رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بمركز الراصد لـ(الانتباهة): شراء الحكومة الدولار لتعويضات السفارتين تسبب في انهيار الجنيه
حوار: مروة كمال
في اجتماع استمر أربع ساعات برئاسة رئيس مجلس الوزراء مع عدد من الوزراء وجهاز المخابرات العامة وقوات الشرطة ووالي الخرطوم ومحفظة السلع الاستراتيجية أمس، تم الوقوف على أزمة إمداد الوقود الطاحنة والأسعار والصفوف المتطاولة وأزمة الكهرباء والغاز، والنقاش مع جهات الاختصاص حول هذه الأزمات والاتفاق على حلول مباشرة وتقسيم الواجبات لحل أزمات لم تراوح مكانها رغم كل الجهود المبذولة، ورغم أن كل التقارير تؤكد عدم وجود مشكلة وفرة، بحسب رئاسة مجلس الوزراء الذي قرر وأوضح أنه تقرر فرض العقوبات فوراً على شركات التوزيع التي لا تقوم بالتزاماتها كما يجب، كما سيتم تفعيل لجنة السلع الاستراتيجية حتى نهاية الأزمة، وبالنسبة لقطاع الكهرباء تم الاتفاق على حزمة إجراءات تتعلق بتوفير الوقود المدعوم بواسطة محفظة السلع الاستراتيجية ووزارة المالية، وكذلك قطع الغيار المطلوبة. (الإنتباهة) طرحت هذه الحلول على طاولة رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بمركز الراصد الفاتح عثمان، وعن إمكانية القضاء على الأزمات من خلال هذا الحوار :
] بدايةً ما رأيك في حلول اجتماع وزراء القطاع الاقتصادي؟
ــ القرارات التي تمضي باتجاه معالجة أو تخفيف الأزمة مطلوبة، الا أنها لا تحل الأزمة، لجهة أن إشكالية الأزمة أعمق من ذلك بكثير، فمثلاً الكهرباء أزمتها الحقيقية تتمثل في مقدرة الدولة على شراء الوقود وقطع الغيار للصيانة التي كان من المفترض أن تتم في مواعيدها، بجانب مقدرتها على شراء الكهرباء نفسها سواء من إثيوبيا أو مصر أو الشركة التركية، فجميع هذه المسائل مشكوك فيها، فالمسألة تتعلق في الأساس بقدرات الحكومة على تمويل صيانة الكهرباء وشراء الوقود وتوفيره.
] ما هي الأسباب الحقيقية وراء الأزمات؟
ــ حقيقةً حكاية (وجهنا وقمنا) لا تكفي لحل أزمة من الواضح تتمثل في ضعف الجهاز التنفيذي ومقدرته على التعامل مع انهيار الجنيه ضعيفة جداً، فالتضخم الذي حدث في العام الماضي وكان غير مسبوق في تاريخ السودان وشاذاً، سببه الأساسي ضعف الجهاز التنفيذي الذي يفتقر للمقدرات الإبداعية للتدخل بطرق فنية وغيرها للتحكم في سعر الصرف السوداني، وارتكبت الحكومة خطأ كبيراً بشراء الدولار لتعويضات السفارتين، وكان يمكن ذلك مع الأصدقاء أو الاقتراض من البنوك الإقليمية بدلاً من الشراء المباشر لكميات كبيرة من الدولار من السوق الموازي، الامر الذي تسببت في انهيار الجنيه السوداني على فترتين من (75) جنيهاً إلى (١٥٠) جنيهاً، ثم من (270) وحالياً (320) جنيهاً، فالأزمة في الجهاز التنفيذي نفسه، فالحكومة غير مبدعة وتفتقر إلى القدرة اللازمة على التحكم في سعر الصرف أو الاستيراد، فالحكومة تستسهل الإجراءات، فبدلاً من الحصول على أموال حقيقية تلجأ إلى أسهل الأبواب وهو طباعة النقد، أي سد العجز عن طريق (رب رب رب)، مما أدى لزيادة سعر الصرف والتضخم وإفلاس وإفقار الشعب السوداني. فالجهاز التنفيذي لم يستطع طيلة وجوده ان يساعد على زيادة الإنتاج، فموسم القمح بدأ متأخراً بسبب نقص المياه، حيث تحرك في منتصفه، وأيضاً شركات البترول تحتاج إلى تمويل ولا يتم ذلك، وأيضاً الحال في قطاع الكهرباء، وأيضاً لا يوجد اهتمام بالقطاع الإنتاجي، ولا توجد منح أو أموال من الخارج بسبب تردد الحكومة في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية، فكلما تأخرت في التطبيق زادت الأزمة عمقاً.
] هل تأخير إعلان تشكيل الحكومة جزء من الأزمة؟
ــ نعم… جزء من أزمة الجهاز التنفيذي أن معظم وزرائه مكلفين لفترة (6) أشهر، فالمكلف ليس مثل الوزير الأصلي، فعادةً من يعلم أنه مفارق منصبه يكون جباناً في العادة، فأجهزة الوزارة لا تتعامل معه بالاحترام المطلوب باعتبار أنه مكلف ومغادر، وهذا عيب كبير بالاستمرار لفترة (5) أشهر بدون حكومة أو وزراء رسميين، فيجب تعيين الجهاز التنفيذي عاجلاً ولا تنفع مثل هذه المعالجات التي ذكرها رئيس مجلس الوزراء، ولكن ربما تساعد في تخفيف الأزمة مؤقتاً إلى أن تنفجر مرة أخرى.
