اخبار السودان لحظة بلحظة

قادم من أرض النيل والنخيل ميرغني صالح.. قصة والٍ في عين العاصفة

 

“أخيراً ميرغني صالح يبتسم”، هكذا يمكن قراءة المشهد بولاية القضارف، فالوالي القادم من أرض النيل والنخيل، وفي رواية أخرى أرض الحضارات، وجد نفسه أمام محك صعب واختبار قاسٍ، فالقضارف ليست كالشمالية من حيث كثافة النشاط السياسي، ففي الولاية الشرقية  الأجواء متقلبة مثل مناخها، ويمكنها أن تبرق وترعد وتمطر أزمات في وقت قصير، فهنا القوى السياسية التي تناصب نظام الإسلاميين العداء يبدو صوتها مرتفعاً، وكذا الحال داخل الحزب الحاكم متباين التيارات .

وطوال ثلاثة أعوام، فإن المهندس والوالي الأسبق للشمالية، ظل تحت ضغط لا يتوقف في ولاية متطلباتها كثيرة، خاصة على الصعيد التنموي والاقتصادي، وكان عليه أن يتحرك في كل الاتجاهات حتى يتمكن من إثبات جدارته، وتأكيد صواب خطوة الدفع به لإدارة ولاية تلقب بسلة غذاء السودان، وتعتبر إحدى روافع البلاد الاقتصادية، أو يفترض بها أن تكون كذلك بحسب ما تمتلكه من عشرة ملايين فدان وكميات أمطار تهطل عليها تفوق حصة السودان في اتفاقية مياه النيل بعشرة مليارات متر مكعب.

اصوات معارضة

في عامه الأول والثاني، فإن ميرغني لم ير له كثيرون بالقضارف صلاحاً، قد انعكس على واقع حياتهم، وهذا جعل أصوات معارضيه ترتفع، وهي تطالب بإعفائه عن سدة الحكم بدعوى عجزه عن تحقيق إضافة في حياة المواطن، فهم كانوا يؤكدون ولازال بعضهم يشدد على أن القضارف ما تزال غارقة في تردي الخدمات وتهميش المركز ويتخذون عدم وجود طرق مسفلتة تربط حاضرة الولاية بسبع محليات منصة ليطلقوا منها سهامهم ناحية ميرغني، ليس ذلك وحسب، بل ذهبوا بعيداً وأكدوا عجزه عن انتزاع حقوق الولاية بالمركز، وهو الأمر الذي حاول كرم الله عباس فعله، لكن وجد نفسه خارج أسوار الملعب، وذات الشيء جعل سلفه الضو الماحي قبل ذهابه إلى سنار والياً، ومن بعد ذلك إعفاؤه يفضل عدم الدخول في صدام مع المركز حتى لا يشرب من ذات الكأس.

تقصير وفشل

اتهامات التقصير والفشل، ظلت تلاحق صالح في حله وترحاله، ظل الرجل الموسوم بالهدوء يتحاشى الدخول في صراعات ويجنح نحو الصمت في كثير من المواقف التي كانت تحتم عليه الحديث.ليأتي العام ٢٠١٨ حافلاً بالكثير من الأحداث التي مثلت اختباراً حقيقياً لمعرفة مدى إمكانيات صالح على الصمود في وجه الأعاصير.

بداية الهجوم

كانت البداية بهجوم ضارٍ من كرم الله عباس الشيخ الذي وجه ناحيته سيلاً من الاتهامات ووصفه بالضعف في إدارة الحزب، ولم يكتف الوالي الأسبق المثير للجدل بذلك، بل تقدم باستقالته من المؤتمر الوطني، وأعلن انسلاخه منه، وتعامل صالح مع هذه المعركة كالعادة بهدوء أثار حيرة المراقبين، وفي نهاية الأمر ذهب كرم الله مغاضباً ومستعصماً بمخرفه الذي يطلق عليه تل الزعتر بمحلية باسندا وهو مبنى يتخذه مستقراً له طوال فترة الخريف، ويقع وسط مشاريعه الزراعية، لينجح صالح في امتصاص تداعيات هذه الأزمة سريعاً ويحافظ على استقرار حزبه، وقبل أن ينجلي غبار معركة أدارها بهدوء، انطلقت الشرارة في قرية الحمرا باقتتال قبلي وضع الولاية في موقف عصيب، إلا أن صالح بدا حازماً في التعامل مع أزمة كادت أن تقضي على أخضر استقرار القضارف المجتمعي وتحيله إلى رماد، فقد تمسك بأن يأخذ القانون مجراه بعيداً عن مساعي الصلح، وموقفه هذا وضعه في مرمى نيران احد طرفي النزاع، حينما تم دمغه بالانحياز للطرف الثاني، إلا أنه مضى في طريق نزع فتيل الأزمة وأن يكون القانون فيصلاً.

