مع استئناف المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بعد تعليقها من الاخير لثلاثة ايام، ينتظر الكثيرون ان تتمخض سريعاً نقاط وفاق بين الجانبين تقود الى تسمية من سيرأس الحكومة الجديدة ويشكلها، خاصة ان قوى الحرية هي من ستكون على رأس الحكومة بعد الاتفاق الذي تم بينهم وبين المجلس العسكري، حال لم يحدث تغيير في الاتفاق الذي تم قبل أيام.
أوجه الشبه والاختلاف
لم تكن ثورة ديسمبر المجيدة الثورة الاولى في تاريخ السودان، حيث شهدت البلاد من قبل اكثر من ثورة مثل اكتوبر 1964م وابريل 1985م وكلاهما اطاحا حكماً عسكرياً، وذات السيناريو تكرر في السودان بعد اكثر من (34) عاماً من ثورة ابريل 1985م، وثمة اوجه شبه بين الثورة التي حدثت وما سبقها، حيث يقول عنها نائب رئيس حزب الأمة الفريق صديق اسماعيل ان التغيير الذي حدث في اكتوبر 1964م جاء بعد حكم عسكري استمر لمدة ست سنوات فقط، ولم يرتكز على اي فكر ايديولوجي، كما انه لم ينشئ تنظيماً سياسياً يفرض اراءً او افكاراً سياسية، بينما كانت المعارضة ناضجة وواعية ومتماسكة ولها رؤية لما يعقب التغيير من احتياجات تنظيمية، ولذلك حينما جاءت اكتوبر توافقت القوى السياسية والتنظيمات السياسية والمهنية على تشكيل حكومة ترأس فيها سر الختم الخليفة رئاسة الوزراء، وتم تشكيل مجلس السيادة بالتوافق، ويواصل اسماعيل في حديثه لـ (الإنتباهة) قائلاً: التغيير لم يولد اية مرارات، اما في ابريل 1985م فإن التغيير جاء بعد (16) عاماً، وهي فترة أعقبت نظاماً عسكرياً ارتكز على ايديولوجية سياسية وعمل على فرض آراء مجموعة على الجماعة، كما احدث الكثير جداً من الجراح في البناء الاجتماعي في السودان، ثم بعد ذلك كانت القوى السياسية قادرة على مجابهة هذه التحديات برؤى وافكار تتقارب خطوطها بين كل مكونات الساحة السياسية، وجاءت حكومة الجزولي دفع الله ووجود المجلس العسكري الانتقالي لفترة عام، ثم اجريت انتخابات اسست للديمقراطية الثالثة، ورغم ان نظام مايو اسس لتنظيم سياسي بخلاف عبود، لكنه تنقل بين كل الأفكار من اقصى اليمين الى اقصى الشمال ومروراً بالوسط، ولذلك لم تكن لديه تحديات سياسية كبيرة، فذهب الاتحاد الاشتراكي وانفض سامره وعاد كل الى موقعه القديم، وفي اطار سرده للمقارنات يضيف الفريق اسماعيل لـ (الإنتباهة) ان ثورة ديسمبر المجيدة كانت مختلفة، حيث انها جاءت بعد (30) عاماً من سيطرة فكر واحد ورأي واحد وايديولوجية واحدة، وبذل فيها كل الجهد لتمزيق القوى السياسية الاخرى وتذويب الشخصية السودانية لاعادة صياغتها في موالاة جديدة، وواجه النظام قوة سياسية سودانية معارضة شرسة، ولكن التغيير كان مفاجئاً للنظام البائد الذي لم يكن يتوقع ان يحدث هذا تماماً، والمعارضة بكل مكوناتها ما كانت تتوقع ان يتم التغيير بهذه السرعة المباغتة، فكلاها كان في حالة غيبوبة سياسية، وبالتالي لم يتمكنوا من اعداد العدة لبديل جاهز، وصنعت شراكة جديدة بين المؤسسة العسكرية وقوى التغيير، وهو امر لم يكن مرتباً له، ولذلك تأثرت خطى التحويل الديمقراطي، ومضى اكثر من شهر حتى الآن والشريكان يتشاكسان بصورة او باخرى، فهذا هو الواقع الحالي.
