اخبار السودان لحظة بلحظة

عين علي الحقيقة

بقلم : الجميل الفاضل

علي أي دولة يتباكون؟

• الحكومات تنوبُ عن الشعوب لكن لا تلغي وجودها بالمرة .. فلو أن شعباً أضحي في وادٍ وحكومته التي يفترض نظرياً أنها تمثله وترعي مصالحه في وادٍ آخر، فإن السيادة ينبغي أن تكون للشعبِ صاحب الحق الأصيل، لا أن تظلّ بيد وكيل فقد ثقة شعبه، أو أصبح غير مؤتمن لديه.

• فأن من يعبر عن وكالة الشعب بلا تفويض سابق يبرر وجوده الطاريء علي سلطة إنتزعها بالقوة الجبرية، وفرض نفسه علي سدتها، فتعامل الناس معه كأمرٍ واقعٍ، أو كشّرٍ لابد من التعاطي معه، جلباً لمنافع لا تستقيم الحياة بدونها، أو درءً لفتنٍ و ويلاتٍ وشرورٍ يخشونها.. فوكيلاً مجازياً كهذا أدعي به نظرياً علي الأقل أن يرد الأمانة الي أهلها متي أستشعر رغبة كهذه التي تضج بها البلاد من أقصاها الي أدناها في إصرار وإجماع نادر، خاصة إن من يناجيه الصغير قبل الكبير ب(تسقط بس) قد تطاول به الأمد فحكم ما يقارب نصف فترة كل السودانيين الذين تعاقبوا علي حكم البلاد من عسكر ومدنيين.

• لكن الأدهي وأمر في الحقيقة هو أن هذا الحكم الذي أمتد لثلاث عقود، جري علي سُنةِ الأنظمة المؤدلجة ذات الطابع الآحادي الشمولي التي لا تستطيع التعايش بطبعها مع فكرة الدولة الوطنية التي تسمح بتعدد المعتقدات والمذاهب والأفكار، فالتجارب تقول أن مثل هذه الأنظمة المنغلقة تذهب عندما تستولي علي السلطة بأي وسيلة كانت، ومنذ يوم صعودها الأول بشتي الحيّلِ للإستيلاءِ كذلك علي أصل هذه السلطة الذي هو (الدولة).

• لأنها لا تعترف في الواقع بدولة توصيفها الأساسي أنها.. أرض، وشعب، وسلطة ..

سلطة تُمارسُ إنابة عن هذا الشعب علي أرض هي أرض هذا الشعب نفسه بالضرورة.

• هذا الوضع يجعل المهمة المقدسة الأولي لمثل هذه الأنظمة هي مهمة تفكيك قواعد وأركان تلك الدولة التي تصادم الفكرة المركزية التي تم من أجلها الإستيلاء علي السلطة، لكي تبني علي أنقاضها دولة آخري تختلف تماماً، يكون أساسها ومعيارها الوحيد الإنتماء الايديولجي لا المواطنة.

• ومن هنا ينشأ تنافض جذري قابل للإنفجار بين مكونات دولة المواطنة القائمة بالفعل علي الأرض، ودولة الأيديولجيا التي تحاول بالتدليس والمخاتلة أن تحّل محلها.

• فدولة الأيديولوجيا لا يعنيها بالطبع من مثلث الدولة الذي قاعدته الشعب، سوي ضلع واحد هو ضلع (السلطة) – سلاحها للإحلال والإبدال والتغيير- إذ لا يهم سدنة الدولة العقائدية حراسة الأرض كقيمة مادية ومعنوية بحد ذاتها، ولا خدمة الشعب كواجب مباشر تمليه الدساتير والأعراف علي كل حكومات الدنيا.

• ولعل التضحية بجنوب السودان الذي يمثل ثلث أرض الدولة لتسهيل مشروع الأدلجة يعتبر خير مثال لطريقة تفكير سدنة هذا المشروع الهلامي الذين نحروا الذبائح إحتفاءً بإنفصال الجنوب المسيحي عن الشمال المسلم للخروج من شريعة أقروا أنها كانت (مدغمسة) الي فضاء ايديولجي خصيب يقبل مشروع دولتهم دون حاجة (لدغمسة).

• أما عن حال الشعب قاعدة مثلث الدولة فحدث ولا حرج.

• لكن لا أحد يدري علي أي دولة يتباكي أهل الإنقاذ الآن .. هل علي دولتهم المفترضة.. دولة الحاءات الثلاث والكل المركب، أم أنهم يزرفون الدموع علي دولة الجميع، دولة المواطنة التي ازهقوا هم بأيديهم روحها، ودمروا بنياتها، وبددوا ثرواتها، بل وفككوا أوصالها الي أفشل دولتين في التاريخ؟.

اترك رد