اخبار السودان لحظة بلحظة

السودان: الطيب مصطفى يكتب: وهل نذعن لمختطفي الثورة وسارقيها؟!

] عجبت للاخ مزمل ابو القاسم وهو يطلب من الصادق الرزيقي واتحاد الصحافيين الاستسلام لحملة الدفتردار الانتقامية التي شنتها (قحت) وحلت بها الاتحاد وصادرت بها داره، وذلك بحجة ان لكل زمان رجال وان زمان الرزيقي واتحاده قد ولى الى غير رجعة، بعد أن حل زمان (قحت) والتي اعتبرها مزمل معبراً عن الثورة والثوار!
] إذن فإن مزمل يرى أن هذا زمان (قحت) ورجالها وليس زمان الثورة التي سرقت في وضح النهار، ولا عزاء لشهدائها الذين بيعوا بثمن بخس وديست اجسادهم الطاهرة بالأقدام في مقابل بعض المناصب الفخيمة والفارهات الوثيرة التي حصدها القادمون من وراء البحار!
] مضى مزمل في تبرير وتعضيد حجته بقوله: (إن فكرة التغيير الشامل ظلت حاضرة بقوة في تاريخ كل الثورات وراسخة في سلوك كل الشعوب التي انقلبت على حكامها شرقاً وغرباً، قديماً وحديثاً، وبالتالي يصبح الاحتجاج على تلك الفكرة في واقعنا الآني غير مسنود بمنطق يبرر رفضها ومسوغ يذكي استنكار سعي الثائرين الى تفكيك بنية الدولة الانقاذية).
] اود ان اذكر مزمل بأن ثورة ديسمبر لم تكن الاولى في تاريخ السودان الحديث، فليحدثني عن الثورتين السابقتين وخاصة رجب/ ابريل1985 هل كانتا تشبهان الثورة الحالية من حيث طول فترتها الانتقالية التي تجاهلت الهدف الاكبر الذي اشتعلت من اجله وهو الانتقال السريع الى نظام ديمقراطي عبر الانتخابات او من حيث قياداتها ومآلاتها، ام ان الثورة الأخيرة كانت غريبة وفريدة من حيث المكونات السياسية والشخوص الذين اختطفوها وجيروها لخدمة اجندتهم الخارجة على هوية وقيم وموروثات هذه البلاد، او من حيث الروح الاقصائية الاستبدادية المتعارضة تماماً مع الشعارات المرفوعة (حرية سلام وعدالة) أو من حيث سيادة الروح الانتقامية التي احدثت انقساماً حاداً وخطيراً وغير مسبوق في تاريخ السودان؟!
] ارجو من الاخ مزمل أن يتأمل مواقف مكونات التحالف الحاكم ((قحت)) ليدرك انهم ليسوا على قلب رجل واحد، فهم عبارة عن اعداء متناحرين او قل حلفاء متشاكسين يجمعهم (الشديد القوي) الذي اعني به السلطة التي جاءتهم تجرجر اذيالها بدون اي استحقاق او تفويض انتخابي، هذا فضلاً عن انهم لا يعبرون عن روح الثورة التي جاءت بشعارات تنكروا لها جميعاً بعد ان احالوا سلطتهم المنهوبة الى غابة تتصارع فيها الوحوش الضارية!
] خذ مثلاً تصريح السيد الصادق المهدي في مؤتمره الصحفي الاخير بدار حزبه يوم السبت الماضي، حيث هاجم موقف الحزب الشيوعي من الحكومة الانتقالية، ووصف (قحت) بتحالف الاضداد ثم اعلن رفضه للعلمانية، وكذلك خذ موقف الحزب الشيوعي المنتقد بشدة للحكومة التي ــ ويا للعجب ــ يقودها، مع تصريح القيادي الشيوعي صديق يوسف المساند للعلمانية التي قال عنها، لسودان تربيون، إنها تتوافق مع الوثيقة الدستورية، ثم خذ انتقاد عمر الدقير لحكومته التي قال إنها (اقل قامة من الثورة وطموحاتها)!
] خذ كذلك مواقف بعض القيادات السياسية الفاعلة في (قحت) او في المشهد السياسي والرافضة للاقصاء والمطالبة بتوافق سياسي يخفف من حدة التوتر والانقسام، واذكر منهم الحاج وراق والشفيع خضر وعرمان والذين ظلوا يحذرون من المآلات الكارثية للسلوك الانتقامي الذي يقوده الحزب الشيوعي وكوادره وواجهاته ضد الاحزاب والحركات السياسية المعارضة لـ (قحت).