تجاوزات أراضي

بعد أقل من شهر، تفجرت قضية تجاوزات الأراضي بمربعي ٢ و١٦ بمدينة القضارف، والتي حركت إجراءاتها القانونية حكومته، وكان نتاج ذلك الزج بأكثر من خمسة وعشرين متهماً بعضهم نافذون وآخرون يتولون مناصب رفيعة، وهذه القضية تحديداً مثلت اختباراً لصالح الذي كان أمام خيارين أحلاهما مر، إما أن يمضي في طريق القانون ليرسي سابقة في مكافحة الفساد بالولايات، أو أن ينحني لعاصفة التدخلات السياسية لطي الملف بعيداً عن القضاء، وقد انحاز للخيار الأول، وما تزال القضية بيد الجهات القانونية والمتهمين في محبسهم للشهر الثالث في انتظار اكتمال التحريات والدفع بالملف لمنصة القضاء.

في خضم هذه القضية التي تحوز على اهتمام الرأي العام، واجهته عقبات الموسم الزراعي، خاصة على صعيد الوقود الذي تضاعفت الحاجة إليه بعد اقتراب الحصاد، أما الكتلة النقدية الشحيحة بالولاية، فما تزال تمثل له تحدياً لحاجة المزارعين إليها.

يبدو الوعد الذي قطعه رئيس الوزراء أمس الأول بتوفير السيولة الكافية للقضارف يوم الثلاثاء القادم بمصارف الولاية، يمثل بارقة الأمل لحل هذه القضية التي تمثل هاجساً مؤرقاً للمزارعين.

سر الابتسامة

أما ابتسامة الرجل، فقد ظهرت جلياً يوم الخميس، حينما كان حضوراً للضخ التجريبي لمشروع مياه القضارف الذي بسببه تعرض لسيل من الانتقادات التي شكك مطلقوها في قدرته على إنجاز المشروع في موعده المحدد، بل ذهبوا بعيداً وأكدوا فشله، غير أن التوقعات تبددت، حينما جرت المياه في الشبكة الجديدة التي يبلغ طولها ١٨٠٠ كيلو متر بتكلفة كلية للمشروع تجاوزت المليار جنيه.

ابتسامة صالح الأخيرة، ربما جاءت لتعبر عن رضائه مما حققه من إنجاز ظل ينتظره مواطنو القضارف منذ ستينيات القرن الماضي، وربما ابتسم في وجه معارضيه الذين دمغوه بالفشل، ورغم ذلك تظل التحديات ماثلة أمامه في ولاية لا يعرف مواطنوها الصمت في وجه الحكام.

سعادة صالح

يقول المهندس ميرغني صالح للصيحة، إنه ورغم التحديات التي واجهته في القضارف، إلا أنه سعيد بالعمل فيها، معتبراً أن تجربته جاءت ثرة، وقد أضافت له الكثير، ويرى أن مجتمع القضارف يمتاز بالوعي والتفاعل مع الهم العام، وأن مواطنيها ينشدون تطور ولايتهم، ويؤكد أن النجاح الذي تحقق في ملف المياه جهد مشترك بين المركز وحكومة الولاية ومجتمعها، متوقعاً أن ينتهي في غضون الأشهر القادمة، بعد ان وفر لهم المركز خطاب ضمان بمبلغ مائتين وخمسين مليوناً وتمنى أن يلازمه التوفيق لتقديم ما يرضي أهل القضارف.

تقرير : صديق رمضان

الخرطوم (صحيفة الصيحة)

اترك رد