اخبار السودان لحظة بلحظة

الاصلاح في السودان .. منهج فكري .. التخطيط والتخطيط الاستراتيجي

الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل

أ.د.البشير التجاني الشايب
Ealshaib9@gmail.com

التخطيط هو الاعداد لمل يجب عمله مستقبلا و يعرف بانه اتخاذ قرار حول ماذا نفعل؟ وكيف نعمل؟ ومتي نعمل ؟  فهو اذن جسر بين الحاضر و المستقبل او بين نقطة و اخري لذا فهو تدبير لمواجهة المستقبل بخطط منظمة سلفا لتحقيق اهداف محددة

ولما كان التخطيط هو عملية اتخاذ قرار لذا فهو ينبني علي أمرين هما المعلومات عالية الدقة والتحديث التي بلغت في المنظمات الحديثة درجة مذهلة من النظم و التكنولوجيا فصارت ذات دقة و جودة عالية من حيث طرق الجمع و التخزين و المعالجة و الاسترجاع حتي اضحت صناعة القرار و اتخاذه بدرجة ما يعرف بصفرية خطأ القرار لما يترتب عليها من فعالية تحقيق الاهداف و خفض التكلفة لهذا تحتاج مؤسساتنا و بدرجة كبيرة الي بناء نظم و تكنولوجيا المعلومات كما تحتاج البلاد الي انشاء مراكز مختصة في هذا المجال .

و الامر الاخر هو القيادة الادارية الابداعية التي تنشئ ادارة المعرفة و تأهل عمال ذوي المعرفة للعمل في منظمات متعلمة و هو امر نحتاج فيه ايضا الي كثير من التحديث و التطوير في ظل ضعف اختيار و تدريب و صناعة القيادة في مؤسساتنا اما التخطيط الاستراتيجي فهو التخطيط الذي ينقل المنظمة من الواقع الحاضر الى الوضع المأمول عن طريق ردم الفجوة الاستراتيجية حيث ترسم القيادة الابداعية الوضع المأمول ببناء الصورة الذهنية للمنظمة من خلال صياغة الاحلام التي تود تحقيقها في المستقبل التي تسمى الرؤية vision  و مسار تحقيق هذه الاحلام أو ما يعرف بالرسالة mission و تحدد الاهداف الاستراتيجية التي تمكن من تحقيق ذلك وفقا للقيم الجوهرية التي تتسيد الاداء كما تتبني استراتيجية محددة بعد تحليل بيئتي المنظمة الداخلية لمعرفة نقاط القوة و الضعف و الخارجية لمعرفة الفرص المتاحة و التهديدات المحتملة و هو ما يعرف بتحليل SOWT  الذي علي ضوئه  يتم اختيار الاستراتيجية المناسبة لاداء المنظمة و في حالة اعداد استراتيجية الدولة الافضل ان تحلل الجوانب السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و التكنولوجية و النظم الفرعية لها فيما يعرف بتحليل PEST

و جوهر الفكر الاستراتيجي هو القدرة علي انتاج المستقبل المختار و ليس الذي يفرضه الغير و اتجاهات تشكيله و القدرة علي رؤية الاخطار القادمة و درئها في الوقت المناسب وذلك لتحقيق التنمية المستدامة و الحياة السعيدة.

فكريا  وبحسب منهج التوحيد فان المستقبل الذي يراد التخطيط له  يشمل مرحلتي الحياة الدنيا و الاخرة الذان يرتبطان ارتباطا وثيقا بحيث تقود الاولى الي الثانية حسب قوله تعالي : ( قل ان صلاتي و نسكي وحياي و مماتي لله رب العالمين ) صدق الله العظيم .

فاذا كانت غاية الفكر الاستراتيجي هي انتاج المستقبل بالرؤية المختارة و معرفة الاخطار و درء اثارها السالبة و تحقيق الحياة السعيدة افن ذلك ليس الهدف الوحيد حسب هذا المنهج انما يسعي ايضا لتكون الحياة الطيبة مقصدا نهائيا يتوخاه للحياه في مرحلتيها بالايمان و العمل الصالح لتتحقق استدامة التنمية و سعادة الحياة بناء على قول الله عز و جل ( من عمل صالحا من ذكر او أنثي وهو مؤمن فلنحييه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون  ) صدق الله العظيم

ووفقا للنظرة الكليه  للمنهج الكون و الحياة و الانسان يعتبر الحياة الاخرة اكثر وضوحا و استقرارا من حيث استيقان الغاية و استبانة السبيل فالصورة الذهنية التي يمكن تكوينها عنها واضحة جدا مما يجعل صيانة الرؤية و الرسالة وتحقيقهما اكثر وضوحا مما يسهل عملية التخطيط الاستراتيجي لها و بفضل الاقتداء بهذا المنهج يكون الانسان قائدا ناجحا للحياة الدنيا يمتلك قدرة السيطرة عليها و الاحسان فيها بما يصحبه من معية الله و توفيقه له حسب قول الله عز وجل :  ( ان الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون ) صدق الله العظيم و بهذا تتحقق غاية وجود الانسان و يقوم بدوره الاستخلافي  في عمارة الارض و التخطيط القاصد لتحقيق سعادة الدارين.

