اخبار السودان لحظة بلحظة

ظروف تعليمية قاسية يعانيها تلاميذ مدارس بالحلة الجديدة في أم بده

يعاني تلاميذ وتلميذات مدارس الأساس بضاحية الحلة الجديدة بمحلية امبدة بامدرمان ظروفا انسانية قاهرة وقاسية؛ فلاتتوفر لهم وجبة طعام الافطار الرئيسية التي تسد بطونهم الخاوية وتقوي اجسادهم وتبني اجهزتهم المناعية؛ ويقدمون الى المدارس من منازلهم البعيدة قاطعين مسافات طويلة جوعى منهكين وبطونهم خاوية (خماصا) في حال يرثى لها؛ لاتقدر ولاتقوى ارجلهم العجفاء على حملهم ؛ فالفقر يطحن اسرهم التي تعجز عن توفير الوجبات الغذائية لهم ؛فبعضهم يسقط مغشيا عليه في الفصول او فناء المدرسة؛ وآخرون صاروا يسرقون ويتسولون الطعام من الاسواق والبيوت وكثيرون تركواوهجروا مقاعد الدراسة واتجهوا الى ممارسة الاعمال الشاقة والمهن القاسية مثل اعمال البناء و(العتالة) وغيرها لقاء أجور زهيدة من اجل الحصول على لقمة طعام تسد وتملأالبطون الخاوية؛ اطفال في عمر الزهور زغب الحواصل لاذنب لهم؛ تمزق سكاكين الجوع بطونهم الخاوية وتنهشها نهشا ؛وعندما تراهم تحسبهم بقايا هياكل عظمية واشباح واشباه بشر تدب على الارض في ثياب بالية وممزقة ورثة؛ هيئتهم تحكي وتجسد وتلخص قصة الجوع والفقر والعذاب الذي لاينتهي؛ اطفال صغار وأبرياء لايد لهم في ذلك العذاب الذي لاينتهي بيد انهم ضحايا زمن التجويع والافقار (اليوم التالي)ذهبت الى مدارس الحلة الجديدة موطن الجوع والمعاناة والفقر؛ ورصدت و نقلت صورا مأساوية لتلميذات وتلاميذ الحلة الجديدة الجوعى والجائعات ؛ورصدت حكاوى الجوع والحوجة والمسغبة, ولكن رجاءا احبسوا الدموع قبل قراءة هذا التحقيق.

سيغشى عليهم جميعا
كان الأستاذ مرتضى أحمد يونس مدير مدرسة (الشهيد جعفر المواطن) الاساسية بالحلة الجديدة يقوم بعمله الروتيني المعتاد في ذلك الصباح الباكر بالمدرسة داخل مكتبه؛ وفجاة تدافع تلاميذ الصف الثالث الى صحن مكتبه صائحين وخائفين يصدرون جلبة عالية ويصرخون(يااستاذ مرتضى في طالب وقع جوة الفصل)! ؛ فقد سقط أحد التلاميذ بالصف داخل حجرة الدراسة مغشا عليه؛ عندها هرع الاستاذ مرتضى سريعا وعندما وصل الفصل لاهثا وجد احد التلاميذ مغشيا عليه وفاقدا الوعي تماما ومكوما فوق الارض تحت الأدراج و(الكنب)؛ فقام بحمله فوق ظهره وعدى به سريعا الى المركز الصحي المجاور؛ وعندما اجرى الطبيب عليه الكشف اللازم اتضح انه اغمي عليه بسبب (الجوع)، فتم اعطاؤه (الدربات) المعوضة حتى استقرت حالته الصحية ؛ومن ثم قدم له الاستاذ مرتضى الطعام بعد ذلك؛ فأخذ التلميذ الجائع يأكل بنهم وهلع شديدين كأنه لم يتذوق الطعام منذ مئة عام! وعاد الى الفصل بعدها برفقة الاستاذ مرتضى مدير المدرسة العطوف والاب الحاني؛ واحوال التلاميذ والتلميذات بالصف الذي سقط فيه الطالب الجائع مغشيا عليه وفي كل المدرسة بل في كل مدارس الحلة الجديدة ليست افضل حالا منه ؛فهم كلهم جائعون ومعذبون وبطونهم خاوية يتضورون جوعا ويجلسون منصتين للدروس وهم مشتتو الذهن والافكار لايفهمون حرفا ولايستوعبون درسا؛ فكيف للجائع ان يستوعب او يفهم ؛هيهات ثم هيهات !؟لكن ذلك التلميذ المسكين المغمى عليه ؛ فقد نهش الجوع اعماءه نهشا ولم يعد يحتمل سكاكينه التي مزقت احشاءه بقسوة فسقط مغشيا عليه؛ وهم جميعا سوف يسقطون مغشيا عليهم ايضا من الجوع في نهاية الامر ان لم يكن اليوم فغدا.

