اخبار السودان لحظة بلحظة

زمن «الغتغتة» انتهى

كعادتي في كل عام، وقبل التحضير للموسم الزراعي أقوم سنوياً بالتنبيه الذي لن أمله أبداً إلى جريمة التزوير التي كانت ولا تزال تحدث كل عام وفي وضح النهار، حتى أصبحت عادية وتصالح معها الناس من كثرة تكرارها والتساهل والتواطؤ» معها، هذه الجريمة في رأيي خطيرة للغاية، ومصدر خطورتها ينبع من كونها وسيلة فاعلة لتدمير الاقتصاد الوطني بعد ذبح المنتِج المحلي، في كل عام أقرع الأجراس على رؤوس الأشهاد، ولكن لا حياة لمن كنا ننادي، ولأن منظومة «الإنقاذ» جلها كانت فاسدة ولا تقبل ماهو طيب، كانت صيحاتنا تذهب أدراج الرياح…
بالأمس أثلج صدري أن لجان التغيير بمحلية الدندر ذهبت لعمل فحص ميداني للمساحات المزروعة فوقفت على حقيقة جريمة التزوير التي تشترك فيها مكاتب الدولة، حيث لم تجد أرضاً أصلاً لا مزروعة و»لا بور» حتى، لأن هؤلاء أصلاً ليسوا مزارعين، والدولة ومكاتبها وبنوكها تعرفهم وأن الجازولين الذي يحصل عليه هؤلاء « المزورون» يباع في السوق السوداء للمزارعين المساكين بواقع البرميل «6» آلاف جنيه بدلاً عن ألف ومئتي جنيه، وبالطبع هؤلاء أيضاً يحصلون على السلفيات من البنوك بعد إشهار الأوراق المزورة التي تخرج من مكاتب الدولة، وبالطبع يستغلون علاقات الصداقة مع موظفي البنوك ومديريها..
في شرق نهر الدندر وحده ذهبت لجان التفتيش أيضاً للوقوف على المحاصيل البستانية التي مولتها الدولة فلم تجد إلا « «9» جنائن من جملة العدد المزعوم وهو «150» جنينة، هذا في الضفة الشرقية للنهر فقط، ولا تزال اللجان تواصل بحثها عن جنائن غرب النهر، لعلها تجد «9» أخرى أيضاً… هذا مثال صغير في محلية صغيرة، فما بالكم من بقية أنحاء السودان الواسعة، انظروا كم كانت الفوضى عظيمة، وكيف تُهدر أموال الدولة بالغش والتزوير والتساهل والتواطؤ، وكم من مجرم هرب بأموال الدولة ولم يعد.. في مكاتب الزراعة الآلية ما عليك إلا أن تدفع رسوماً وتُسجل أرضاً بعدد آلاف الأفدنة بغرض التمويل ولن يسألك أحد إن كنتَ فعلاً مزارع وتمتلك هذه الأرض أو كنتَ تاجر «عِدة» أو طبيب أسنان المهم أن تدفع الرسوم..
في كل عام توفر الدولة كميات مهولة من الجازولين ومليارات الجنيهات لتمويل المزارعين في كل البلاد، لكن للأسف يدخل الجازولين والسلفيات في تجارة الكسر والتعاملات الربوية وإعلان الحرب على الله رب العالمين، وفي هذه الأثناء ينتعش «سوق التزوير» داخل مؤسسات الدولة المعنية بالزراعة…
التغيير الذي حدث في السودان بعد سقوط نظام الطاغية يجب أن يطال كل شيء، ليس إقصاء وإقالة منسوبي النظام المخلوع وكوادره من المؤسسات فحسب بل وقف أساليب التزوير والفساد والإجرام والفوضى التي كان يرعاها النظام المخلوع ويتساهل معها لشراء الذمم وترويض كل الناس لإدخالهم في حظيرته، لقد انتهى زمن «الغتغتة»… والحمدلله أن صيحاتنا بعد اليوم لن تذهب أدراج الرياح كما كانت في السنوات العجاف… اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين.

The post زمن «الغتغتة» انتهى appeared first on الانتباهة او لاين.

اترك رد