اخبار السودان لحظة بلحظة

تقارير المراجع العام.. وجه آخر من فساد الإنقاذ

 

مخالفات التعدي على المال العام، وما تم اتخاذه بشأنها من إجراءات، وما أحيل إلى المحاكم والمراجعة الدورية للشركات والبنوك الحكومية وفقاً لتقارير المراجع القومي، للسنين الفائتة، جميعها سيتم تسليمها إلى اللجنة العليا للإشراف على التحري في جرائم الفساد والدعاوى الجنائية المتعلقة بالأحداث الأخيرة، هذا وفقاً لقرارات وتوجيهات أصدرها النائب العام المكلف، خطوة الرجوع إلى المراجع القومي، وإشراكه في جميع المخالفات التي تمت في أجهزة ومؤسسات الدولة يحسبها مراقبون أنها تمضي في الاتجاه الصحيح، رغم ما أثير عن صراعات بين مسؤولين في الدولة حالت دون تمكين المراجع القومي من أداء مهامه.

مخالفات جنائية

خلال عقود الإنقاذ الثلاثة، ظل المراجع القومي يورد كثيرا من المخالفات الجنائية وفقاً لتقارير يقدمها أمام البرلمان، وشملت العديد من التجاوزات والمخالفات لعدد من المؤسسات في الدولة.

وبالرغم من الشفافية والوضوح التي تتسم بها تقارير المراجع القومي، إلا أن معظم القضايا يتم شطبها، باعتبار أنها مخالفات إدارية، وبحسب مصدر عدلي تحدث إلى (الصيحة) أن معظم البلاغات كان يتم شطبها، وتحال إلى المؤسسات لتتم معالجتها، بحجة أنها مخالفات إدارية، في حين أن المراجع العام كان يتمسك ويصنفها على أساس أنها تعدٍّ علي المال، ويتم فيها اتخاذ الإجراءات القانونية، بفتح بلاغات في مواجهة المؤسسات المعتدى عليها، منوهاً إلى أن ذلك أسهم كثيرًا في إحداث المزيد من الثغرات، مما أدى إلى (دغمسة) الكثير من الملفات وقتلها.

صراع خفي

ذات المصدر كشف عن وجود صراع بين النائب العام السابق، والمراجع العام، حول كثير من القضايا، مشيراً إلى قيام النيابة بشطب البلاغات، باعتبار أنها مخالفات إدارية، كما أن المراجع العام، لم يتم تمكينه من أداء مهامه، وأكد وجود جرائم كبيرة كفساد شركة البترول التي تم حلها، بواسطة وزير رئاسة مجلس الوزراء السابق، وتم فيها التلاعب بالأموال العامة، وبحسب المصدر أن المسؤولين أفسدوا حتى لم يستبقوا شيئاً. وأوضح المصدر وجود جرائم تسقط بالتقادم، أي بمعنى أن جريمة مر عليها 3 أعوام، يتم اسقاطها، جنائياً، غير إنها لم تسقط بقية الحقوق، بينما يتم شطب البلاغ، وأشار المراجع العام إلى التدخلات التي كانت تحدث من قبل نافذين بالدولة في هذه القضايا، مشيراً إلى أن التدخلات كانت تتم وينتهي الأمر إلى تسويات، بحجة أن ما تم لم يكن اعتداء على المال العام، وإنما هو تجاوزات إدارية، ليس مكانها المحاكم، إلا أنه عاد وأكد أنها تجاوزات جنائية مخالفة لقانون الشراء والتعاقد. ويبقى الحق المدني، ليتم التقاضي مدنياً، غير أنه عاد وأكد استمرار الجرائم الحالية، وتم تدوينها، لذلك لا يتم إسقاطها بالتقادم، ووفقاً للقرار الصادر عن المجلس العسكري بمراجعة الحج والعمرة، أفاد المصدر، بدلاً من أن تتم مراجعة المؤسسة، تم تغيير المدير آنذاك المطيع، بمدير آخر دون أن تتم محاسبته.

نتائج مُرضية

توقعات كثيرة من قبل مستشارين ورؤساء نيابات، بأن لجنة الإشراف على التحري في جرائم الفساد، ستؤتي أُكلها، وستنتهي إلى نتائج مُرضية، فيظل وجود التيم العامل، الذي تولى رئاسة نيابة الأموال العامة في الدولة، لفترات سابقة، وارتباطها بعمل المراجع القومي، في التعدي على المال العام، كما أن اللجنة برئاسة انتصار عبد العال وعضوية كمال محجوب اللذين عملا بنيابة المال العام، بجانب عادل بابكر.

خطوة كبيرة

غير أن أحد رؤساء نيابة المال العام السابقين ذكر لـ(الصيحة) أن تقارير المراجع العام تم الفصل فيها، وتمت إحالتها للمحكمة، وقد تكون المطالبة بتقارير للمراجع العام التي لم يتم تسليمها الى نيابة المال العام، وأشار إلى أن ملف الحج والعمرة، تمت فيه مراجعة، وحالياً البلاغ تم تدوينه أمام النيابة يجري العمل فيه، ومضى أن اللجنة تعمل بصورة مرضية، كما أن لقاءها بالمراجع العام، يعد خطوة كبيرة، ويعينها في قضايا فساد كبيرة، وأوضح أن اللجنة تحتاج إلى مراجعة الكثير من المستندات التي تتعلق بقضايا فساد، بجانب المبالغ التي دخلت وخرجت.

