اخبار السودان لحظة بلحظة

سليمان الماحي يكتب: الكارثة من مستصغر الخطأ

ينبغي ألا يوافق أحد  على الخطأ .. وليكن هذا موقف مبدئي صارم  من الجميع .. بل المفروض ان يكون موقفنا في هذا الأمر أشد صرامة لطالما ان الخطأ  تمتد اثاره ويلحق ضررا بالوطن والمواطن .. والحال يقتضي ان يحرص كل فرد في المجتمع  على أن ينأى بنفسه عن الوقوع في السلوك الخاطيء .. أيا كان ذلك السلوك عملا أو قولا .. فالمصلحة العامة للوطن تقتضي أن يقف المجتمع  بمختلف مكوناته ضد الممارسات التي تنطلق من المفاهيم الخاطئة وتشكل حجر عثرة على طريق النهج الذي اختطته الثورة لبناء وطن يسع الجميع  ويوفر لهم الأمن ورفاهية العيش ولكن يبقى التحذير ضروري ومفاده ان الكارثة من مستصغر الخطأ .

نقول ذلك انطلاقا مما شاهدناه عبر وسائط  التواصل الاجتماعي مؤخرا متضمنا مشاهدات لا ينقصها الهرج والمرج  من قبل جمهور غفير يتشكل من الرجال والنساء وأيضا الأطفال وقد جاءوا كلهم  الى مجمع جوازات أم درمان بغية الحصول على إجراءات ضرورية تتيح لهم فرصة  مغادرة الوطن إلى حيث يطيب لهم المقام أوالعمل ولكن عندما استعصى عليهم الدخول عبر البوابة الرئيسية لجأوا إلى القفز فوق السور سعيا للوصول  الى هدفهم المأمول المتمثل في الحصول على الاجراءات التي تمكنهم من حزم حقائبهم والسفر خارج الوطن نهائيا أو مؤقتا ولكن مشهد الناس وهم يتسلقون الحائط  كان مزعجا ومثيرا للاحباط .

في الملاحظة الانطباعية  نرى أن تسلق سور مجمع جوازات أم درمان  يومذاك يحمل تبعات واضحة لكنها لا تقتصر على  الجمهور الذي وجد نفسه محروما من الدخول عبر البوابة الرئيسية وإنما  تنسحب أيضا على الجهات القائمة على المجمع فينالها النصيب الأكبر من ذلك الخطأ عندما  تقاعست عن القيام بواجبها تجاه الجمهور الذي جاء باكرا من كل فج بعيد وقريب ينشد الخدمات بيد  انها أخفقت بامتياز في توفيرها له و بالتسهيلات الممكنة التي تدرأ عنه التأخير ومشقة القفز من السور  ومهما يكن من أمر فإن ما حدث في مجمع جوازات أم درمان كان مفاجئا لكل من شاهده في داخل وخارج الوطن ومخيبا لامال شعب فجر ثورة تنشد الحرية والسلام والعدالة .

 لا يختلف أثنان على أن  ما حدث في المجمع هو بسبب الإهمال الواضح والتخبط  في الاجراءات وانعدام الوزن وسوء التصرف وكان الأسوأ في ذلك  هو إعاقة سفر الكثيرين الذين كانوا في أشد الحاجة لمغادرة الوطن لمهام عاجلة  لكن عدم الحصول على الإجراءات حرمهم من تحقيق ذلك الهدف ولكن من الناس من يرون  فيما حدث في مجمع جوازات أم درمان بأنه عمل استفزازي تعرض له أبناء الوطن وينبغي أن يكون  مرفوضا بأقوى العبارات لأنه لا ينسجم مع تطلعات ثورة ديسمبر التي ضحى الشباب لأجلها بأرواحهم  أما حرمان المواطنين من دخول مجمع جوازات أم درمان فيعد ممارسة تتناقض مع روح الدولة الديمقراطية التي  ينعم فيها كل زول بالحقوق والواجبات والحصول على الخدمات بهدوء وهو جالس يضع الرجل اليمنى فوق اليسرى لذا  فان أي تصرف يكون غير ذلك من شأنه أن يؤدي إلى الفوضى الخدمية غير الخلاقة .

ونجادل أكثر  بان الجمهور الذي توجه إلى  مجمع جوازات أم درمان لم يكن  وجودهم هناك مفاجئا بالنسبة للقائمين  على المجمع وبالرغم من ذلك لم يعملوا على  تهيئة الأمور بالنحو الذي يمكن الجميع من الحصول على  الخدمات بالصورة المثلى وهو الشيء الذي يحملهم المسؤولية والأضرار التي لحقت  بالمراجعين لأنهم لم يأخذوا الحيطة والحذر التي تجعل المجمع على أهبة الجاهزية  الخدمية واستقبال الراغبين في إجراءات السفر بصورة إنسانية راقية وتقديمها لهم بالسلاسة والشفافية وانجازها في الوقت المناسب  الذي يمكن الجميع رجالا و نساء من السفر في الموعد المقرر لكن نتيجة لغياب تلك الجاهزية وما صاحب ذلك من إغلاق الباب الرئيسي لمجمع جوازات أم درمان  حدث ما لم يكن في الحسبان وهو لجوء الجمهور للقفز فوق السور بحثا عن الخدمات التي يحتاجونها بعدما تعذر عليهم الدخول عبر البوابة الرئيسية للمجمع .

ونذهب إلى أبعد من ذلك عندما نقول ان العديد من المرافق  الخدمية في بلادنا ان لم تكن جميعها وبخاصة التي تقدم الخدمات للجمهور  بصورة مباشرة تبدو غير مهيأة لتقديم الخدمات للناس الراغبين فيها بالصورة الايجابية التي تمكنهم من تصريف أمورهم كما ينبغي ويعكس ذلك التقصير إساءة بالغة للإنسان السوداني  ولم تكن معاناة الجمهور في مجمع جوازات أم درمان بمعزل عن المصاعب العديدة الأخرى التي واجهها أبناء الوطن أثناء البحث عن خدمات يحتاجونها وفي مقدمتها الإجراءات المؤهلة للسفر خارج الوطن  ويفيدنا التذكير ان ما حدث في القومسيون الطبي من مصاعب جمة واجهها أبناء الوطن أثناء سعيهم للحصول على شهادة فحص مرض كورونا المهمة لاستكمال إجراءات السفر خارج الدولة اذ تسبب تأخير أصدارها في إلغاء سفر الكثيرين .

انعدام  الجاهزية الخدمية التي تعاني منها  الكثير من مرافق الدولة المختلفة قضية  مزعجة شائكة ويتضرر منها كثير من المواطنين  أما معالجتها فيتطلب الشيء الكثير من الحزم والحسم وعدم التأجيل  والمسؤولية في ذلك تقع على الدولة التي يتعين عليها الدعم والمتابعة  الدؤوبة والقيام بتفتيش متواصل للتأكد من الجاهزية علاوة على موقف صارم وجاد في  مواجهة انعدام الجاهزية الخدمية تتبناه الجماهير التي فجرت ثورة ديسمبر .

المصدر: صحيفة الانتباهة

اترك رد