بقلم: أحمد يوسف التاي
بعد لقاء (عنتبي) بين البرهان ونتياهو، دار جدلٌ كثيف بين المثقفين والسياسيين والإعلاميين حول مكاسب السودان من هذا اللقاء، وكنتُ أقول بخلاف ما يقول الرئيس البرهان ومناصروه: (بأن اللقاء فيه مصلحة للسودان)، فقد كان منطق كل الذين أيّدوا اللقاء تبريرياً، فهم يزعُمون أن التقديرات السياسية رأت في اللقاء مصلحة للبلاد ولذلك تمّ على هذا الأساس. ويذهب البعض إلى أن اللقاء سيكون بوابة للاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية في مجال الزراعة، وهذا ما يحتاجه السودان تماماً باعتبار أن السودان بلد زراعي وكذا.
لكن كل الذين تجادلتُ معهم حول هذه القضية تلعثموا حول سؤال واحد كنتُ دائماً أطرحه عليهم في معرض الحوار، والسؤال هو: أنتم تقولون إن الحكومة أقبلت على اللقاء وأكملته عندما رأت فيه مصلحة للسودان، تُرى هل ستُقبل الحكومة على إعادة علاقاتها مع إيران إن رأت في ذلك مصلحة للبلاد؟
أنا أقول لن تستطيع ولن يحدث ذلك أبداً على الأقل في هذا التوقيت، فلن يستطيع أي مسؤول سوداني أن يُفكر الآن في تطبيع العلاقات مع طهران، ولا حتى الالتقاء بمسؤول إيراني واحد حتى لو بأقل من مستوى نتنياهو، لأن هناك قوى دولية وإقليمية لا تريد ذلك، لكن بالمقابل تم لقاء عنتبي بكل سهولة ويسر لأن ذات القوى الدولية والإقليمية أرادت ذلك، فكان لها ما أرادت، وهنا يأتي محك سيادة الدول.
واستناداً إلى هذه الحقيقة المجردة التي لا تقبل المغالطات يمكن القول إن كثيراً من الخطوات والإجراءات تتم وفقاً لمصالح القوى الدولية والإقليمية وليس لمصلحة الشعوب كما يُقال، فسيادة الدول النامية ومصالح شعوبها لم تعد تتحكم فيها حكوماتُها، فالحكومات المحلية تفعل ما يُطلب منها مقابل حمايتها ودعمها واستمرارها في الحكم.
السودان بلد زراعي بالدرجة الأولى، وهذا صحيح تماماً، وبه إمكانات زراعية مهولة وهذا أكثر ما يصحُّ عن السودان، والسودان بحاجة ماسة للتكنولوجيا الإسرائيلية وغيرها، لكن هناك خطوة أهم من التكنولوجيا الإسرائيلية، فهي الأساس الذي يتقدم ولا يتأخر، وأعني القضاء أولاً على الثالوث الذي دمّر اقتصاد السودان: (غياب الإرادة السياسية، ضعف الإدارة الاقتصادية، والممارسات الفاسدة). ولتوضيح الصورة أضرب مثالاً واحداً: الدولة في كل عام توفر مليارات الجنيهات لتمويل الزراعة، لكن (الثالوث) الذي سبقت الإشارة إليه يضع هذه المليارات في يد الطبقة الطفيلية والوسطاء والسماسرة، و (تجار الكسر) وقليل جداً من المزارعين، بينما تُقام العراقيل وشتى أنواع البيروقراطيات أمام المزارع الذي يضطر في الأوقات الحرجة جداً للتعامل الربوي مع (تجار الكسر) من جهابذة (الكتفلي)، وبهذا يتعرض لأبشع أنواع الخسائر والظلم الفادح.. فمثل هذا الغلبان ماذا يستفيد من التكنولوجيا الإسرائيلية، فلْتوَفِّر له الدولة أولاً التمويل والمبيدات ولْتَحمه من مخالب الطبقة الطفيلية ثم بعد ذلك لتأتي مرحلة التكنولوجيا الإسرائيلية التي أُريد لها أن تكون مبرراً للقاء والتطبيع، فليكن التطبيع مع اسرائيل لكن قبلها مع إيران؟ ولا السؤال ممنوع!!… الـلهم هذا قسمي في ما أملك.
نبضة أخيرة:
ضعْ نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الـله، وثقْ أنه يراك في كل حين.
The post التطبيع مع إيران..!! appeared first on الانتباهة أون لاين.