نوع آخر

بحسب رؤية وزير الدولة بالمالية الأسبق، عز الدين إبراهيم، فإن تقارير المراجع القومي تسلط الضوء على نوع واحد من أنواع الفساد، ليس الاختلاسات فقط، التي تندرج تحت القانون الجنائي، “خيانة الأمانة” التي يعرفها القانون، كما أن الدليل عليها متيسر، وأشار في حديثه لـ(الصيحة)، إلى أن الفساد أكبر وأوسع مما يكتشفه المراجع القومي، ويشمل الفساد الكبير والصغير، والصغير هو الذي يكتشفه المراجع القومي، كما أن الرشاوى لا يمكن للمراجع القومي أن يكتشف فسادها، وأضاف: “يكاد لا يوجد عمل حكومي بين المواطن والحكومة لا يتم إلا برشوة، تسهيلات من قبل الموظفين بمقابل مالي، بجانب نوع آخر من نوع الفساد الذي يدخل في التعيينات للأقارب، في الحكومة، وهو بعيد عن المراجع القومي.

عمولات خارجية

عز الدين يشير إلى ما أسماه بالفساد الكبير الذي قال إنه يتعلق بالسياسيين، موضحاً أن ذلك غالبًا ما يتم عن طريق العمولات، مضيفاً بأن هنالك حديثاً عن سرقة خزنة الحكومة، وأن الحديث غير صحيح، لأن الحكومة ليس لديها خزنة، وإنما لديها حساب في بنك السودان وإيرادات، وليس من السهل أن تتم سرقتها، لأنها تمر عبر شيك، ولابد من التوقيع عليه، من قبل شخصين، لكن السرقات تتم بعمولات خارجية، على سبيل المثال المسؤول يقدم خدمة لرجل الأعمال، مقابلها يضع الأخير مبالغ مالية باسمه في البنك، هذه لا يمكن للمراجع القومي ضبطها، لعدم وجود ما يفيد بكتابتها، وأشار إلى أنه وبصورة مفاجئة يظهر امتلاك (فلان) لعربات وأن لديه حسابات وغيرها.

منفعة شخصية

ويوضح إبراهيم أن المنظمات الدولية تعرف الفساد على أنه استغلال المنصب العام للمنفعة الشخصية، منوهاً الى أن هذا النوع ليس فيه أي وثائق لكي تذهب إلى المحكمة، مستدلاً بما فعله ولي العهد في المملكة العربية السعودية، مع الذين لديهم تجاوزات ومخالفات مالية، وذلك من خلال عفوه عنهم، وأخذه المبالغ التي بحوزتهم، وأضاف: في حال انتهى الأمر إلى المحكمة، فإن المسألة ستأخذ عدداً من السنين، حيث يتم تأجيل القضايا، بجانب ضياع بعض الملفات، وفي الآخر يتم (نسيان) القضية تماماً، لذلك يلجأ الجميع إلى التحلل والتسويات في كثير من القضايا، بدلاً من ضياع المسألة بين المحاكم والمتاهات، كل ذلك خارج نطاق عمل المراجع القومي.

إخفاء معلومات

كثيراً ما يشتكي المراجع القومي من وجود شركات حكومية لم تورد حساباتها، ما يشير إلى إخفاء بعض المعلومات، وكشف عن وجود شركات يتم تأسيسها دون علم ومعرفة وزارة المالية رغم أنها الجهة التي لها الولاية على المال العام، مشيراً إلى أن إحدى الوزارات أسست شركة لتسهيل الأمور، مثلاً وزارة المالية منعت شراء العربات، فتم تأسيس شركة لشراء العربات، ويتم تسليفها إلى الوزارة، وفي الحقيقة هي التي قامت بالشراء، وهذا هو تهرب من الانضباط، وأشار إلى أن وزير رئاسة الوزراء السابق شن هجوماً على الشركات وقام بحلها، لكن بطريقة غير مدروسة، وأضاف أن معظم الشركات تابعة لأجهزة نافذة، وأصبحت خارج التحكم، بجانب أنها مصادر للفساد، وأوضح أن انضباط الفساد صعب، كما أن المبالغ التي تخرج يصعب استرجاعها لأنها دخلت في بنوك عبر حسابات أياً كان المسمى جنائياً أو إدارياً فهو فساد، وفيه مدرستان، تمضي المسألة عبر المحاكمات المطولة، ومماطلة المحامين، أم يتم التشديد على المتهم واسترداد المبالغ، عبر التسويات، وفي حالة وجود دليل يجب المراجعة عبر المحكمة.

تقرير : أم سلمة العشا

الخرطوم (صحيفة الصيحة)

اترك رد