اخبار السودان لحظة بلحظة

حلفا الجديدة تتعشم في تشييع “الفتنة القبلية”

حلفا الجديدة : سيف آدم هارون

شيّعت مدينة حلفا الجديدة بولاية كسلا، “الاثنين”، بذرة الفتنة القبلية إلى مثواها الأخير، في أعقاب توقيع اتفاق “القلد” بين البني عامر والنوبة، وسط حضور عدد من القيادات الرسمية والأهلية والسياسية والمجتمعية في إطار سعيهم الرامي لتعضيد الاستقرار في ربوع الولاية.

وشكلّ الحضور لوحة زاهية في احتفائية توقيع وثيقة الصلح؛ الذي احتضنه قاعة كلية الزراعة بمدينة حلفا الجديدة، بغرس بذرة السلام والمحبة بين مكونات الولاية تحت إشراف والي كسلا بالإنابة أرباب محمد الفضل، وتشريف البروفيسور صديق تاور عضو مجلس السيادة، وقيادات قوى الحرية والتغيير، ولجنة أهل كسلا للتعايش السلمي، ولجنة الصلح بحلفا الجديدة.

واحتفت شوارع حلفا الجديدة وكسلا بالاتفاق، بعد تدافع مكونات الولاية منذ وقت وقت مبكر نحو منصة التوقيع وانتظارهم الطويل لإنهاء الأزمة الدخلية على أهل المدينة المسالمة.

ورسمت تباشير الصلح ملمحاً استباقياً، من خلال حديث رجل الأعمال كمال الزعيم؛ الذي أكد أن أهل حلفا قادرون على لملمة جراحاتهم العابرة والعيش بسلام.

حضور طاغي:

وكانت حلفا الجديدة، استقبلت وفداً رفيع المستوى من المركز، بقيادة البروفيسور صديق تاور، ومستشار رئيس مجلس الوزراء البروفيسور جمعة كندة، ووزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح، والمدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول، والناطق الرسمي باسم الحرية والتغيير وجدي صالح.

وشاركت قيادات قوى إعلان الحرية بكامل هياكلها بالولاية ومحلية حلفا الجديدة، علاوة قيادات الإدارة الأهلية والسياسية، على رأسهم رئيس حزب الأمة القومي بالولاية حمدان عبد المكرم، ووكيل أمير قبيلة التاما وليد حسن هارون، وقيادات عسكرية؛ بينهم قائد الفرقة (11) اللواء هاشم، ومدير شرطة الولاية اللواء شرطة خالد، وقائد حامية حلفا العسكرية وقائد الدعم السريع بالمنطقة.

الدولة المدنية:

قال البروفيسور صديق تاور، إن الثورة التي قادها الشعب السوداني جاءت لتغيير المفاهيم وسيادة دولة القانون، وأبدى أسفه للأحداث الدامية التي شهدتها ولاية كسلا في الفترة الماضية، وحمّل النظام السابق تفشي النعرات العنصرية والتي راح ضحيتها ٩٨٪ من الشباب تحت ذرائع دينية وعرقية.

وعظّم تاور، دور الادارة الاهلية ولاجهزة النظامية التي تمكنت من إخماد الفتنة في مهدها، وأعرب عن أمله في أن تكون آخر “وثيقة قلد” في ظل دولة المواطنة، وأعلن عن تبرع وجدي صالح وعصام أبو حسبو بصيانة وتاهيل مركز الكلى، فيما تكفل مبارك أردول المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية بدفع تكاليف صيانة مستشفى حلفا الجديدة التعليمي.

الجهل والعصبية:

في الأثناء، امتدح والي كسلا بالإنابة، أمين عام الحكومة، أرباب محمد الفضل، اهتمام المركز بما يدور بولاية كسلا، وقال إن مايحدث من صدامات هو نتاج للجهل والعصبية التي تدفعها جهات لا تريد استقرار الولاية، مشيداً بدور القوات النظامية التي وضعت حداً للتفلتات، بجانب جهود الوساطة الوطنية التي تكللت بتوقيع الاتفاق المشهود، ودعا المجتمعات للعمل والبناء وعدم تشتيت موارد الدولة في النزاعات، ناقلاً لمواطني حلفا الجديدة تحايا والي كسلا للجهات التي أوصلت الفرقاء لتوقيع “القلد”.

وكان والي كسلا بالإنابة ظل متابعاً لتطورات الأحداث لمدة (12) يوماً، مواصلاً الليل بالنهار، وما ترك باباً إلا طرقه للحيلولة دون اتساع رقعة الصراع وحصره في أضيق حيز.

واستهجن أرباب، انصياع أطراف النزاع لمثيري الفتن، وصوب انتقادات لاذعة للأيادي التي تعمل على إشعال الفتن، مستشهداً بطيبة أهل الولاية التي تغنى بها الشعراء والفنانون، بجانب جاذبية المنطقة السياحية التي تمثل أهم الموارد.

وبعث نائب الوالي بتطمينات بديمومة الأمن والسلام في أرجاء ولاية كسلا، لجهة تماسك الإدارات الأهلية التي قادت زمام المبادرة للوصول إلى التوافق المرضي ليتفرغ الجميع إلى كل ما من شأنه خدمة الولاية.

