بعد الثورة كان المتوقع أن تبدأ الأحزاب و عضويتها حملات ثقافية واسعة بتبصير الناس بالقيم الديمقراطية، و أحترام الرآي و الرآي الأخر، باعتبارها المعادلة المطلوب أن تسود، لأن المعارف تتباين عند الناس، و طول فترة النظام السابقة في السلطة، خلفت ثقافة شمولية واسعة، هذه الثقافة سوف تشكل تحدي حقيقي لعملية التحول الديمقراطي، و المعادلة يجب أن تكون كل الآفعال متوافقة مع القيم الديمقراطية، و لا استثناء في ذلك، و القاعدة الأسياسية للمعادلة هي الشفافية و ترسيخ قيم العدالة بكل وسائلها و أدواتها و إجراءاتها، أن الدول الديمقراطية في مسار تطورها السياسي التاريخي و هي تعبر ثقافة الاقطاع بكل سوأته، أنها حرصت علي فصل السلطات ” التشريعية – التنفيذية – القضاء” و شيدت نظاما للعدالة يحترمه الجميع، باعتبار أن العدالة تحفظ للجميع حقوقهم و ليس هناك شخص فوق القانون، و إذا شعرت أي فئة من المجتمع أنها تعاني من الظلم، و ليس هناك طريقا للعدالة ليس أمامها غير إنها تختار من الوسائل ما يؤرق أمن المجتمع، لذلك كانت الجماهير واعية أن تختار شعارا يعكس ذلك ” حرية – سلام – عدالة” فالديمقراطية تبنى علي هذه الأعمدة الثلاث.
كان المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية إزالة التمكين و تفكيك دولة الحزب لصالح الدولة التعددية، لذلك كانت الدعوة لقيام مفوضيات، منها مفوضية تنظر في عمليات الفساد. و القيادات الديمقراطية التي تستند لقاعدة مبدئية ديمقراطية، إذا كان في مرجعيتها الفكرية أو في ثقافتهم السياسية الديمقراطية يحرصون أن أي فعل يجب أن يتوافق مع قيم العدالة، و لا يخرج منها و البعد عن المشكوك فيه. لكن خرج علينا السير نائب رئيس لجنة التمكين بخطاب حاول أن يرد فيه علي الذين ينتقدون لجنة إزالة التمكين، و صنفهم لثلاث فئات. الأولي هي مع اللجنة لكن تنقدها في بعض الأشياء، و الفئة الثانية هي مجموعة الكتاب و الصحافيين الذين ارتبطوا بالنظام السابق و يريدون أن يطهروا أنفسهم. و الفئة الثالثة هم اتباع النظام السابق الذين يتضررون من أعمال اللجنة. في أي تحول ديمقراطي تتباين أراء الناس، و يختلفون في تناول الموضوع من جوانب كثيرة. و لذلك الموقف يصبح موقف عدالة و ليس موقفا سياسيا لماذا؟
1 – أن تفكيك النظام السابق؛ يبدأ بتفكيك خطابه السياسي، و الذي كان يعتمد علي الثقافة الشمولية التي جاءت عبر تراكم استمر ثلاثة عقود، لا يحترم اللوائح و القوانين وقيم العدالة، الأمر الذي فتح بابا واسعا للفساد، وضيق علي الحريات الصحفية حتى لا تكشف مصادر الفساد. كان المأمل أن النظام الجديد يسير في طريق مخالفا تماما عن سابقه، و أن يرسي أجراءات العدالة بكل مكوناتها و آدواتها، و يتاح للجميع أن ينعموا بهذه الإجراءات الجديدة التي تحترم الإنسان، ليس يشعر الناس الفارق في العدالة بين النظامين.
2 – النظام الجديد هو المطالب أن يرسي القواعد و القيم التي تتماشى مع الديمقراطية، و التي أكد عليها الشارع في ثلاث كلمات ” الحرية – السلام – العدالة” و ليس عناصر النظام السابق هم المطالبين أن يرسوا هذه القيم في المجتمع. و بالتالي يجب علي القائمين بالأمر سماع كل الأراء بصدر متسع، مهما كان فيها شطط، لآن المطلوب تعليم الناس الأسس الديمقراطية، لكن عندما يكون هناك تصنيف كما جاء في خطاب نائب رئيس لجنة إزالة التمكين محمد الفكي، يؤكد أن القيادات في السلطة تستخدم الفزاعات غير المباشرة لكي يصمت الناس، و لا ينتقدون عمل اللجنة خوفا من تصنيفهم أنهم يدافعون عن النظام السابق، و مثل هذا القول يجافي أسس الثقافة الديمقراطية. الأمر الذي يؤكد أن بعض السياسيين يرفعون شعارات الديمقراطية عندما يكونون في المعارضة، و عند وصولهم للسلطة يتحول الشخص لمشروع ديكتاتور جديد.