] ماذا عن أزمة الوقود؟
ــ الحكومة أعلنت سياسة الوقود الحر، لكنها غير مرنة ولا تتعامل بالحكمة والشفافية المطلوبة التي تتناسب مع سياسة التحرير، فدول العالم التي يتحرك فيها سعر الصرف هنالك محطات وقود تتغير فيها الأسعار صباحاً ومساءً وربما ثلاثة أسعار في اليوم تحركاً مع السعر العالمي زيادةً وهبوطاً، فالحكومة تفتقر حالياً للشفافية والقدرة على اتخاذ القرار بشكل جيد ومتابعته، فالدولار في حالة ارتفاع ولم تعمل على وضع معالجات له، وكان بإمكانها ان تعمل معالجات بضخ دولار في السوق والتدخل فيه عبر إيقاف الاستيراد لمعظم السلع لتقليل الطلب، ولا تكتفي بالمعالجات الأمنية فقط، وهذه مسائل يستطيع جهاز الأمن أن يفعلها ولديه المقدرة على الدخول في السوق الموازي، فضلاً عن امتلاكه الخبرة، فسابقاً كان يتدخل عبر هذه الطريقة ويعمل على تثبيت الأسعار في حدود معقولة، فطالما سمحت الحكومة بانفلات أسعار الدولار وانهيار الجنيه السوداني يبقى استيراد الوقود بذات الأسعار القديمة صعب للغاية، فالأسعار التي أعلنها وزير الطاقة لا تتناسب مع سعر الدولار في الأسواق، وهذا هو سبب أزمة الوقود، متمثلاً في تحرير الوقود وعدم امتلاك الشجاعة الكافية لمواكبة انهيار الجنيه السوداني، وفي المقابل لم تقم الحكومة بالمعالجات المطلوبة حفاظاً على سعر الجنيه، وهذا لب الأزمة.
] ما هي المعالجات المطلوبة في رأيك؟
ــ أساس المشكلة التي لم يعالجها حمدوك هي انهيار سعر الصرف، فالمطلوب من رئيس مجلس الوزراء أن يوجه وزير المالية ومحافظ بنك السودان والأجهزة الأمنية للتنسيق مع القوى لمعالجة انهيار سعر الصرف، لجهة أن أزمة الوقود والكهرباء مرتبطة به، فالمعالجات التي ذكرها حمدوك تعالج ظواهر الأزمة ولكن لا تنفذ إلى لب الأزمة، وبالتالي تظل الازمة موجودة وقد تنفجر مرة أخرى بشكل أشد قساوةً مما يحدث حالياً، بسبب عدم توفر ما يكفي من النقد الأجنبي، وذلك يتطلب للأسف الشديد تعويم الجنيه، فالمانحون اشترطوا ذلك أو على الأقل ما يسمى توحيد سعر الصرف، ولجهة أن الحكومة ضعيفة وغير قادرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب، لذلك يجب عليها توحيد سعر الصرف، وقبل ذلك عليها أن تسعى للحصول على أموال من دول صديقة مثل الإمارات أو السعودية ولو على سبيل الاستدانة، لضخ أموال في المصارف والسوق الموازي قبل التوحيد، لجهة أن السعر الحالي يؤدي إلى إفقار الشعب السوداني وبالتالي الخروج للشارع، فالمواطن حالياً لا يستطيع شراء احتياجاته الأساسية بسبب الارتفاع غير العادي الذي نتج بشكل أساسي من انهيار سعر الصرف، فالحكومة إذا لم تستطع تنفيذ جميع برامجها الأخرى ليس لها معنى، فتوفير السلع وإطلاق برنامج (سلعتي) جميعها مؤقتة، فالحكومة إذا قامت بشراء السلع بسعر المصنع حالياً غداً المصانع لن تستطيع البيع لها بذات السعر مع انهيار قيمة الجنيه .
] لماذا التحرك الحكومي الآن تجاه الصفوف التي امتدت لأكثر من شهر؟
ــ هي محاولة لتهدئة الوضع، وفي النهاية ينظر حمدوك لأزمة استفحلت ويريد أن يقدم معالجات، ولكن للأسف الشديد المعالجات المقترحة لا تعالج أساس الأزمة، فكل شخص موجود في القطاع الاقتصادي يعرف سلفاً أن الأزمة الحالية نتجت أساساً عن انهيار سعر الصرف، فالشركات تستطيع استيراد الوقود لكن في ظل الانهيار الكبير للجنيه لا تستطيع أن تبيع بالأسعار القديمة، والأسعار التي أعلنتها وزارة الطاقة غير معقولة، هذا بجانب أن حديث والي ولاية الخرطوم عن بيع الخبز بالكيلو بواقع (50) جنيهاً لا يتفق مع ما جرى عقب انهيار سعر الصرف، وعدم قبول أصحاب المخابز العمل بهذا السعر لارتفاع أسعار جميع مستلزمات صناعة الخبز بشكل رهيب بسبب انهيار العملة المحلية، وإذا لم تراع الحكومة هذا الجانب لن تستطيع حل مشكلة الصفوف، فأزمة الخبز سوف تستفحل مع انهيار سعر الصرف وثبات سعر الخبز، وأيضاً الوقود سوف ينعدم لجهة أن الشركات لن تقوم باستيراده وبيعه بالخسارة، والكهرباء حالياً خاسرة، والحكومة لا تستطيع أن تشتري كهرباءً أو وقوداً، فانهيار سعر الصرف يزيد من تكلفة الكهرباء .
المصدر: صحيفة الانتباهة