و التخطيط الاستراتيجي حسب منهج التوحيد امر مرحلي في جميع حالات المجتمع حيث لا ينفك المؤمن ساعيا نحو الاصلاح و تحقيق التنمية المستدامة و الحياة السعيدة ما دام موجودا في الحياة الدنيا

لم يشهد السودان التخطيط الاستراتيجي بالمفهوم الشامل قبل ثورة الإنقاذ الوطني كما جاء في كتاب الاستراتيجية القومية الشاملة (1992-2002) ما يلي :

لقد شهد السودان كغيره من دول العالم الثالث منذ الاستقلال ببرامج و خطط متنوعة للاسراع بمعدلات التنمية و لكنها حذت حذو نماذج غربية او شرقية غاب عنها التأصيل و التجديد و الارتباط بالجذور فجاء معظمها فوقية النظرة أكاديمية تابعة منفصلة عن الذات فحققت في احسن احوالها نجاحا اقتصاديا محدودا علي حساب استقلال الارادة الوطنية و التقدم السياسي و الاجتماعي و الاستقرار الامني .
كما انها كرست اغلب الجهد لاحداث التنمية بمؤثرات خارجية و تمويل اجنبي فانتهي بها الامر الى رهن ارادة الامة للدائنين و املاءاتهم و تغيير انماط المعيشة و الاستهلاك و اعتمدت البلاد في غذائها و كسائها على العون الاجنبي المرتبط بسياسات و شروط الدولة المانحة لذا جاءت هذه الاستراتيجية مختلفة عن الخطط التي سبقتها من حيث انها :

خطة اصلية كبرى لتفجير طاقات المجتمع المبدعة كلها

حركة المجتمع الواسع للتخطيط لنفسه

استراتيجية تهتم لاول مرة لامر الانسان نفسه بكل ابعاده كمحور اساسي تدور حوله الخطط و البرامج

حددت اهداف كمية و نوعية واضحة انبني عليها التخطيط

تمتاز عن غيرها باتساق برامجها و خططها في القطاعات المختلفة

اعتمدت الاستراتيجة على الكم الكبير من المعلومات الذي توفر من خلال المؤتمرات الجامعة التي عقدتها ثورة الانقاذ في ايامها الاولى في جميع المجالات و التي شارك فيها قطاع واسع من الخبراء و المختصين و الكيانات المختلفة  مؤيدة للحكومة و معارضة الامر الذي وفر قدرا كبيرا من الرؤى و الافكار التي تم الاعتماد عليها في مرحلة تخطيط الاستراتيجية لذا وضعت على درجة كبيرة من شمول الرؤيا و المشاركة وهو امر مطلوب في هذه الحالة .

اما مرحلة التنفيذ فقد لازمها كثير من الاخفاق وذلك لعدم وجود جهاز رقابي للمتابعة اثناء تنفيذ الخطط المرحلية و البرامج لمعرفة الانحرافات و تصحيحها حيث ترك الامر للوزارات التي لم تؤهل بالعمال ذوي المعرفة لمواكبة التنفيذ الاستراتيجي الجديد فجاء ادائها متواضعا كما كان من قبل و اعتمد تقييمها علي القياس البعدي فقط لذلك انفصلت الخطة عن التنفيذ و تواضعت معدلات التنفيذ و الاداء .

اما المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي و مجالس الخبراء بالوزارات فقد تم تكوينها مؤخرا و تركز عملها في التخطيط و التقويم بدرجة اكبر من مراقبة تنفيذ الخطط المرحلية و البرامج لضمان سيرها دون انحراف لذا لم يكن لهما دورا بارزا في مراقبة التنفيذ حتي دخلت الحكومة في الخطة الاستراتيجية ربع القرنية في الفترة من ( 2007- 2031) و التي جاءت اكثر وضوحا من حيث التخطيط و التنفيذ و مؤشرات الأداء لكنها لتقويم استندت على النتائج المتواضعة لاداء الاستراتيجية الاولي لذا فلم يحقق التخطيط الاستراتيجي المأمول .

عليه يحتاج التخطيط الاستراتيجي في السودان الى جهاز رقابي قوي تمتد هيكلته في جميع أجهزة الدولة حتي يقوم بعملية تخطيط و تنفيذ و تقويم الاستراتيجية.

The post الاصلاح في السودان .. منهج فكري .. التخطيط والتخطيط الاستراتيجي appeared first on الانتباهة أون لاين.

اترك رد