] إذا كان ذلك حال مكونات (قحت) فكيف تريد لنا ان نسلم رقابنا لـ (قحت) بروحها وسلوكها الاستئصالي الذي تسعى من خلاله لسحق من لا يخضعون لسلطانها، بل لاستئصال هوية هذه البلاد ودينها وارثها الحضاري الممتد عبر الأجيال، ثم كيف بالاحزاب والحركات المسلحة الأخرى سواء الحاملة للسلاح بالخارج او التي عادت الى حضن الوطن بعد ان وقعت اتفاقيات مع النظام السابق ملزمة للدولة السودانية.. ثم ماذا عن المارد الاسلامي الذي بدأ يتململ ويتحرك باتجاه التوحد لمواجهة اعدائه التقليديين بعد ان عيل صبره واوشك ان ينفد جراء تطاول استفزازاتهم المهينة؟!
] بالرغم من كل ذلك ينصح مزمل بالاستسلام لشرذمة هزيلة متشاكسة متصارعة باعتبارها المعبر عن الثورة والثوار، لا لسبب الا لتمكنها من تنظيم بعض الحشود في شوارع الخرطوم لا احد يعرف وزنها الحقيقي من حيث الاعداد او الاعمار، سيما ان هناك حشوداً اخرى معارضة انتظمت في الخرطوم وخارجها وستواصل مسيراتها لتكشف زيف اولئك الأفاكين الذين ظنوا انهم امتلكوا السودان وشعبه بشهادة بحث ابدية.
] لقد ثبت ان بعض الولايات خارج الخرطوم محرم دخولها على (قحت) مثل دارفور الاكثر كثافة بعد الخرطوم، كما ان هناك شرق السودان الملتهب تحت وطأة الاحتقان القبلي والسياسي، بل إن استطلاعات الرأي مثل تلك التي اجرتها قناة (الجزيرة) الفضائية حول مدى تأييد حكومة حمدوك او التي اجراها تجمع المهنيين حول دعوة الجمهوري الفاسق (القراي) لحذف القرآن الكريم من المناهج ادق تعبيراً عن تضاؤل وزن (قحت) بين الجماهير، ولذلك لا ينبغي لـ (قحت) ان تغتر بحشد الخرطوم الاخير، وتتجاهل عشرات الملايين من البشر المكتفين حالياً بالمراقبة الصابرة في انتظار لحظة الانقضاض الثوري لانهاء ذلك العبث الصبياني القبيح!
] أقول لمزمل إذا كانت احزاب (قحت) التي نعلم احجامها من خلال اوزانها في آخر انتخابات ديمقراطية، بتلك القوة المدعاة، فلماذا ترفض الانتخابات التي يجمع العالم على اعتبارها المعيار الاوحد لتحديد أوزان القوى السياسية؟!
] لا يحق لاتحاد الصحافيين ولا لجميع الاتحادات والنقابات والمنظمات التي حلت وصودرت دورها بصورة تتعارض تماماً مع شعارات الثورة، أن ترضخ للطغاة الجدد الذين مرغوا أنف الثورة في التراب وتاجروا بدماء شهدائها وبشعاراتها، بل عليها أن تواجههم بالقانون الذي تلاعبوا به وسخروه للتنفيس عن مراراتهم وأحقادهم الدفينة وبالوسائل السلمية الأخرى.
] اقول لمزمل في الختام إنني لا انقم على هؤلاء انهم سرقوا الثورة وسخروا دماء الشهداء لخدمة اطماعهم الرخيصة، بقدرما انقم عليهم استهدافهم لدين هذه البلاد وهويتها وتقاليدها الراسخة، فهلا كفوا عن القوى الأخرى اذاهم واستفزازاتهم البغيضة، وثابوا الى رشدهم، وعلموا أن الأيام دوارة، وأن هناك رباً يرقب ويرى، وأننا لسنا بطير مهيض الجناح، ولن نستذل ولن نستباح؟!

The post السودان: الطيب مصطفى يكتب: وهل نذعن لمختطفي الثورة وسارقيها؟! appeared first on الانتباهة او لاين.

اترك رد