ذئب يغتصب تلميذة جائعة
ولن تنسى ذاكرة وضمير ووجدان الاهالي الطيبين في الحلة الجديدة قصة تلك التلميذة الجائعة بالمدرسة الحكومية؛ والتي قام ذئب بشري تجرد من كل القيم الانسانية والبشرية والآدمية والاخلاق والضمير وقام باستدراج الطفلة الجائعة بـ(طعمية ورغيفة) واقتادها الى منزل مهجور طرف الحي واغتصبها ومزق غشاء بكارتها بعنف حتى كاد ان يكتم انفساها ويقضي عليها؛ ثم ولى هاربا بعد ان ارتكب جريمته النكراء؛ تاركا الطفلة البريئة تغرق في بحيرة من الدماء؛ ولولا ان نبهت صرخات الطفلة العالية بعض العابرين بالطريق وهبوا لنجدتها وانقذوها سريعا من فك ذلك الذئب المفترس لقضى عليها ولأجهز على حياتها تماما؛ لكن كتبت لها عناية المولى عزوجل عمرا جديدا.

تلاميذ يتسولون الطعام
ودفع الجوع القاسي بعض تلاميذ الحلة الجديدة الى طرق الابواب واقتحام المنازل متسولين الطعام؛ فيجود عليهم البعض ببقايا الطعام البائت والخبزوالكسرة الجافة ؛فحال اصحاب المنازل والاهالي الفقراء ليس افضل منهم؛ فكلهم في الجوع سواسية؛ لافرق بين صاحب الدار والمتسول؛ فالناس هنا كلهم فقراء وجوعى ولكن بنسب متفاوته فهنالك الجائع وهنالك الاكثر جوعا وهنالك المعدم الذي لايملك شيئا ووصل حد الكفاف والمسغبة؛ بيد انهم يؤثرون على انفسهم ويجودون ببقايا الطعام على الاطفال والتلاميذ الجوعى الذين هم اكثر حوجة وجوعا؛ ولولا الحياء والخجل واليقين والتعفف لخرج كل سكان الحلة الجديدة متسولين مثل التلاميذ (يمدون القرعة)طالبين اللقمة الحاف.

يسرقون الطعام
وبعض التلاميذ الذين مزقت سكاكيين الجوع بطونهم الخاوية ؛يلجأون الى سرقة الطعام من سوق الحلة الجديدة والمطاعم ومحلات الطعام ؛واصبح امرا معتادا جدا ان ترى تلميذا (يخطف) طعمية او رغيفة من بائع الطعام ويفر هاربا!!,وبعضهم يقتحم المطاعم ويتسول الاكل من الزبائن اعطوهم او منعوهم؛ وبعضهم ينقب عن الفتات وبقايا الطعام في القمامة و(الكوش) ومكبات النفايات.

هجروا مقاعد الدراسة
وكثيرون من تلاميذ منطقة الحلة الجديدة هجروا مقاعد الدراسة وتركواالمدارس بسبب الجوع؛ واتجهوا لممارسة وامتهان الاعمال الشاقة مثل البناء والعتالة وغيرها؛ من اجل توفير لقمة طعام تملأ بطونهم الخاوية؛ لقاء مبالغ مالية زهيدة (لاتغني ولاتسمن من جوع ) بيد انه الفقر والجوع القاتل.

الجوع كافر
لكن ماهو راي اولياء الامور والامهات والاباء في هذا الامر الخطير ؟!ولماذا لايوفرون وجبة الطعام والافطار لابنائهم التلاميذ ويتركونهم يتسولون ويغادرون مقاعد الدراسة.

