العلاقة بين مصر والسودان مسألة يجب التوافق معها على اعتبارها سطوة اقدار صنعت واقعاً وتوأماً سياميا لا يخفى تميزه وتداخله فى المصالح لحدود يصعب الفصل بينها او اتخاذ قرار بفض شراكات فيها بقرار سلطوى ونافذ مهما كانت ارادة صاحبه.
ولا يمكننا القول شعب واحد، فنحن مختلفون منذ الازل، وكل له نظامه السياسي وتفاصيل ثقافاته الاجتماعية الخاصة، ولكننا ملتصقون بالمصالح وشريان الحياة النيل وتداخل الحدود وانبساطها وتداخل السكان والحضارة والامن القومى، وربما جراحة فصلنا تعني الموت لكلينا .
وما بين مصر والسودان واقع جغرافى سياسى لا يمكن الفصل بينهما على رافعة الامن القومى لكل البلدين من ناحية الفكر السياسي والتأثير الاقتصادى، ثم يأتى من بعدهما العامل الاجتماعى والثقافى كسمتين طبيعيتين لاى دولة مجاورة لاخرى بالعالم مع تواصل حضارى امتد اكثر من سبعة آلاف سنة، وهو ما مدرك عبر الثقافة الفرعونية وجذورها السودانية وربما قبل ذلك الكثير غير المدرك.
والسباق نحو أيهما يكسب اكثر ويستغل الآخر يبدو امراً ليس بذى جدوى وصراعاً عبثياً، والبحث يجب ان ينطلق فى علاقات تؤسس لتبادل منافع بحدها الاقصى وسوق مهول لكل الطرفين فى توافق استراتيجى عظيم .
فالسودان يعتبر شريكاً اقتصادياً مؤثراً لمصر من ناحية تصدير المواد الخام، ومن ناحية السياحة العلاجية والاستثمارات العقارية، ويستورد السودان من مصر المنتوجات البلاستيكية والاسمنت والحديد وبعض التكنولوجيات البسيطة فى المعدات الزراعية والصناعية.
ومن الناحية الامنية فتاريخياً مصر مهددة من شمالها وشرقها وغربها، ويعتبر الجنوب عمقها الاستراتيجى وملجأ حكامها عند الازمات الكبرى، وان اعظم مقاومات الاستعمار ضد مصر بدأت من الجنوب في عهود الهكسوس والاشوريين والاتراك، ويعتبر شمال السودان اس الحضارة الفرعونية التى شكلت اكبر مظهر حضارى تاريخى لمصر وسط الامم على المستوى الاممي وعلى طول تاريخ البشرية .
وعلى السودانيين التفاعل مع الواقع وقياداتهم وخبرائهم، بالنظر الى الابعاد الاستراتيجية فى نهضة سودانية تتخذ من مصر طريقاً عبر اسواقها المهولة وتعدادها السكانى الفريد وتعاوناً مع صفوتها الفنية وخبراتها العملية كمرجعيات تقنية ودعم فنى لنهضة سودانية زراعية وصناعية شاملة .
وعلى الإخوة المصريين التخلي عن المجاهرة بمختلف الازمنة عبر حكامها مهما اختلفت ايديولوجية الجهة الحاكمة، بالا ترى فى السودان الا حديقة خلفية بمنزلها ومستقبلها فى ازمة السكان والتنمية واستغلال موارد السودان الخام، مما يشى بشىء من الحسد على نعمة يتمتع بها اخوة لهم لا يستحقونها بكسلهم وغبائهم، كما يسوق بعض المهوسين فى عالم تلاشت فيه الصفتان بفعل العلم والتكنولوجيا المتقدمة.
والتفكير في المواد الخام والموارد السودانية كمستودع خاص بمصر وحق حصري لها بجبروت وسطوة مفاهيم الاستعمار، مما يشكل جزءاً مهماً من اقتصادها نتاج الصناعات التحويلية للموارد السودانية وسوقاً لمنتجاتها بمقابل تكاليف اشبه بالعدمية وربما نقود مزورة، مما يشكل لمصر حلاً لأزماتها الملحة ومنفذاً جذاباً لقبول كل منتجاتها وسوقاً أمثل ومرغوباً فيه وفق شروط خاصة ومتدنية تمثل الاستهلاك الاعمى دون حاجة لادراك السلبيات والايجابيات.
وعلى الشعب السودانى تحويل هذه الميزات بما يخدم الاقتصاد والدولة السودانية عبر عدم تصدير كل المواد الخام لمصر الا بعد بعض المعالجات الصناعية والمطلوبة، مما يرفع قيمة منتجاتنا الى خمسة اضعاف، مع استفادة مصر من بيع السودان تكنولوجيات التصنيع والتغليف والخبرات الفنية والتسويقية لانجاز اعلى ما كانت يحققه السودان فى احد واهم اسواقها. ولا بأس أن يتم ذلك عبر شراكات بين القوى الرأسمالية الوطنية والدولتين فى شراكات كبرى واستراتيجية، او ان يتم عبر قدرات مؤسسات القطاع العام بالبلدين. ويمكننا الذهاب الى أبعد من ذلك بدعمها عبر خطط استراتيجية من صناديق دول البترول السيادية فى تحقيق الامن الزراعى والصناعى العربى، وتواصلاً مع الأسواق الافريقية ذات الكثافات السكانية المهولة فى شرق ووسط وغرب افريقيا، عبر تنمية مهولة لطرق الاتصال والموانئ والمواصلات البرية والجوية فى حالة نهضة إفريقية كبرى. وسنجد فى حال حدوث ذلك الانتقال من أزمات البلدين من مربع الصراع العبثي والمعبر عن التخلف والغوغائية الى مربع النجاح والريادة وإسعاد الشعوب وسطوة النهضة والتنمية على آفاق المستقبل العريض.
المصدر: صحيفة الانتباهة