كادوقلي : سوق كلولو : محمد أحمد الكباشي
بدا المشهد بحاضرة ولاية جنوب كردفان كادوقلي هذه الأيام مختلفاً عما كان عليه في السابق، في أعقاب التغيير والحراك الذي تشهده البلاد ولم تكن الحرب إلا ذكرى يجترها الناس هناك لتجاوز مرارتها ولا صوت يعلو هذه الأيام غير صوت ينادي بتحقيق السلام والاستقرار والمضي قدماً في تحقيق التصالحات إلى جانب إحداث تنمية حقيقية وقد بدأت بشارته تترا على أهل الولاية التي بدأت تستجمع قواها وتسترد عافيتها بعد أن جثمت الحرب على صدرها لأكثر من ثلاثين عاماً مما أخر مسيرة التنمية وعطل مشاريعها وتضاعفت نتيجة ذلك حالة الفقر والأمية والتشرد والنزوح بعد أن توصل أبناء الولاية إلى عدم جدوى الحرب بدأت الأمور تعود إلى نصابها، وما يؤكد ذلك حالة الحراك الذي تشهده الولاية في عدد من المناشط الثقافية والرياضية وإن كانت تعاني من ذات الأزمات التي تمر بها بقية الولايات من شح في الوقود في المقابل فإن الخبز لا يشكل هاجساً للمواطن هناك في وجود البدائل المتاحة .
طريق السلام
اتبعت حكومة الولاية نهج فتح اسواق شعبية للتواصل بين المواطنين، خدمة لهم للتواصل وتحقيق مكاسب اجتماعية واقتصادية سياسية و امنية وضعت الاساس المتين للاستقرار والتعايش ، والانصهار المجتمعي، وفي انتظار قطف الثمار مع توقيع السلام عبر الورق، بعد أن اصبح السلام واقعاً.
وتتعدد اسواق السلام للتواصل في مناطق كلولو بمحلية البرام، حجر الجواد بمحلية هبيلا ، دري بمحلية دلامي ، الفرشاية بمحلية الدلنج ، وها هي حكومة الولاية تؤكد على رغبة المواطنين وتستبق الجالسين على طاولة التفاوض بدولة الجنوب وتتخطى حاجز الخوف وهي من خلال المبادرة التي قادها والي الولاية اللواء ركن رشاد عبدالحميد إسماعيل لتحقيق سلام مجتمعي شامل وتمثلت هذه المبادرة بانشاء اسواق ذات خصوصية تحقق جملة من المطالب اولها بث الثقة بين الاطراف سواء بمناطق الداخل او بمواقع الحركة وهي ذات الفكرة التي بدأت نتائجها تتحقق على ارض الواقع ربما تولدت فكرة أسواق السلام لدرء الآثار السالبة (لأسواق السمبك) ، وربما جاءت تماهياً مع الرغبة الجامحة لدى الجميع نحو السلام ، ومنها (سوق السلام في كلولو) في محلية البرام في جنوب كردفان ، ولكنها بلا شك فكرة جيدة ، لا سيما في ولاية ظلت تعاني الحرب (35) عاماً وقد ظلت في حرب متصلة منذ (9) سنوات ، ألقت بظلال سالب على مجملها أرضاً ومجتمعاً وتنمية وخدمات ومقومات اساسية ومكتسبات أهلها .
رحلة إلى الجنوب
حرصت حكومة الولاية لان تجد هذه المبادرة حظها من التبشير بها على مستوى البلاد باعتبارها أنموذجاً يحتذى لتحقيق السلام في كافة ربوع جنوب كردفان وكان لا بد ان نقف على هذه التجربة بسوق (كلولو ) تحركنا مجموعة من الصحف صبيحة الجمعة الماضية من حاضرة الولاية متجهين الى الجنوب الشرقي وبالرغم من ان الزيارة كانت بعلم الاجهزة الامنية، الا ان طاقم الحراسة ابدى تحفظه في بداية الامر ولكن سرعان ما سمح لنا بمواصلة الرحلة حيث كنا نستقل حافلة لم يكن الطريق معبداً امامها فقد عانت كما السائق في تخطي المطبات والحفر على طول الطريق مما اثر على سرعة السيارة.
آثار الحرب.. قرى مدمرة
حالة من النشاط والحيوية تتبدى على طول الطريق ولا تكاد تنقطع حركة المارة على وسائل مختلفة بدءاً من المواتر والتك تك الى عربات النقل الاخرى فهناك قطعان من الماشية والابل تنتشر على مساحات واسعة وبقايا الاعشاب على مد البصر بينما تتمظهر اثار الحرب والمعارك التي دارت بين القوات المسلحة وقوات الحركة الشعبية في اوقات مختلفة في كثير من المناطق ولم يتبق منها غير منازل مهدمة او اثار لحريق وقد صارت اثراً بعد عين وهي قرى السرف ، تكو ، دلوكة حتى ان محدثنا قال ان المنطقة التي نمر بها لم يكن لاحد ان يجرؤ على الخروج خارج الخندق والا كان هدفاً للطرف الاخر وهو يعقد مقارنة بما هو ماثل الان من امن واستقرار وبداية للعودة الطوعية.
