اخبار السودان لحظة بلحظة

إنهيار الجنيه .. حكومة في مقاعد المتــفـــرجـــين؟!

الخرطوم : هنادي  –  هالة

ظلت حكومة الفترة الإنتقالية تؤكد على مدار عامين أن منظومة الإصلاح تحتوي على قضية سعر الصرف، وكل ما قامت به من الإصلاحات أو يسمى بالإجراءات الجراحية المتمثلة في رفع الدعم للمحروقات مع الاستمرار في دعم السلع الأخرى وعلى رأسها الكهرباء  على الرغم  من الزيادة الكبيرة الأخيرة في الأسعار،  ، مع الاستمرار بدعم الدقيق والأدوية والمدخلات الزراعية وغاز الطهي، بيد أن المواطن لم يتمتع بتوفر هذه الخدمات التي تكاد تكون معدومة في ظل إنهيار غير مسبوق للعملة الوطنية وغلاء طاحن بالأسواق،وبات الدولار  مخزناً  للقيمة الأكثر ضماناً من العملة الوطنية وبالتالي يزداد الطلب عليه باستمرار، وفي غضون أسبوع  قفز  الدولار بصورة كبيرة إلى مستويات قياسية، وأدى إلى ضعف  القوة الشرائية  وزيارة حادة في  الأسعار وإرتفاع معدلات التضخم إلى أن وصل سعر الدولار مقابل العملة الوطنية  (400) جنيه وحمل عدد من المختصين الدولة مسؤولية تصاعد الدولار وتجاهلها لحل الإشكالات الإقتصادية التي نتجت عن ذلك وتوقعوا أن يواصل في إرتفاعه خلال الأسبوع المقبل ليصل إلى (٥٠٠) جنيه والسؤال الذي يطرح نفسه من البائع ومن المشتري ولمن مصلحة من ؟ أسئلة كثيرة تدور في أذهان الكثير من المواطنين دون أية ردة فعل واضحة من قبل الحكومة التي أعلنت في بدايتها  أنها ستحارب تجار العملة وفقاً للقانون ولكن لا حياة لمن تنادي.

