اخبار السودان لحظة بلحظة

إلغاء الإعفاءات للمنظمات.. معركة (كسر العظام)

الخرطوم: نجلاء – هالة

أعاد توجيه وزير المالية جبريل إبراهيم الذي تسلم مهامه أخيراً بإلغاء كافة الإعفاءات لمنظمات المجتمع المدني عدا التي تعمل فى مجال البنيات التحتية ومحاربة حدة الفقر، ما حدث في عام 1996م، حيث واجه المرحوم وزير المالية الأسبق الدكتور عبد الوهاب عثمان وضعاً مماثلاً عند توليه مهام وزارة المالية حتى عام 2000م، فقد كان التضخم في بداية فترته ١٦٠%، حيث ارتكز برنامجه وقتها على ثلاثة مرتكزات أساسية، الأول تنفيذ برنامج صارم لولاية وزارة المالية على المال العام التي تمضي فيه الحكومة الحالية، والثاني التحكم في احتياجات الحكومة من النقد الأجنبي عبر بوابة وزارة المالية فقط، والثالث وقف الإعفاءات الجمركية والضرائبية إلا تلك التي ينظمها قانون الاستثمار مع الرقابة الشديدة على التنفيذ .
وعند تولى عبد الوهاب كرسي وزير المالية كانت البلاد لحظتها تتضور من أزمة اقتصادية جعلت العملة السودانية (الدينار آنئذٍ) تنهار على مدار الساعة.. وارتفع التضخم إلى ثلاثة أرقام (مذهلة)، فالإجراءات التي نفذها عبد الوهاب بكل صرامة وحزم ضربت مصالح الكثيرين.. خاصة عندما أحكم السيطرة على الإعفاءات الجمركية والضريبية.. وكانت عالماً هائلاً من المال العام المستباح