3 – أن لجنة إزالة التمكين تصادر الأشياء و الممتلكات للشخص أو للمؤسسة المعنية، و لكنها لا تحارب الفساد. كان من المفترض أن تتماشى عملية محاربة الفساد و مصادرة الأشياء سويا، عندما تكون هناك محكمة سوف تبحث كيف استطاع فرد واحد أو مؤسسة أو مجموعة أن يسطو علي أموال الدولة، و من هي الجهات التي ساعدتهم علي ذلك. فالمحاكمة عبر القضاء سوف تجر كل الذين شاركوا في الفساد إذا كانوا موظفين في مؤسسات الدولة، و شاغلي وظائف دستورية أو مؤسسات مالية أوغيرها، و حتى الذين شاركوا في الفساد و ليس هم من العاملين في الدولة أو الحزب الحاكم يجب محاكمتهم. لكن فكرة اللجنة تعني أن هناك جهات تريد أن تتستر علي البعض و تدغمس طريق العدالة.
4- هناك أحزاب مشاركة في الفترة الانتقالية، لا تريد العدالة تأخذ مجراها الطبيعي، لأنها لم تكن جزءا من مرجعيتها الفكرية و لم تكون جزءا من ثقافتها، هؤلاء أفضل لهم طريق المصادرة التي تعودوا عليها في ثقافات حكم لدول أخرى تشاركهم المرجعية الفكرية، هؤلاء لا يستطيعون أن يقدموا للشعب دروسا في الديمقراطية، و هم يعلمون أن أمرهم سوف يقف مع نهاية الفترة الانتقالية.
5 – نائب رئيس لجنة التمكين قال في كلمته أن لجنة إزالة التمكين أيضا ممكن أن نعطيها الصفة السياسية، و إذا كانت لجنة سياسية تكون قد انتفت قيم العدالة، لآن العدالة يجب أن لا يكون مشكوك فيها، و لا تقبل الأشياء و الولاءات التي تجرح استقلاليتها. و غدا؛ إذا جاء نظام ديمقراطي مكتمل الأجراءات القانونية أغلبية هؤلاء سوف يستردون ممتلكاتهم. فكان الأفضل من الآن أن تتم المحاكمة علي الأسس الديمقراطية السليم، و أجراءت عدلية كاملة الدسم.
6 – و القضية الخطيرة أن الذي يجري الآن في البلاد داخل الخدمة المدنية هو إزالة ولاء بولاء جديد، حيث ابعدت العديد من القيادات في الخدمة المدنية، وتم ملأ الوظائف بولاءات جديدة حيث لم تفتح الوظائف لكي يتنافس فيها المؤهلين من أبناء الشعب، يعني أجهضت الدالة من قبل الذين يرفعون شعاراتها. هناك أكثر من 160 وظيفة قيادية في الخدمة المدنية للعديد من الوزارات تم تعين اشخاص يتبعون إلي ” حزب البعث العربي الاشتراكي – الحزب الشيوعي – تجمع الاتحاديين – الجمهوري” رغم ذلك لم تقول كلمة واحدة لجنة إزالة التمكين في ذلك، فكيف يستطيع أن يصدقك الناس و أنتم تتحدثون عن أنكم ديمقراطيون، لماذا الكيل بمكيالين.
7 – أحزاب ترفض جملة و تفصيلا أن يضم المجلس التشريعي أبناء الشعب الذين قادوا عملية اسقاط النظام ، و صدورهم مفتوحة للرصاص، الغريب في الأمر أن أغلبية الذين تم استيعابها في الوظائف القيادية للخدمة المدنية و أيضا في الوظائف الدستورية من المهاجرين، و تم إبعاد كل الذين واجهوا شراسة النظام و جبروته، مما يؤكد أن هذه الأحزاب ليس لديها كودار مؤهلة تستطيع أن تقدمها.
أن الذي يريد أن يفكك نظاما شموليا، و يحارب فساد ذلك النظام، يتخذ الوسائل التي تخدم النظام الجديد، أي أن تقدم في كل خطوة يخطوها في إجراءات العدالة الفارق القيمي بين النظامين، حتى يشعر الناس بالفارق الكبير بينهما، أما إذا كان الخلاف فقط في الشعارات المرفوع دون تقيد بها في الممارسة، ما هو الذي يدفع الناس لحماية نظام يريد أن يخضعهم مرة أخرى للديكتاتورية. فكلمة نائب رئيس لجنة إزالة التمكين تمهد الطريق لذلك و ليس فيها من الديمقراطية شيئا. نسأل الله حسن البصيرة.
المصدر: صحيفة الانتباهة