ردا على هذا السؤال؛ تقول السيدة نادية محمود تيراب وهي ام لتلميذة وربة منزل بالحلة الجديدة؛ ان الغالبية العظمى من سكان واهالي منطقة الحلة الجديدة هم من شريحة الفقراء والاكثر فقرا بل والمعدمين الذين لايملكون شيئا ؛ومعظم الاسر تعولها نساء وسيدات بسبب هروب الازواج؛وهم لايجدون لقمة طعام تسد الجوع وتملأ البطون الخاوية ؛وتضيف نادية عندهولاء القوم الفقراء والمطحونيين والمعدمين تصبح المدرسة والقراءة ضربا من الترف واللهو واضاعة الزمن الذي لاطائل ولاجدوى من ورائه ؛فهم لايجدون مايأكلون ولا يستطيعون ان يوفروا لقمة الطعام لابنائهم ؛فمابالك بالقراءة والمدرسة ومصاريفها وتكاليفها!؟,لذلك يتجه الاطفال الصغار للعمل لتوفير لقمة العيش والطعام لهم ولاسرهم ويهجرون مقاعد الدراسة ؛وتضيف نادية بحسرة(الناس هنا ماقادرة تعيش وما لاقية تاكل؛ وتقول لي مدرسة وقراية وكلام فارغ؛ الجوع كافر).

طيب ماياكلواباسطة
ضربتني كلمات السيدة نادية محمود تيراب في وجهي وقلبي بعنف؛ فهي قد لخصت واختزلت كل المشكلة في مفرداتها البسيطة وعباراتها القوية ؛فحقا الجوع كافر ,ولافضيلة ولااخلاق ولاتعليم ولادراسة ولامدارس مع الفقر ,ومن قبل عطل الخليفة سيدنا عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه عطل حد السرقة في عام الرمادة عندما جاع الناس ؛والناس هنا حياتهم كلها اعوام (رمادة)وجوع وفقر!؛ولاننسى مقولة وحكمة سيدنا علي ابن ابي طالب رضي الله الباذخة ؛(لوكان الفقر رجلا لقتلته)!والقراءة هنا عند اهلنا الفقراء والمساكين والمطحونيين في الحلة الجديدة ؛هي ضرب من الترف واللهو (كما قالت نادية محمود)؛ ترف يوازي مقولة الملكة (ماريو انطوانيت )حينما رات صفوف الجائعين في فرنسا ابان القرن السابع عشر يصطرعون حول المخابز من اجل (رغيفة )-مثل حالنا اليوم- :(طيب ماياكلوا باسطة) (بعد سودنة مقولتها الشهيرة طبعا.

كورة بليلة وطرقة كسرة
لكن الا توجد هنالك اية حلول او مبادرات انسانية او جمعيات خيرية اوخيرون او منظمات طوعية توفر وجبة الافطار للتلاميذ بالحلة الجديدة تطعم الافواه الجائعة وتملأالبطون الخاوية وتعيد الصغارالابرياء الى مقاعد الدراسة
يقول الاستاذ مرتضى احمد يونس مدير مدرسة الشهيد جعفر المواطن الاساسية بالحلة الجديدة؛انهم تبنوافي بداية هذا العام الدراسي مبادرة طوعية لتوفير وجبة الافطار لتلاميذ مدارس الاساس بالحلة الجديدة اسموها (مبادرة افطار تلميذ) ؛حيث يلتزم القادرون والمستطيعون بتوفير وجبة (بليلة عدس وكسرة او رغيفة) واحدة يوميا لتلميذ واحد (كورة بليلة وطرقة كسرة) في ظل ازمة انعدام الخبز الذي تعاني منه البلاد اليوم ؛مؤكدا ان الفكرة والمبادرة لقيت تجاوبا كبيرا ومنقطع النظير من قبل المواطنين واولياء الامور وبعض الخيرين من خارج المنطقة ؛وعبرها استطاعوا ان يوفروا وجبات الافطار لكثير من التلاميذ والتلميذات ؛لكن المشكلة التي تواجههم اليوم ان اعداد التلاميذ الجائعين اكبرمن الوجبات المتوفرة واحيانا يأتي الى المدرسة اطفال من الحي جائعين يطلبون الطعام وهم لسيوا تلاميذ بالمدرسة ,ونحن لانستطيع ان نحرمهم فهم اطفال ابرياء جوعى ولافرق بينهم والتلاميذ ؛ويناشد الاستاذ مرتضى كل الخيرين والمقتدرين للمشاركة والمساهمة في المشروع والمبادرة لاطعام الطلاب الجوعى والفقراء بمنطقة الحلة الجديدة ,ولفت مرتضى للدور الكبير الذي كانت تقوم به في السابق منظمة (مجددون)في توفير الطعام ووجبة الافطار للتلاميذ بالحلة الجديدة ؛بيد انها توفقت اليوم وتركت فراغا كبيرا في هذا الجانب واضاف مرتضى نتمنى ان تعود منظمة مجددون وتوفر الطعام للتلاميذ والاطفال الجائعين بالحلة الجديدة؛فقد كانت تسد ثغرة كبيرة.

