[ يجب تبني مقترحات ومشاريع الشباب والتركيز على إنشاء الصناعات التقليدية والخفيفة لتقليل الاستيراد وإصلاح الخلل بالميزان التجاري ]
يظل الطريق طويلاً ومليء بالتحديات للقضاء على مشكلة شح النقد الأجنبي وتأثير ذلك على قيمة العملة الوطنية، بسبب قلة الصادرات للخارج إضافة إلى محدودية مساهمة ما يتم تصديره من منتجات وسلع في إحداث التوازن المطلوب لمقابلة الطلب على العملات الحرة، وقد شهدنا خلال الأيام الفائتة الارتفاعات القياسية في أسعار العملات الحرة مقابل الجنيه قبل أن تتراجع نسبيا مؤخرا، ولا ندري ما تخبئه لنا الأيام القادمة من مفاجآت.
ترى ما الذي يحدث؟
أولا، يجب القول أن التقلبات الكثيرة و الزيادات المتكررة في أسعار العملات تعود في كثير من الأحيان لسيطرة «العامل النفسي» على الناس أكثر من أنه نتيجة لواقع وسياسات او إجراءات محددة يمكننا أن ننسب لها ما يحدث، والدليل هذا الخوف والهلع كلما أطلت موجة جديدة من الطلب الذي لا يعرف سببه في الكثير من الأحيان، وذلك لأن الأمر برمته خارج سيطرة وزارة المالية والبنك المركزي لدرجة أن اي تحرك منهما للتأثير في سوق العملات لا يعدو أن يكون ردة فعل لا تقدم ولا تؤخر.
وما يزيد الوضع سوءاً هو عدم التوفيق الذي ظل ملازماً لتصريحات المسؤولين والتي غالباً ما تكون خارج السياق وتصب المزيد من الزيت على النار وتأجج لهيب أسعار العملات بسبب سلبيتها الطاغية والتي تزيد من خوف الناس وتوجسهم عما سيكون عليه المستقبل.
وقد لاحظنا في الأيام الماضية إمتناع بعض الشركات عن بيع بعض السلع دون أن تحرك السلطات ساكنا لمعاقبتها وردعها على هذا التصرف الخاطيء.
يجب على السلطات المالية والإقتصادية في البلاد أن تسترد زمام المبادرة وتكون لها سياسة وهدف واضح تعمل لإنجازه بانسجام وتنسيق تام، ذلك أنه لن يجدي نفعا ما ظلت تردده من قبيل أن الإصلاح المطلوب مرهون بالدعم الخارجي فقط، إذ لا يعقل ان تكون لدينا كل هذه الموارد الكبيرة ونعجز عن إيجاد الأدوات والحلول التي يمكننا عن طريقها التخفيف من هذه الضغوطات والمشاكل المعروفة بداهة لكل المختصين في المجال الإقتصادي والمالي.
اكرر أن لا أسباب منطقية او معقولة تستدعي ذلك الإرتفاع الجنوني في أسعار العملات الحرة والذي بلغ فيه الحد خلال «الجولة الأخيرة» أن يتغير السعر في السوق الموازي عدة مرات في اليوم الواحد.
وعليه فالمطلوب من وزارات القطاع الاقتصادي أن تعمل بجد على إيجاد مقاربة مختلفة ونهج جديد للتعامل مع هذه المشكلة والتخفيف من وطأة «إنفلات» سعر الصرف مستقبلا، تفادياً لما يسببه من إرتفاع في الأسعار واختفاء للسلع الضرورية وهلع في نفوس الكثيرين.