دعم تجار العملة
وفي ظل الأزمة الإقتصادية التي يعيشها السودان المتمثلة في إرتفاع الأسعار وإنخفاض قيمة الجنيه، جعل الحكومة بحسب مستشار حمدوك الإقتصادي تبذل مجهوداً أكبر في موازنة ٢٠٢١م على الاستقرار الإقتصادي من حيث تخفيض معدلات التضخم و معدلات إنخفاض قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، بيد أن ما يحدث خلافاً  لذلك، مما جعل المواطن العادي لا يشعر بأي جهد من قبل الحكومة بشأن السيطرة على تجار العملة واستقرار الدولار هذا ما ذهب إليه الخبير الإقتصادي د. عبدالعظيم المهل، متهماً الحكومة بعدم الجدية في محاربة تجار الدولار لوجود مراكز قوى تمنع محاربتهم، وأضاف لـ(الإنتباهة) أمس  إن الحكومة غير مهتمة بوضع أي حلول لاستقرار العملة، وتأسف على تجاهلها للآثار الإقتصادية والإجتماعية والأمنية  تجاه تجار الدولار، وأضاف أن الحكومة لا تبذل أي مجهود في سبيل استقرار الدولار وبالتالي يشعر المواطن أن الحكومة هي حكومة تجار رغم أنها يسارية ولكنها رأس مالية ولذلك لم تسع أن يكون الدولار داخل الجهاز المصرفي.
مافيا  الدولار
وذهب المهل إلى أن عمليات شراء وبيع الدولار يتم من قبل نافذين في الدولة ولديهم أذرع في الحكومة نفسها، مبيناً أن هنالك ملايين الدولارات خارج النظام المصرفي تديرها (مافيا) من التجار الجشعين، وأن السريحة جزء بسيط من هذه الظاهرة، مؤكداً أن التجار لديهم أذرع داخل الحكومة ومن الصعوبة بمكان التحكم في سعر الدولار، مقراً أنه لاتوجد أية سياسات جادة للسيطرة على السوق الموازي، وأنتقد بشدة تصريحات وزيرة المالية مؤخراً بشأن تعويم الجنية بأنها تؤثر سلباً على السوق وبالتالي تؤدي إلى إرتفاع الدولار وأضاف هنالك غياب تام للدولة.
مضاربات
والشاهد مؤخراً في ملف سعر الصرف أن بنك السودان المركزي خرج عقب خراب مالطة ووصول الدولار لأرقام مخيفة بأن استحدث نظاماً جديداً  يسعى عبره لإدارة سعر الصرف  بأن سمح للبنوك والمصارف والمؤسسات المالية الأسبوع المنصرم وفق سياساته النقدية للعام الجديد  بالتعامل مع تحويلات المغتربين بالسعر الحر لجهة  تقنين قنوات رسمية مثل البنوك والصرافات ليتم تحويل هذه الأموال بصورة رسمية، لجهة أن تحويلها عبر الوسائط يمثل وسيلة كبرى لغسيل الأموال مما يؤدي لضعف الإقتصاد السوداني .
بيد أن مصدراً رفيعاً بإتحاد الغرف التجارية فضل حجب اسمه أكد لـ(الإنتباهة) إن ما يحدث من تدهور لقيمة الجنيه ناتج عن  مضاربات من قبل التجار بشأن الدولار ووجه إنتقاداً حاداً للحكومة بأنها غير جادة في محاربة تجار العملة، وتوقع أن يوصل الدولار إرتفاعه ليصل خلال هذا الأسبوع إلى (٥٠٠) جنيه، مطالباً الحكومة بالتدخل العاجل لحسم تلك الفوضى في سوق العملات.
زيادة الإنتاج
وبالرغم من أن الحكومة ترى في الاستدانة من النظام المصرفي هو المسبب الرئيسي للتضخم والتدهور في سعر الصرف، إلا أن الخبير المصرفي لؤي عبدالمنعم  قال إن اسباب إرتفاع الدولار يرجع إلى زيادة الطلب عليه بالسوق الموازي من جهتين الجهة الرئيسية هي الحكومة، لجهة أنها تقوم باستيراد المواد الضرورية كالبنزين، والغاز، والقمح  وتحاول قدر الإمكان تأمينها بمستوى يكفي البلاد لفترة شهرين أو ثلاثة أشهر، وهذا يتطلب مبلغاً كبيراً يصل إلى مايقارب (٣٠٠) مليون دولار ، وأكد أن هذا المبلغ كفيل برفع سعر الدولار في السوق الموازي إلى مستويات عالية خاصة حال وجد شح في الدولار بالسوق الموازي وتدني سعر الجنيه أدى إلى ركود كبير في السوق، مع عدم وجود التصدير على المستوى المطلوب مع عدم وجود الدولار في  السوق لدى البنك المركزي، جازماً بأن الحل الوحيد لهذه القضية زيادة الإنتاج، ودعا  أصحاب المشاريع  الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات بما فيها البنوك  بإيجاد وسيلة للاستثمار لحفظ رؤوس الأموال من التآكل في ظل إنهيار العملة الوطنية، مشدداً على استقطاب مدخرات المغتربين عبر منحهم تسهيلات مصرفية بالدولار، وعبر التحويل بنفس القيمة، وتم تنفيذ جزء من هذه السياسة أن يقوم المغترب بتحويل أمواله واستلامها بسعر السوق الموازية، منوهاً إلى ضرورة  البدء في الخطوة الثانية بتقديم عروض للمغتربين ليقوموا بعملية التحويل، خاصة وأنه لايوجد ما يربط المغتربين بتحويلات منتظمة أكثر من