بروفيسور زين العابدين صالح عبد الرحمن
<
p style=”text-align: justify”>هناك فارق كبير بين الاعتقاد السياسي و رؤية الشخص للقضايا، و بين المنظومة المعرفية للعمل، و أيضا بين الشعارات المرفوعة نتيجة لأحداث ذات ظروف وقتية. فالإعلامي لابد أن يحدد مشروعه، و معرفة كيفية تحقيق مقاصده. و عندما يقرأ أي شخص تاريخ الإعلام و مسيرة تطوره في المجتمعات المختلفة، حيث تتباين هذه المجتمعات في معتقداتها، سوف يلحظ الفارغ الكبير لمسار الإعلام في ظل النظم الشمولية و نظام الحزب الواحد، و بين النظم الديمقراطية، في الأول يصبح السياسي هو المبادر و الإعلامي ناقل، و في الثاني يصبح الإعلامي هو المبادر و السياسي ناقل. و هنا تأتي نقطة التحرر. أن ينطلق الإعلامي من قاعدة وطنية الهدف منها أن يلعب الإعلام دور المبادرة في تصحيح الأخطاء، و كشف كل بؤر الفساد و تجاوزات اللوائح و القوانين، و يشير للخلط الذي يحدث في دور المؤسسية، علي أن يكون هناك فاصلا كبيرا بين الحزب الحاكم و بين مؤسسات الدولة. و هذا الفهم يحتاج إلي العقل المفتوح، و الصدر الواسع الذي يقبل النقد و يتجاوب معه بروح إيجابية، و بين أن تصبح الحرية شعار معلق في الهواء لا تستطيع أن تنزل إلي الأرض، بل تنزل في الخطابات السياسية للزعماء للدعاية فقط، فرافعي الشعارات من السياسيين تجدهم أول من يضجرون بالنقد، و يعتبرونه آلة هدم يجب الاستغناء عنها، و يستبدلون المنهج النقدي بالمنهج التبريري الذي أصبحجزء من ثقافتهم و إرثهم السياسي، و هو المنهج الذي يقود للفشل.
كان الاعتقاد بعد الثورة أن ينطلق الإعلام و خاصة الحكومي في توسيع دائرة أهتماماته، و يلعب دورا إيجابيا في تقدم المبادرات التي تعزز شأن الوطن عند الكل، و يصبح النقد هو المنهج المعتمد عليه، باعتباره يكشف مكامن الخلل و الأعطاب، و يبين مسبباته، ثم يفتح العديد من النوافذ التي تأتي بالهواء النقي، لكن هذا لم يحصل، فالكل يريد التمكين و لا يريد التغيير. فالتغيير ليس تغيير الشخصية بالشخصية المختارة، لكن يجب أن يكون التغيير في العقلية المستوعبة لدورها في عملية التحول الديمقراطي، و لها رؤية مغايرة في إدارة الآلة الإعلامي، و تجعلها تخدم هذا التحول من خلال فتح الفرص لكل تيارات الفكر لكي تتناظر فيما بينها، حول المشاريع السياسية المعروضة و شرحها و مضامينها و أبعادها السياسية و الاجتماعية، و هي الخطوة الأولي إلي إنتاج الثقافة الديمقراطية التي تنداح علي الثقافة الشمولية و تحاصرها، ثم تخلق قاعدة ثقافة التحول الديمقراطي.
استمعت للعديد من الحوارات التىي أجريت في القنوات الحكومية، و غالبا ما يكون الحوار بين أثنين لا خلاف بينهما، بل كل يحاول أن يشيد بقول الأخر، باعتبار أن المتحاورين من مدرسة واحدة. مثل هذه الحوارات توضح أن البعض تغيب عنهم معرفة ماهية الحوار، و ما الهدف المرجو منه. كما شاهدت أثنين من قناة واحدة واحد يحاور الأخر باعتباره محللا سياسيا، هذا يسمى استغلال للوظيفة بهدف السعي للنجومية، في القنوات التلفزيونية إذا كان هناك محللا سياسيا يستفيد من قدراته في إدارة الحوار، ودعوة شخصيات يعتقد أيضا هي ملمة بالموضوع قادرة علي تقديم الإيجابات المقنعة، و أيضا طرح الأسئلة المثيرة للجدل الفكري، و التي تستطيع أن تنقل المشاهد لقضايا كثيرة خاصة تلك المسكوت عنها، لكن أن يحاول الشخص استغلال الوظيفة و الجهاز لكي يلمع دوره، هذا الفعل يجب أن يسأل عليه.
الغريب في الأمر بعد الثورة كانت بعض القوى السياسية عينها علي الإعلام و تعتقد إذا استطاعت أن تقبض علي مفاصل العمل الإعلامي تستطيع أن تسيطر سيطرة كاملة على مجريا السياسة، و بالفعل استطاعت أن توصل بعض عضويتها إلي الأجهزة الإعلامية، لا غضاضة أن يصبح إزالة التمكين بتمكين جديد، و هي التي جعلت الإعلام “محلك سر” فالذي يأتي عبر عملية تمكين دائما يكون متواضع القدرات و ليس لديه جديد يقدمه، فالإعلام عمل مشاهد من قبل الجميع و توضح مقدرات الناس أمام الكل. فالقضية ليست القبض علي مفاصل الأجهزة الإعلامية، لكن يبقى السؤال لأي مشروع وطني تريد أن توظفها فيه؟ لذلك تجد القنوات التي هي خليط في المشارك، نسبة كبيرة أهلية و نسبة حكومية أقل، و أخرى أهلية استطاعت أن تكون أكثر فاعلية و جاذبية من الأجهزة الحكومية، لآن أشكالية الأجهزة الحكومية مايزال العاملون فيها ينتظرون التوجيهات ثم بعد ذلك يقومون بتنفيذها، و الآهلية تعطي العاملين مساحة من الحرية ينطلق فيها الخيال و يتزاوج مع الإبداع، لذلك تجدها دائمة الحضور و أكثر جاذبية و مشاهدة. و سباقة في مناقشة الموضوعات التي تطرأ علي الساحة السياسية، بينما العامل في الأجهزة الحكومية ينتظر أن تعطى له حرية العمل. الحرية لن تكون منحة من أحد هي تؤخذ أخذا لكي ترسخ في المجتمع. نسأل الله حسن البصيرة.
المصدر: صحيفة الانتباهة