وامتدح أرباب، تكامل الأدوار في التعاطي مع كل الملفات، منوهاً إلى أن دور القبائل أكبر من الصراعات، وتوعد مرتكبي الجرائم بالمحاسبة بعيداً عن الاحتماء بالقبيلة لضمان تماسك النسيج الاجتماعي والتعايش السلمي في ظل دولة القانون التي ينشدها الجميع.

دولة مصغرة:

وقال ناظر الشكرية العميد (م) أحمد محمد حمد أبو سن، إن حلفا الجديدة ونهر عطبرة هي دولة مصغرة يتعايش أهلها بكل سحناتهم ومكوناتهم، ومحافظتهم على السلام والاستقرار.

وقدم ناظر الشكرية سرداً تاريخياً للادوار الكبيرة التي ظلت تقدمها الإدارات الأهلية، وأضاف :”فوجئنا في نظارة الشكرية عندما حدث الصدام في البحر الأحمر وحلفا الجديدة، لأننا كنا نضرب بهم المثل في التعايش والاستقرار، لكن دخلت أيادي آثمة حاولت تمرير أجندتها”.

وطالب أبوسن، بتفعيل القانون تجاه رسائل الميديا في مواقع التواصل الاجتماعي، وقال إن الإدارة الأهلية لها دور كبير في الحياة العامة وترتيب البيت من الداخل، لكنها مغيبة الان تماماً، لافتاً إلى أن الإدارة الأهلية لها القدح المعلى في إطفاء نار الفتن مستندة على التقاليد الموروثة.

ودعا إلى ادخال هيكل الكيانات إلى نظارة الشكرية للتعايش السلمي، وضرب مثلاً بالقبائل الموجودة في مشروع الرهد، منوهاً إلى أن كل هذه القبائل لديها قيادات تابعة لنظارة الشكرية.

محلية سلام:

وقال عمدة البني عامر :”إن محلية حلفا الجديدة كانت تعيش بسلام، خاصة بيننا والنوبة، وعندما اندلعت الأحداث سارعت كل الجهات لاحتواء الأزمة”، منوهاً إلى أن المشكلة بدأت بين شابين يقطنون في حي واحد، وأضاف :”كنا حريصون على حماية ممتلكاتهم وسعداء بتدخل لجنة الصلح.. وتقديراً لجهود المسؤولين اتفقنا على الهدنة لمدة 60 يوماً”.

شعب متسامح:

وابتدر عمدة النوبة عبد الله أزرق كوكو، حديثه بتخليد ذكرى شهداء الثورة، وقال :”إن قبيلة النوبة بما فيهم الحلفاوين والمحس والدناقلة هم شعب متسامح”، وأضاف :”نسمع في هذه الأيام أن النوبة اختلفوا مع قبيلة كذا في عطبرة وكسلا، وهذه ليست مشكلة النوبة مع القبائل، لكنها هي مشكلة السودان، ونحن أدوات التغيير الآن، ولا نريد أن نوصف بأننا دولة فاشلة لانتشار العنصرية”.

وأكد كوكو، أن السودان الذي تم اختطافه بواسطة دول أخرى قادر على محو كل آثار الظلم، وأضاف :”نحن أبناء النوبة حرصون على استرداد مكانة السودان بين الدول، وعندما قالوا إن السودان دولة عربية ظهر التعالي العرقي”.

وزاد :”وقعنا مع أبناء البني عامر اتفاقاً لكي نبني سلاماً ليعيشه أبناؤنا، وكل ما يُقال في الوسائط كذب وافتراء، ونؤكد للبروف صديق تاور بأن الخلافات لن تتجدد مع البني عامر أو أي من المكونات”.

خدمة مصالح:

ورأى الناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير، وجدي صالح، إن يتم من صراعات قبلية هو خصم على تنمية إنسان الولاية من صرف على الأمن وغيره.

وأكد صالح، قيام دولة المواطنة لنبذ العنصرية والتعالي العرقي، ودعا إلى تكاتف المجتمعات، وقال إن حلفا الجديدة لم تشهد مثل هذه الأحداث على المدى البعيد، ورأى أن مايحصل في حلفا شئ غير مقبول.

وطالب وجدي، باستغلال الطاقات إلى التنمية والتعمير بدلاً عن المشاكل والفتن، داعياً إلى تلاحم الشعب، ممتدحاً في ذات الوقت دور الإدارة الأهلية ودورها في السلم الاجتماعي والتناغم والتصاهر وغيرها من الروابط الاجتماعية.

وقال صالح، إن الصراعات تخدم مصالح أعداء البلاد بإشغال المواطنين عن الإنتاج، مؤكداً أن حلفا الجديدة تسع الجميع، داعياً لعدم اتاحة الفرص للأعداء، وأضاف بنبرة حزينة :”تألمنا لما يحدث في حلفا”، مبشراً الجميع بأن أمر الخلافات قد انتهى.

