عقب انهيار حكم الطاغية عمر البشير الذي حكم السودان لثلاثين عاماً بيد من حديد، فإن الكثير من الدول الإقليمية والدولية سارعت إلى إعلان اعترافها بالثورة ولم تكتفِ بذلك بل أعلنت دعمها للمجلس العسكري ووقتها قابل الثوار هذا الدعم بترحاب مشوب بالحذر والتحفظ وبعد مضي سبعة وثلاثين يوماً فإن الأصوات بدأت ترتفع وتؤكد أن ثمة تدخلات خارجية أسهمت في تطاول أمد التفاوض بين شريكي الثورة المجلس العسكري والحرية والتغيير، وأن الأجندة الدولية تضاربت.
وأسهم تعليق التفاوض في الساعات الأولى من صباح الخميس بقرار من رئيس المجلس العسكري عبدالفتاح البرهان في زيادة شكوك البعض بأن ثمة جهات خارجية تسعى لقطع الطريق أمام إبرام اتفاق نهائي يفضي إلى تسليم السلطة إلى المدنيين وهذا ما ذهب إليه عضو وفد التفاوض بقوى الحرية والتغيير مع العسكري ساطع الحاج، الذي أكد أن ضغوطاً إقليمية ودولية يتعرض لها المجلس العسكري قادته لتعليق التفاوض، وقال ساطع الحاج في حوار مع (الانتباهة) إن تأجيل التفاوض بسبب ضغوط، مشيراً إلى أن المجلس العسكري أراد بتأجيل التفاوض أن يبعث برسائل إقليمية ومحلية. وزاد بالقول: (نعلم أن هناك ضغوطاً إقليمية ودولية يتعرض لها المجلس العسكري ونكتفي بهذه الإشارة حتى هذه اللحظة، ونقول إن مصلحة الشعب السوداني أهم من هذه الضغوط).
وهنا يبرز السؤال ماهي الدول التي تدخل في الشأن السوداني الى درجة ان تتحكم في مسار التفاوض وتفرض كلمتها على الطرفين، الاجابة تأتي مباشرة بين ثنايا ردود الافعال الدولية عقب سقوط النظام فقد سارعت دول السعودية، الامارات، مصر الى اعلان تأييدها ودعمها للمجلس العسكري ورأى كثيرون ان هذه الدول تريد تحقيق اجندة واضحة ابرزها التخلص من الاخوان المسلمين في السودان وهو مشروعها الذي ظلت تعمل على تحقيقه منذ بداية ثورة الربيع العربي في العام ٢٠١١ وهذا اكده رئيس حزب الاسود الحرة مبروك مبارك سليم في حديث سابق لـ(الانتباهة) ورأى ان ثورة التاسع عشر من ديسمبر اندلعت لازاحة حكم الاخوان المسلمين وان هذه الدول التقت مع الشعب السوداني في ذات الغرض، غير ان مراقبين يشيرون الى ان دول هذا المحور استشعرت لاحقاً – رغم دعمها لهم -خطورة استيلاء المدنيين على الحكم في السودان وتخوفت من اتخاذهم قراراً يفضي بسحب القوات السودانية من الحرب في اليمن، ويربط هؤلاء بممارسة هذه الدول ضغوطاً على المجلس العسكري والهتافات المناوئة التي ظلت تتعرض لها في ميدان الاعتصام، ويحذر اصحاب هذا الرأي من محاولات الحلف السعودي ومساعيه الرامية الى تثبيت دعائم حكم العسكر حتى وان ادى ذلك الى انزلاق امني في البلاد.
وفي هذا الصدد فان رئيس حركة العدل والمساواة الدكتور جبريل ابراهيم يكشف في تسجيل صوتي معلومات خطيرة بشأن التغيير في السودان حيث اتهم الإمارات والسعودية ومصر، بالتدخل في الشأن السوداني لتمرير مشروع يمكّنهم من إبقاء السودان تحت الطوق الإماراتي السعودي المصري، وأوضح جبريل أن المشروع الذي تدعمه تلك الدول يستهدف إبقاء القوات السودانية في اليمن لأكثر وقت ممكن، وأشار إلى أن المشروع يعارض قيام أي شكل من أشكال الديمقراطية في السودان، وزاد: (يريدون استمرار المجلس العسكري وعدم دخول أي عنصر مدني في المجلس السيادي)، وأفصح إبراهيم عن تلقي أفراد وجماعات وأحزاب أموالاً طائلة من الدولارات من الخليج وأوروبا وأمريكا لدعم أجندة تلك الدول، وحذر جبريل من محاولات إقصاء الإسلاميين من المشهد السياسي بالبلاد، كاشفاً عن سلاح وأموال كبيرة يمتلكها الإسلاميون تمكنهم من إشعال حرب بلا هوادة في البلاد.
بالمقابل فان البعض يؤكد على ان المجلس العسكري يتعرض لضغوط اخرى من قبل المعسكر الغربي المتمثل في الولايات المتحدة واوربا ويطالب بتسريع وتيرة تسليم الحكم الى المدنيين، وفي هذا الصدد فقد طالب نائب وزير الخارجية الأمريكي جون سوليفان ، المجلس العسكري الانتقالي بالإسراع في تسليم السلطة لإدارة مدنية، ودعا المجلس للتوصل لاتفاق يحقق إرادة الشعب السوداني.
وأعرب سوليفان عن دعم بلاده لتطلعات الشعب السوداني لمستقبل حر وديمقراطي وتطلعها إلى احترام المجلس العسكري الانتقالي لحقوق الإنسان، والسماح بالتظاهر السلمي وحرية التعبير، وأكد وقوف بلاده ودعمها لجهود تحقيق الاستقرار السياسي في السودان، ودعا للعمل لتجاوز الخلافات بين جميع الأطراف السياسية.
حسناً.. ليس ساطع الحاج فقط الذي أكد وجود ضغوط خارجية تمارس على المجلس وعلى ذات الطريق مضى رئيس حزب التحرير والعدالة القومي ،الدكتور التجاني سيسي الذي لفت في حديث للصحيفة الى ان التدخل الاقليمي والدولي هو الذي ظلوا يؤكدون على انه خطر ويمثل لهم مصدر قلق وهواجس، ويقول السيسي ان التدخل في الشأن السوداني يختلف ،فبعضه حميد وهذا دوافعه انسانية، ويوجد تدخل مرتبط باجندة دول لا ترغب في استقرار البلاد، واردف:في تقديري ان التخوف من هذه التدخلات طبيعي جداً ويحتم علينا جميعاً ان نستشعر مسؤولياتنا لذا لابد من تسريع الخطى لتكوين الحكومة لتدير شأن البلاد، والوضع الراهن اعتبره خطيراً رغم وجود المجلس العسكري الذي يبذل جهوداً كبيراً ولكن تظل الحكومة المدنية مطلوبة مركزياً وولائياً لتسيير دولاب الدولة، وهذا الفراغ لا يصب في المصلحة العامة، والشاهد ان عدداً من حكومات الولايات وقيادات الخدمة المدنية يشوب اداؤهم التردد في اتخاذ القرارات وهذا ايضاً له تأثير لذا لابد من ان نتفادى التراشق الاعلامي ونعمل على تسريع وتيرة تكوين الحكومة.
تقرير : صديق رمضان
الخرطوم (صحيفة الإنتباهة)