الاغتصاب والسرقة
مدير قسم الشرطة بمنطقة الحلة الجديدة واسكان الصفوة بامدرمان ؛النقيب (محمد الامين التوم) قال (لليوم التالي)ان اكثر الجرائم انتشارا في منطقة الحلة الجديدة هي السرقة سيما التي يقوم بها الاطفال صغار السن وتلاميذ المدارس بسبب الجوع والفقر واغلبها واكثرها لا يعدو ان يكون مجرد (سرقة طعمية وعيشة وطماطم)!اما اخطر الجرائم التي تواجههم هنا فهي اغتصاب الاطفال من قبل ضعاف النفوس والذئاب البشرية التي تغري الاطفال الصغار بالطعام وتقوم باغتصابهم استغلالا لجوعهم وحاجتهم, ويضيف مدير قسم الشرطة كل تلك الجرائم هي مولود شرعي للفقر ونتاج طبيعي للاوضاع الاجتماعية والمادية المتدهورة للاهالي الفقراء هنا,ويختم مدير الشرطة حديثه (لليوم التالي) بقوله بعطف وشفقة ظاهرة (نحن قد نتساهل احيانا ونتجاوز (السرقات الصغيرة) للاطفال الصغار والتلاميذ الجوعى مثل سرقة (طعمية وطماطمة ورغيفة)؛ثم تغيرت اساريروجهه واكتست بالصرامة واردف في لهجة حادة وعنيفة : لكننا نتعامل بحزم وعنف في جرائم اغتصاب التلاميذ الابرياء وفلذات الاكباد الفقراء الجائعين الذين يعتدي ضعاف النفوس والذئاب البشرية على طفولتهم مستغلين جوعهم وحوجتهم.

الغذاء مقابل التعليم
الاستاذ عبدالله نورين مدير مدرسة التلال الحكومية بالحلة الجديدة ؛ناشد وزارة التربية والتعليم الاتحادية بتبني مشروع اسماه(التعليم مقابل الغذاء) تلتزم فيه الحكومة بتوفير وجبات الطعام للاسر الفقيرة والطلاب الفقراء والجوعى بمنطقة الحلة الجديدة؛مقابل التزام الاهالي بتعليم اطفالهم ؛على غرار مافعل والي ولاية البحر الاحمر السابق الدكتور محمد طاهر ايلا ؛الذي وفر الغذاء للاسر والطلاب الفقراء في ولايته فامتلأت المدارس بالطلاب والتلاميذ ,وبدا نورين متفائلا للحد البعيد بنجاح الفكرة والمشروع بالحلة الجديدة بامبدة.

أدركوا فلذات أكبادنا
ومن جانبنا نحن نطلقها صرخة عالية ومدوية لوزارة التربية والتعليم والحكومة والثوار والكنداكات وكل فئات وقطاعات الشعب السوداني؛ ونستصرخ ضمير الشعب الحي واليقظ، ونصهل عاليا ونقول ادركوا ابناءنا وفلذات الاكباد التلاميذ الجوعى في الحلة الجديدة, ومدوا لهم يد العون ووفروالهم الطعام واحموهم من الذئاب البشرية التي تغتصب طفولتهم وتقتل البراءة والنقاء ؛فهم مستقبل السودان المشرق ؛ولاذنب لهم ؛انه الفقروالجوع الكافر ؛ادركوهم وانقذوهم قبل فوات الاوان.

 

تحقيق: بهاءالدين قمرالدين

صحيفة  ( اليوم التالى)

 

اترك رد