ينبغي على وزارة المالية والبنك المركزي تقديم أسلوب وطريقة جديدة لإدارة سعر الصرف في هذه الفترة الحرجة، أقول ذلك رغم علمي أن الأمر يتطلب بناء إحتياطي من العملات الصعبة يُمكن البنك المركزي من التدخل لحماية العملة المحلية عند الضرورة في حالتي العرض والطلب بما يعرف بسعر الصرف المُدار (Managed exchange rate) ولكن إلى أن يتوفر الإحتياطي المطلوب يجب على الجهات المعنية ان تجيد استخدام الوسائل المتاحة لها، وأولها الإلتزام بما حددته للاستدانة من البنك المركزي وهو مبلغ 52 مليار جنيه وعدم تجاوزه لأي سبب كان، كذلك ضبط الصرف الحكومي وتحقيق نسبة الخفض المقرر، والتركيز على تطبيق الإصلاحات الإقتصادية التي أعلنت في الموازنة العامة، وضرورة البحث عن صيغ ووسائل بديلة لسداد الإلتزامات المستحقة للشركات والموردين المحليين، وما يتطلبه ذلك من المسؤولين في وزارة المالية والبنك المركزي من التفكير خارج الصندوق والعمل على إيجاد الحلول الجديدة والمبتكرة.
ايضا لابد من القيام وبشكل عاجل بدراسة معمقة ووافية لواردات السلع من الخارج بمنظور جديد يهدف إلى الحد او التقليل من استيراد السلع غير الضرورية وتلك التي يوجد لها بدائل محلية مع ضرورة العمل على إنشاء وتوطين الصناعات التقليدية والخفيفة لما لذلك من أثر إيجابي في تقليل الواردات وإصلاح الخلل في الميزان التجاري.
نحتاج إلى مبادرات وأفكار ملهمة في هذا الإطار وأن تتم الاستفادة من المقترحات التي يقدمها الشباب من قادة الأعمال وضرورة تبني تلك المقترحات والمشاريع الصغيرة وتوفير التمويل اللازم لها وتحديد نسبة معينة من السقف الإئتماني المخصص لكل من البنوك العاملة لتمويل هذه المشاريع والصناعات الصغيرة التي سيمتد أثرها الإيجابي على المدى الطويل.
يجب إجراء ترشيد ملموس في استخدامات النقد الأجنبي وأن يقتصر ذلك على استيراد السلع الأساسية والإستراتيجية إضافة للأدوية والمستلزمات الطبية.
من المهم العمل على إعداد خطط وسياسات مالية لإستقطاب وجذب مدخرات الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة في الداخل من العملة المحلية والأجنبية وادخلها عبر النظام المصرفي وتلك خطوة تتطلب جهد كبير وخطة متكاملة وطموحة وتنسيق بين الجهات المعنية وكذلك أهمية أن ترافقها حزمة من المحفزات لتعزيز الثقة المفقودة وتشجيع الناس على حفظ مدخراتهم في البنوك.
يجب أن تعكف إدارة شؤون المغتربين على وضع خطط لجذب مدخرات المغتربين واقناعهم بإدخالها في البنوك المحلية وذلك من خلال تحسين السياسات المالية والإجراءات المصرفية واشراكهم في إدارة الصناديق الاستثمارية الخاصة بمدخراتهم، وكذلك تقديم برامج مدروسة وحزم تحفيزية حقيقية بعيداً عن كل ما تم تقديمه سابقاً في هذا الصدد ولم يلقي له المغتربين بالاً.
إذا نجحت السلطات المالية في تطوير خطط وبرامج وإجراءات مبتكرة ومحفزة لجذب هذه المدخرات الضخمة من الداخل والخارج إلى البنوك المحلية، فسينتج عن ذلك زيادة كبيرة في أرصدة الودائع لدى الجهاز المصرفي الشيء الذي سيحدث أثراً إيجابياً على الإقتصاد وسيمكن البنوك من المساهمة بقوة في دفع عجلة التنمية، كما سيقلل من المضاربات على العملة الوطنية ويساعد على تحسين العلاقة المتوترة بين العملة الحرة و عملتنا الوطنية.
في الختام، يجب التنويه إلى أهمية التفكير بجدية فى طرح سندات او صكوك تمويل طويلة الأجل (10 سنوات فأكثر) بالعملات المحلية والأجنبية للجمهور في الداخل والخارج بنسب أرباح مجزية ومشجعة تدفع بنهاية كل عام، بشرط إستخدامها في تمويل مشاريع تنموية وصناعية كبيرة تنعش الإقتصاد وتوفر وظائف وفرص عمل جديدة وتخفض نسبة البطالة بين الشباب والقادرين على العمل.
المصدر: صحيفة الانتباهة