ويرى صديق اسماعيل أن الحكومات الانتقالية السابقة مثل التغيير الذي حدث في اكتوبر وابريل 1985م سبقهما تناغم وتنسيق وتقارب بين القوى السياسية المعارضة، ولذلك سهل عليها ان تدلف مباشرة الى تشكيل حكومة انتقالية والتوافق مع المؤسسة العسكرية لإحداث التوافق المطلوب لاحداث التحول الديمقراطي، وهي ظروف لم تتوفر في التغيير الحالي في ابريل 2019م، واعتبر الفريق اسماعيل ان الوقت مازال يضيع هدراً للتوافق بين شركاء التغيير، سواء كان المؤسسة العسكرية او الموقعين على قوى الحرية، كما ان هنالك اصواتاً معارضة للاتفاق الاخير الذي تم، وهي جزء من مكونات التغيير، وهو أمر يشكل خطراً كبيراً جداً على مسيرة الثورة، ولذلك يجب على الاطراف جميعاً ان تستوعب اهمية ودقة هذه المرحلة، وان يبذلوا كل ما لديهم من جهد لانقاذ ما يمكن انقاذه، حتى تؤتي عملية التغيير ثمارها التي يتطلع لتذوقها كل أهل السودان
لا اختلاف
ومن جانبه فإن الكاتب الصحفي المتخصص في الوثائقيات عوض احمدان يرى ان ثورة ديسمبر المجيدة ليست مختلفة عن سابقاتها، ويقول في حديثه لــ (الإنتباهة) ان التغيير الحالي ليس مختلفاً عن التغييرات التي حدثت في مجمل عمر البلاد بعد الاستقلال البالغ (63) عاماً، داعياً الى ضرورة ان تتاح الفترة الكافية لـ الفترة الانتقالية حتى تتسنى تهيئة المشهد بكل اطرافه لخوض انتخابات قوية بعدها، متمنياً ان تكون الحكومة الجديدة مركزة على الكفاءات، واعتبر احمدان انه ليس من المنطقي ان تشارك القوى السياسية التي كانت حاضرة في حكومة الانقاذ حتى سقطت على الاقل في الفترة الحالية.
وبالمقابل يرى خبراء سياسيون ان الوضع الحالي لثورة ديسمبر المجيدة مختلف تماماً عن تفاصيل ما دار في التاريخ السابق للحكومات الانتقالية في البلاد، حيث ان السودان ليس بذات تفاصيل 1964م او 1985م، فهي مختلفة الآن من حيث التركيبة السياسية والاجتماعية، خاصة العنصر الشبابي الذي كان بمثابة الكرت الرابح للتغيير، حيث انهم يرفضون كل ما هو تقليدي، ومتشددون في المطالبة بحكومة مدنية كاملة الدسم، وفي ما يبدو انهم راجعوا دفاتر الماضي الذي لم يعايشوه في الانقلابات العسكرية، وهو ما يجعل التفاوض مرهوناً ايضاً برغبات الشباب وتطلعاتهم. فيما يرى آخرون ان اوجه الاختلاف بين التغيير الحالي مقارنة مع التغييرات التي حدثت بالبلاد في سنوات خلت، هي التأخير في تشكيل الحكومة الانتقالية، فبعد مرور شهر ويزيد من إسقاط نظام المخلوع عمر البشير مازالت البلاد بلا حكومة، ومازال التفاوض بين شركاء التغيير يشوبه البطء، وهو ما لم يحدث في النماذج السابقة استشهاداً بتجربتي عبود ونميري.
تقرير : محمد جمال قندول
الخرطوم (صحيفة الإنتباهة)