العروض العقارية ، مؤكداً  إلى أنهم يستطيعون التسديد بالدولار، وأضاف حال عدم تنفيذ هذه الخطوات فلن يتم ضمان وجود تحاويل ثابتة من المغتربين، وقال لـ(الإنتباهة)  لايكفي إعطاء المغتربين فرصة في تحويل الأموال واستلامها بالجنيه بالسعر الموازي أو كاش بالدولار من البنك للتحويل الثابت بإنتظام ، وأضاف أنه لابد من أن يكون هنالك تحويل إجباري كما يحدث في بعض الدول منها مصر لجهة أن لديها جالية كبيرة بالخارج، مبيناً أن هذا لا يعني زيادة الضرائب وأنما تحويل الأموال عبر الجهاز المصرفي، وتابع يمكن أن يتم هذا التحويل لفترة ثلاثة أشهر مثلاً، وأضاف بأنه يجب أن تكون هنالك منتجات مصرفية لتعزيز السيولة المصرفية، لافتاً لوجود مايسمى الجنيه الذهبي الإدخاري وهو عملة مصكوكة بأوزان (١٠،١٥ ٢٥، ٢٠ جراماً) وقطع بأن تلك الأوزان تمكن جهات كثيرة في المجتمع للاستثمار في الجنيه الذهبي الذي ينحصر تداوله داخل المصارف فقط ويمكن تحويله من بنك لآخر، وقال لؤي أن هذا بديل لتحويل التجار لمدخراتهم للدولار لحفظ أموالهم، ونوه إلى ضرورة الإسراع في فك الجنيه الذهبي الإدخاري وإحتكار بيعه عبر بنك السودان بنوافذ بالفروع الرئيسية في البنوك لجهة أنها تخفض الطلب على الدولار خارج الحاجة لاستيراد، وتابع : الحاجة للاستيراد من المؤكد أن يتم بها التعامل مع السوق الموازي، بيد أن كل التجار يقومون بالاستيراد عن طريق مصادرهم، لجهة أن البنوك لا تستطيع توفير الدولار ، مما يضطرهم للشراء من السوق الموازي، وأكد تخوفه من الحكومة أكثر من التجار لجهة أن الحكومة لاتمتلك الدولار، موضحاً أنها بالسابق كانت تحصل على مساعدات أجنبية من بعض الدول الصديقة وتستطيع أن تشتري إحتياجاتها دون الضغط على السوق الموازية أما الآن السوق الموازي يتوازن بشكل طبيعي مع إحتياجات الاستيراد، ونوه إلى أن الضغط الشديد من الحكومة هو من يعمل على رفع الدولار بالسوق، وأضاف ليس المستورد فقط من يعمل على خلق الأزمة بل تكمن جل الأزمة في الحكومة التي تقوم بالاستيراد بكميات كبيرة وتضغط على السوق الموازي، وأبان أن هنالك حلولاً كثيرة تساعد على خفض الدولار بزيادة الإنتاج بيد أن السودان يتمتع بثروات مهولة تمكنه من حل كل هذه المشاكل إلا أن الحكومة غير قادرة على توظيفها بالشكل المطلوب، مؤكداً عدم وجود إرادة حقيقية، وجزم بعدم الاضطرار لزيادة الضرائب بقدر توسعة وعائه ومخاطبة الشرائح التي لا تقوم بدفع الضرائب لجهة وجود تهرب ضريبي كبير، وأضاف حل استهداف الشرائح التي تتهرب من الضرائب عبر نقابات وإتحادات مهنية وأن تضع  القيمة العادلة للضريبة بناءً على الأرباح السنوية التي تحققها في القطاعات بالتشاور مع أصحاب المصلحة يمكن أن يخفض نسبة التهرب الضريبي بصورة قوية بالإضافة إلى مايسمى التخفيضات الضريبية وأن يتم الإتفاق على  أن كل من يدفع الضريبة مقدماً أو جدولة الضرائب المتأخرة وإعفاء جزء كبير منها يؤدي إلى التخلص من الضرائب التي يصعب الحصول عليها وبالتالي حل كثير من المعوقات.
وأكد الخبير الإقتصادي بقوى الحرية والتغيير محمد نور كركساوي أن القطاع الإقتصادي للدولة أعلن أن الإقتصاد أصبح حراً، ما يعني عدم تدخل الدولة في اسعار السلع والخدمات وتترك الأمر للقطاع الخاص للعرض والطلب في تحديد السعر ، ونبه إلى شح كميات الدولار في السوق وزيادة الطلب عليه، وأبان كركساوي في حديثه لـ(الإنتباهة) بأنه كل ما أرتفعت العملات الحرة وعلى رأسها الدولار فيؤدي لإضعاف العملة السودانية ، وتابع : لأن الدولار حر ويوجد عليه طلب بغرض الاستيراد مع وجوده خارج النظام المصرفي وخارج وزارة المالية وتوفرة في أيدي خارج النظام المصرفي ، وتوقع بذلك أن يرتفع إلى سقوفات  عالية أكثر، ويؤدي لزيادة التضخم ، بالإضافة إلى أن الدولة لا تمتلك إحتياطات نقدية لتحديد سعر الصرف .
مشدداً على ضرورة تغيير الدولة لسياستها وأن تتدخل في الإقتصاد وأن لاترفع يدها عنه، بيد أن السودان لايتحمل مايسمى  بالإقتصاد الحر، موضحاً أن الدولة تحتاج إلى إصلاحات هيكلية حتى يتم الدخول في سياسة التحرير وهي أن يبني البنك المركزي إحتياطات من الذهب والعملات الحرة، موضحاً أن هذا الأمر يحتاج إلى العديد من الآليات والأدوات للسيطرة على سعر الصرف.

المصدر: صحيفة الانتباهة

اترك رد