحكومة.
كنتُ قد سبقتُ أمين حسن عمر في المداخلة. وما كنتُ أرغب في الحديث مرة أخرى لكن رأيتُ أن الأخ أمين يلوي عنق الحقائق العلمية ليوجِّـه مسار المؤتمر تحت زعم أن «السياسة علم» فقط! والأخطر من ذلك أنه سوف يؤثر على عقول الطلبة بما يرقى لمستوى التشويش.
لم أستطع أن أصمت وأنا أرى أن الحقائق يتم تطويعها لصالح السياسة – وليس علم السياسة. رأيتُ أن أطلب فرصة مرة أخرى للتعليق على د. أمين حيث كانت الأمانة العلمية تقتضي مني هذا التدخل حتى لا يتم التشويه على عقول الطلبة في فهمهم للعلوم السياسية. فقلتُ فيما قلتُ إن العلوم السياسية هي علم وفلسفة. فدراسة الحريات والحقوق والعدالة والمساواة والمواطنة وغيرها من القيم والمفاهيم المجردة هي فلسفة (فلسفة سياسية). والفلسفة السياسية هي فرع رئيس من فروع العلوم السياسية. (نشرتُ ذلك في مقال بعنوان: كيف يفكر هؤلاء: السوداني: 13/1/2015).
] تصويب:
في مقالي السابق عن الشاعر الراحل عبد الرحمن مكاوي (بعنوان: شاعر الغلابى والثورة والحب: 22/2) كتبتُ اسم ديوان شعره وقصيدته «أصبحتُ كيف؟» والصحيح هو (أصبحتو كيف؟).
The post ما لم يقله أمين حسن عمر appeared first on الانتباهة أون لاين.