وفد الحركة
ما يقارب الساعة هي المسافة التي استغرقتها السيارة للوصول الى موقع السوق الذي تشرف عليه لجنة امنية مشتركة من جانب الحكومة والحركة الشعبية يساعدهم الشباب، يضعون الضوابط ويحفظون الامن والاستقرار، وحسم المشاكل الصغيرة التي تحدث ، ونحن بالسوق جاءت لجنة الحركة الشعبية والشرطة من جانب الحركة الشعبية للتفاكر والتباحث حول تطوير العمل بالسوق للدفع به الى الامام وتذليل كافة المعوقات .
بين الجانبين
ويمثل السوق نقطة تماس بين مناطق الحكومة والحركة الشعبية، واقرب المناطق له التابعة للحكومة ام شعران، ومنطقة الاحيمر. والمناطق التابعة للحركة الشعبية مناطق التيس، الريكة، المساكين الطوال، المساكين القصار، البرام، كجة، كرنقو، شات دمام شات صفية، كافينا، كما يأتي المواطنون من مناطق طروجي، الابيض، والدار وهذه على الحدود مع دولة جنوب السودان.
عناق ودموع
يمثل السوق قمة الانصهار المجتمعي والتعايش السلمي بين مكونات الولاية والكل همه عرض البضائع و الكسب والربح، والتواصل مع الاهل بلا أجندة، فقد مل الجميع الحرب ويتوقون الى تحقيق السلام الدائم بالولاية وفي خضم حركة السوق ونحن نتجول بداخله استوقفنا مشهد لم يكن امامنا الا ان نتفاعل معه جميعاً فقد كانت الدموع حاضرة لحظة لقاء شقيقتين بشقيقيهما بعد غياب دام اكثر من تسع سنوات، إنها مشاهد مؤثرة تحكي عظمة السلام، وتؤكد جميعها نجاح هذه الأسواق في تحقيق أهدافها، إذ يجتمع على أرضه كل جمعة أكثر من 1000 شخص من الداخل والخارج معاً ومنهم من يجتر شريط الذكريات.. بينما كشف والي الولاية المكلف اللواء الركن رشاد عبد الحميد ان المشاهد المؤثرة تتكرر دائماً، وصلت في بداية ايام السوق عدد 450 مواطناً في يوم واحد والآن أصبحوا بالالاف.
البحث عن علاج
ومشهد اخر اكثر تأثيراً من غيره ذلك وقفت احدى الامهات وهي تحتضن طفلها الصغير وتقود ثلاثة اخرين بين عامين واربعة اعوام وقد ظهرت عليها علامات الرهق والتعب واطفالها الثلاثة كل يئن ويبكي ويصرخ في انتظار الوصول الى كادوقلي حيث إن اطفالها كانوا بحاجة الى الرعاية الصحية والعناية، وتوفير بعض المستلزمات من ملابس وغيرها. وتكثر الأسئلة عن الاهل والمعارف والاصدقاء بين الاطراف من هم بالداخل وذويهم بالحركة وقال شهود يتكرر المشهد بل ان البعض يقصد السوق لاجل التلاقي.
مزيد من التنظيم
أخذت سمعة السوق تنتشر في اوساط مجتمع الولاية سواء أكانوا بالداخل او في مواقع الحركة لكنه بحاجة الى مزيد من التنظيم والترتيب واكمال ما به من نواقص، حيث طالب بعض التجار التقتهم (الانتباهة) بتوفير خدمات الصحة وتوفير عربة اسعافات وعيادة متجولة ، وحفر مراحيض ، والي جنوب كردفان المكلف اللواء ركن رشاد عبدالحميد إسماعيل قال ان زيارة رئيس الوزراء حمدوك الاخيرة لمنطقة كاودا لها نتائج ملموسة للمواطن مشيراً الى ان فتح الاسواق بالولاية بمناطق الفرشاية بالدلنج، دري بدلامي، وكلولو يمكن ان نقول السلام جا، مضيفاً ان السوق بدأ صغيراً ثم توسع وزاد، واضاف رشاد السوق لا يمكن ان يكون مكاناً لنبش الماضي، انما للتواصل اولاً ثم التسوق.
خدمات السوق
عدّد الوالي المكلف الخدمات التي تقدمها حكومة الولاية بسوق كلولو وتمثلت في توفير خيمة لاستقبال وعلاج المرضى، ثم تكليف وزارة الصحة بتوفير عربة اسعاف لنقل المرضى الى كادوقلي، وتوجد حفير للمياه قد تكون غير لائقة نسعى لحفر بئر (مضخة)، وسوف يوفر خزان مياه كبير لمياه الشرب، ووفرت فرشات للمسجد، وتوجد لجنة من الادارة الاهلية الشباب .