نتاج طبيعي:

ولم يجد القيادي بقوى الحرية والتغيير، عاصم أبو الحسن، في حلفا وتاريخها التليد غير أن يتغزل في ما تتميز به المدينة من تماسك مجتمعي فريد، وقال إن الأزمة نتاج طبيعي لافرزات النظام السابق، حيث بدأت من مستصغر الشرر”، ودعا إلى ايجاد حلول نابعة من وجدان المجتمع.

وطالب أبو الحسن، قيادات المجتمعات بأن تسود الإرادة القوية للمضي قدماً في ظل المتغيرات العالمية وتفاعل مكوناتها مع بعضهم البعض، وضرب مثلا بأوربا التي انصهرت في فترة وجيزة وأضحت عنواناً للتعايش.

الرسائل السالبة:

وأشاد وزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح، بجهود الإدارة الأهلية لدورها الكبير في السلم الاجتماعي ومشاركاتها المحلية في حفظ تماسك النسيج الاجتماعي.

وقال : إن الصراع يديره شباب ومن يقودون الصراع الميداني تتراوح أعمارهم بين (18 – 30 سنة)، لافتاً إلى أن البلاد فقدت خلال الثلاثة عقود الماضية 98% من الشباب في النزاعات والحروب الدينية المسيسة، وأضاف :”الثورة قامت لتأسيس دولة المستقبل الديمقراطية المدنية”.

وطالب مفرح، الدولة بردع صناع الفتن والتعامل معهم ومعاقبتهم، ومن ثم التحاور لدمجهم في المجتمع، وأشار إلى ما تتناوله منصات التواصل الاجتماعي من نقل سالب لأناس من خارج البلاد.

ودعا الشباب إلى عدم نشر الرسائل السالبة والرد عليها بالنقل الميداني، لافتاً إلى تعظيم عقوبة قتل النفس، معضداً حديثه بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.

وتأسف الوزير، على ضياع ثلاثة أجيال بسبب النظام السابق الذي تفنن في قتل الإنسان السوداني تحت ذرائع مختلفة بتحويل الحروبات المطلبية بين الشعب لحروبات دينية، وأعرب عن أمله في حسم المشاكل القبلية وتوظيف الشباب لكي لايكونوا خميرة عكننة.

ركيزة السلام:

وقالت الكنداكة جليلة خميس، في مستهل حديثها :”إن حلفا الجديدة مدينتي وعشنا فيها طفولة آمنة، وكنا لانعرف القبلية، وعندما سمعت بالأحداث الأخيرة حزنت جداً، وعلمت أن الناس متخوفة من بعض.

وتأسفت جليلة، لحضور المرأة الضعيف، ودعت إلى استصحاب المرأة ومشاركتها في القضايا المصيرية، ونوهت إلى أن السلام هو صمام الأمان، وأشارت إلى مآسي الحروب، ودعت إلى إزالة جذورها، وطالبت مواطني حلفا بإنهاء الأزمة فيما بينهم.

وأعربت عن أسفها لتعبئة الشباب والدفع بهم في الصراعات المميتة، وقالت :”إن السودان وصف بالتماذج والتعايش السلمي المميز بين شعوب العالم”، ودعت الشعب لضرورة الالتفات وقطع الأيادي العابثة التي تحاول هدم التماسك المجتمعي القوي، وتوعية الشباب بثقافات السلام والتعايش السلمي بإزالة ما في دواخلهم، لأن السلام من المقدسات، ويجب تنفيذه للتعايش” – حسب تعبيرها.

التعامل بحسم:

وأكد ناظر عموم قبائل البني عامر، علي إبراهيم دقلل، أن أهل الشرق هم “أهل قلد”، وقال :”إن ماوقع يعد القلد الثاني عشر على مستوى الولاية”، معرباً عن أمله في أن يكون آخر قلد مع النوبة، وتساءل :”لماذا يحصل ذلك”، وبرر اندلاع الفتن لأغراض يقوم بها البعض بالإنابة عنهم.

وعدّد مزايا التعايش السلمي الكبير بين النوبة والبني عامر، وأضاف :”بقينا نخجل من تكرار المشاكل بين النوبة والبني عامر والحباب، وطالبنا من الأجهزة النظامية التعامل بحسم”.

آخر قلد:

وعبّر رئيس تنسيق مجلس شؤون عموم قبائل النوبة بكسلا، هندي عبيد أبو، عن شكره وتقديره للوسطاء على رأسهم ناظر الشكرية، وكل مجتمع كسلا ولجانها التي تشكلت للتعاطي مع مثل هذه الازمات، وأثنى على مشاركة وفد من القضارف بقيادة مك عموم قبائل النوبة، معرباً عن أمله في “أن يكون آخر حديث عن القلد”، وأضاف :”القضية لا تتعلق بالبني عامر والنوبة، وإنما المسألة أكبر من ذلك”، مشيداً بجهود المركز، وقال :”إن ما تم من هدنة في الورق، لكن المهم انزال ذلك على أرض الواقع”، ودعا الشباب بصورة خاصة لتنفيذ الاتفاق.
صحيفة مصادر

اترك رد