التشوهات
وبحسب إحصائيات رسمية فإن الإيرادات الضريبية التي ورثتها الحكومة الانتقالية من النظام السابق تساوي حوالى 6% من الدخل القومي، بينما المتوسط لإفريقيا يبلغ 15% من الدخل القومي، والمتوسط العالمي بنسبة 30% من الدخل القومي. ويشير تقرير لجنة الواردات المعفاة من الرسوم الجمركية الى انها بلغت حوالى 53% في بداية عمل الحكومة الانتقالية التي تقدر الآن بنسبة 47%، ووجهت بمراجعة وإلغاء كافة الإعفاءات الجمركية الممنوحة بموجب قرارات وزارية مخالفة لقانون الاستثمار .
وينبه نائب مدير ديوان الضرائب د. عادل عبد المنعم إلى قلة منظمات المجتمع المدني، مما يعني خفة وزنها في الإعفاءات، وابان ان وزير المالية وجه بإلغاء الاعفاءات لجهة انها تخلق تشوهات في الاقتصاد، الا ان كثرة الاعفاءات تقلل من الايرادات الضريبية، وجزم في حديثه لـ (الانتباهة) بأنها سبب رئيس في الوضع الاقتصادي الراهن، وذكر ان السودان مقارنة ببقية الدول يعتبر دولة متخلفة، وتابع قائلاً إن الإيرادات الضريبية السودانية حسب صندوق النقد الدولي من الجمارك والضرائب تقدر بنسبة (4.5٪)، وتوقع عبد المنعم ان تكون النسبة اقل من ذلك والا تتجاوز نسبة (٢.٥٪)، وأوضح أن الناتج المحلي في عام ٢.١٦م بلغت النسبة فيه (٦.٥٪) لجهة انخفاض التضخم حينها، وقال ان صندوق النقد الدولي اكد على عدم نهوض اية دولة اقتصادياً دون ان تصل النسبة الى (١٥٪) على الاقل، ولفت الى ان وزير المالية يحاول معالجة مسألة تشوهات تلك الاعفاءات، الا انه في ذات الوقت وجد ان هنالك توجيهاً بتجميد الرسوم والضرائب على المنتجات البترولية، ودعا عادل الى ضرورة توحد تلك الاتجاهات طالما تم التأكد من ان الإعفاءات تعتبر مشوهة لجهة تقليلها الإيرادات وتجعل الحكومة تلجأ للتمويل بالعجز وطباعة النقود بنسبة تصل الى اكثر من (ترليون جنيه)، مشيراً الى انها سبب رئيس في زيادة اسعار الدولار، وطالب بعدم اللجوء الى خفض الرسوم والضرائب لجهة انها ليست من مسببات التضخم الاقتصادي وتعتبر قليلة جداً مقارنة ببقية الدول وتصل النسبة إلى ٤٠٪ من الناتج المحلي الاجمالي ، واشار الى عدم اتخاذ المعالجات على حساب ايرادات الدولة، واضاف حسب قوله ان اتحاد اصحاب العمل او اتحاد الصناعات يطالبون الوزراء بتخفيض رسوم الصناعة، مبيناً أنه في واقع الأمر ان ضرائب أرباح الأعمال على الصناعة لا تتجاوز (١٠٪) من صافي الربح، وعند خصم الاستهلاكات والمصروفات لا تشكل نسبة (١٪) من دخل صاحب المصنع، ويتم إطلاق السلع بالاسواق للوسطاء والسماسرة لتصل للمستهلك بضعف سعرها من المصنع، اي ان المواطن يفقد مرتين، الاولى بالتخفيض على اصحاب المصانع لتتم زيادة ارباحهم، والثانية للرسوم والضرائب التي تؤول لميزانية الدولة، اذ انه بطريقة اخرى كان يمكن ان تصرف عليه دون ان تقابلها إيرادات طباعة الورق التي تشكل ضرببة تضخمية غير مباشرة، وقال: يجب على الدولة عدم التفريط في الرسوم والضرائب لجهة انها تمثل الدخل الحقيقي الذي يمتص الكتلة النقدية الضخمة، ولفت الى ضرورة ايقاف المضاربات مع ايقاف استيراد السلع الكمالية.
سلاح ذو حدين
وفي الرابع والعشرين من يونيو الماضي وفي اجتماع لجنة الطوارئ الاقتصادية لمناقشة تقرير اللجنة الفرعية المختصة بالإيرادات العامة والمدفوعات الجمركية، عرضت فيه الوضع الذي كان سائداً خلال عهد الرئيس المعزول عمر البشير، والذي كان يقوم على منح الإعفاءات مما أفقد البلاد عائدات كبيرة من الضرائب والجمارك، حيث صادقت اللجنة في الاجتماع على إنشاء الجهاز القومي للإيرادات الذي سيضم السلطات التشريعية والتنفيذية الخاصة بالايرادات، وفي مقدمتها الضرائب والجمارك والجهات التي تنظم الايرادات من الشركات العاملة في البلاد.
ويقلل مصدر من الجمارك ــ فضل حجب اسمه ــ لـ (الإنتباهة) من حجم تأثير القرار إيجاباً على الاقتصاد، لجهة أن تلك المنظمات تخضع الى قانون يوصي بمنحها إعانات وتمويل بموجبه يتم شراء المواد التموينية من داخل البلاد، كما يتم تقنين وتحديد في إدخال الآليات التي تساعد على عمل المنظمة، وتتمثل في الاثاثات والسيارات التي لا يتجاوز عددها (٤) فقط، بجانب الحواسيب والكاميرات وباعداد محددة حتى لا يتم استخدامها لاغراض غير عمل المنظمة، وسبق ان نص قانون المنظمات على ضرورة وجود عضو بينهم يتبع لجهاز الامن وآخر للعون الانساني حتى يكونا رقيباً على العمل بشكل سليم، واضاف المصدر انه لا تخلو منظمة من وجود تجاوزات، ففي الفترة الاخيرة نجد ان كباراً من رجال الاعمال تحصلوا على اسم منظمة بغرض ادخال عربات فارهة لمصلحتهم الشخصية، بجانب وجود تجار استغلوا الاعفاء واستوردوا مدخلات انتاج لتسهيل عمل المنظمات، وتابع حديثه قائلاً ان قرار المالية بالغاء الإعفاءات يعتبر سلاحاً ذا حدين، والايجابي منهما هو منع الفوضى والاستغلالية التي اتبعها التجار ورجال الاعمال، اما السلبي فهو ما سيتجرعه المواطن من عناء كانت تعينه فيه تلك المنظمات باعتبارها ترعى المستشفيات عبر إدخال أجهزة طبية مجاناً يستفيد منها المواطن، وقال المصدر ان قرار المالية يعتبر جس نبض لقرار منع الاستيراد باستثناء الدواء لتشجيع الصناعة المحلية، وقال: يمكن ان يكون هذا هو القرار الصائب نسبة لأن ايرادات الجمارك من ادخال الأجهزة الالكترونية والصناعات الثانوية اكبر بكثير من قيمة إدخال عربات لمنظمات طوعية، لافتاً الى ان التجار يدخلون قرابة (٣٠) الف جوال محمول في اليوم، متسائلاً: اين تذهب خاصة أن السوق لا يحتمل هذه الكميات، متوقعاً ان تسلك طريق التهريب او الاحتكار.
وقال مدير إحدى منظمات المجتمع المدني ــ فضل حجب اسمه ــ لـ (الإنتباهة) ان عدد المنظمات المسجلة بلغ ستة آلاف منظمة، وتم إعفاء (700) منظمة، مشيراً إلى ان قرار الوزير قصد منه إيقاف إعفاء الضرائب والجمارك على السيارات، لافتاً إلى عدم تسلمهم حتى الآن القرار بشكل رسمي، وقال: إن الأثر يحدث في حال شمل الإلغاء معدات طبية واجهزة ومواد إغاثة، مبيناً ان عملية تسجيل المنظمة يتم بشرط ان الغرض منها العمل الطوعي وليس الربحي، مؤكداً أن القرار يؤثر في المنظمات المسجلة حديثاً، لجهة ان القديمة لديها بنيات تحتية من عربات واجهزة، جازماً بأن الإعفاء يتم وفق شروط محددة تتمثل في ان المنظمة قامت بتنفيذ مشروعات بالبلاد.
وقال الخبير الاقتصادي بقوى الحرية والتغيير محمد نور كركساوي، انه يؤيد قرار وزير المالية بإلغاء الاعفاءات لمنظمات المجتمع المدني، اذ انه في العهد البائد منظمات المجتمع المدني عملت على استغلال الامتيازات التي اعطيت لها في غير المكان المناسب، وقطع في حديثه لـ (الإنتباهة) بان المنظمات لم تستخدم الاعفاءات في اية مشروعات تنموية، الا ان استخدامها تم للمضاربات السوقية او الجمارك، وجزم بأن السلع التي تقوم بجلبها كثير من المنظمات لا تخدم الغرض الذي اقيمت من اجله اهداف المنظمة، ووصف القرار بالجيد، ودعا لوضع اشتراطات لهذه المميزات لجهة انها لا تعطى الا للمستثمرين في مجال البنى التحتية لتطوير الاقتصاد الكلي.

المصدر: صحيفة الانتباهة

اترك رد