ضوابط شديدة
لنقف شهوداً على قصة نمو وتطور السوق في يومه الأسبوعي كيف يبدأ وإلى أين ينتهي وجدنا بعضهم قد سبقنا إليه، ولكننا لم نلبث قليلاً حالما جاءت التدفقات تنساب من كادوقلي ، فيما تسربل نفر من داخل الجبال بين منعرجات الوديان وسفوح الصخور وحدانا وزرافات فانسابت نحو كلولو منهم من كان راجلاً ومنهم مرتحل عبر المواتر والدواب وآخرون على ظهور الجمال والثيران وبعضهم عبر اللواري والتاتشرات والتكاتك التي كسرت القيود وتجاوزت حدود الممنوع بسماحة السلام إلى طروجي ، الدار ، التيس ، شات ، اللحيمر ، ابو هشيم وغيرها. وكشف رشاد عن ضوابط شديدة في بداية تكوين السوق تمت عبر الادارة الاهلية، ودارت مكاتبات عدة ولقاءات بموجبها حدد مكان السوق الحالي الذي بدأ صغيراً ثم توسع . ومن الضوابط منع حمل السلاح حيث يترك خارج السوق بمناطق معينة ومحددة، والحركة الشعبية لها مناطق محددة، والعسكري داخل السوق مواطن عادي، والادارات الاهلية تعالج المشاكل التي قد تحدث، ولا يكون السوق لنبش الخلافات القديمة فيما يتعلق بالبهائم . واضاف الوالي تمنع الأشياء السالبة مثل الاتجار في الخمور، ومنع حمل الكميات الكبيرة من الوقود الا بتصديق من الادارة الاهلية للطواحين في مناطق الحركة .
تحذيرات أمنية
شدد الوالي المكلف اللواء رشاد على منع تحرك الموتر التكتك الى المناطق البعيدة خوفاً من المشاكل، مبيناً ان المسارات محددة وواجب الالتزام بها، وسوف تصلح المسارات حتى تكون آمنة، منوهاً ان الحركة بالارجل وبطرق محددة، وبالمواتر التكتك قد يحدث حادث انفجار لغم.
سلع متوفرة
ثمة ملاحظة يمكن ان نشير اليها ففي الوقت الذي تعاني منه حواضر الولايات من ازمة خبز طاحنة لم يخطئ ناظرنا ان من بين السلع المعروضة فوق الاشجار هي الرغيف، وتقول عائشة بريمة وهي صاحبة مطعم انها تقوم باحضار كميات من الرغيف من كادوقلي بسعر جنيهين للرغيفة وتبيعها بثلاثة جنيهات وقالت ليس هناك ازمة داخل السوق من توفر السلع الضرورية داخل السوق من مواد تموينية.
بديل تجارة «السمبك»
ما يمكن نشير اليه كذلك هو توافد عدد من التجار من خارج مدينة كادوقلي من وسط السودان وغربه وشماله وشرقه ومن محليات جنوب كردفان والكل يبيع ويشتري بأريحية والتنافس سيد الموقف وقد انخفض سعر السكر من (250) جنيهاً للكيلو في أسواق السمبك إلى (150) جنيهاً ولا يتجاوز (ربع) البصل (140) جنيهاً ، كما انخفض ربع الملح الى (100) جنيه ، فيما ترتفع وتنخفض أسعار الضأن والماعز والبقر مثلما تتذبذب أسعار منتجات الغابات من النبق واللالوب والقنقليس والعرديب وغيرها من الخردوات من الويكة والشطة والمصنوعات اليديوية المختلفة، بجانب المأكولات والمشروبات المثلجة على حافظات المياه بينما نشط السماسرة في دخول السوق لشراء المنتجات المحلية خاصة الويكة والقنقليس والكركدي ما ادى الى ارتفاع اسعارها ، على العموم إنها نجاحات معيشية حققها سوق السلام في كلولو.
مهر السلام
أخيراً نقول لم يكن سوق السلام في كلولو مجرد سوق هكذا، بل نفاجاً سلمياً «متفق عليه» من قبل المواطنين، تقف عليه حكومة ولاية جنوب كردفان وبرعاية مباشرة من قبل واليها المكلف اللواء ركن رشاد عبد الحميد ، فيما تقف عليه عن قرب (لجنة مشتركة) مكونة من (اللجنة الأمنية بالولاية، لجان المقاومة، لجنة من الطرف الآخر) والأخيرة قد وصل وفد منها سوق كلولو بضمانات عززت الثقة بين الطرفين لتكتمل المشاورات بينهم بشأن كيفية إدارة وتطوير وترقية هذا النفاج حتى يصبح السلام واقعاً رسمياً عبر طاولة مفاوضات جوبا، وهو الامر الذي ينتظره مواطنو الولاية ليعم جميع ارجائها السلام المنشود بغية لتحقيق التنمية والإعمار.
The post الأسواق الشعبية بجنوب كردفان..تجمــع «الأضداد»!! appeared first on الانتباهة أون لاين.