اخبار السودان لحظة بلحظة

الانقلاب العسكري، فيروس لا يرى بالعين المجردة

عدد المشاهدات: 5

التيارنت  -خاص
التقى الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي مساء أمس الأول بقيادات جهاز المخابرات العامة و قيادات من الشرطة وذلك بمقر رئاسة جهاز المخابرات بالخرطوم.
وأعاد البرهان تأكيد أن المنظومة الأمنية منحازة للتغيير وستمضي فيه بإخلاص حتى مرحلة الوصول لحكومة منتخبة . ثم كرر التأكيد أن التجانس والانسجام يسود بين الشريكين العسكري والمدني في منظومة الحكم الانتقالي.
وجاء الحديث على خلفية الجدل المثار حول قرار الأمم المتحدة بإنشاء عملية سياسية في السودان وفق قرار صادر من مجلس الأمن مع تمديد بعثة “يوناميد” بدافور حتى نهاية العام.
تصريحات الرئيس البرهان تبدو تكرارا لتصريحات سابقة تظل تؤكد على سلامة العملية الانتقالية في البلاد، في ظل مخاوف داخلية وخارجية من انهيارها تحت الضغوط الاقتصادية والخلافات السياسية وتباطوء احساس الشعب بالتغيير الحقيقي، خاصة في ملفات العدالة والانصاف.
وليس منطقيا أن يصدر تصريح من أية جهة مهما ارتفع وزنها الرسمي لينفي أخبارا تتحدث عن انقلاب عسكري وشيك، فالانقلابات – مثل فيروس كورونا- لا تُرى بالعين المجردة، وان كان لها أعراض – مثل كورونا أيضا- تظهر في السعال “الجماهيري” وحمى “الأسعار” وضيق التنفس “السياسي”.
أمس الأول، الأحد، خاطب الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة مجموعة من قيادات القوات النظامية بالقيادة العامة للقوات المسلحة وقال أن (المنظومة الأمنية بالبلاد متوحدة ومتماسكة).
وكان ذلك بحضور الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائب رئيس مجلس السيادة و قائد قوات “الدعم السريع”، و الفريق محمد عثمان الحسين رئيس هيئة الأركان.
وبالضرورة ليس خبرا أن تكون القوات النظامية “متوحدة ومتماسكة” فهو الوضع الطبيعي، لكن الخبر أن تكون النقطة الأهم في خطاب رئيس مجلس السيادة تأكيد المؤكد “أنها موحدة ومتماسكة”.
ولتوضيح الحاجة لتأكيد وحدتها وتماسكها قال البرهان (لقطع الطريق أمام أي جهة تسعى لاختراق مكوناتها).

لم يكن البرهان وحده من يكرر تأكيد وحدة وتماسك القوات النظامية، الخميس الماضي سبقه الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد الدعم السريع بتأكيد أن (القوات على قلب رجل واحد).

القوات النظامية ممثلة في الجيش والدعم السريع والمخابرات والشرطة تشاركت في المجلس العسكري الذي تحمل مسؤولية الحكم بعد اسقاط نظام المخلوع البشير، و كانت فعلا “متوحدة متماسكة” بفعل حسابات “توازن القوى”، أكد ذلك قائد الدعم السريع حينها في تصريحات قال فيها أن قواته منعت “الانقلابات المضادة”.

لكن الانقلابات العسكرية لا تأتي من نزوات القوة العسكرية، بل من رحم الواقع السياسي الذي يكتنف البلاد بكل عناصره وعلى رأسها الوضع الاقتصادي، والتناحر السياسي. وفي السيرة الذاتية للنظم السياسية السودانية ما يكفي من البراهين على ذلك.

الآن ، وبعد أكثر قليلا من عام على سقوط النظام المخلوع لا تزال الجماهير السودانية تبحث عن “التغيير” الحقيقي الذي رفعته على رايات الثورة ودفعت ثمنه من حر دماء شبابها. وما يزيد من عتامة المشهد أن الشعب السوداني وفر أعظم غطاء سياسي لنظام حاكم في التاريخ، فالحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك والتي اختارها الشعب ودعمها بقوة كاسحة، لا تزال غير قادرة على الضغط على الأزرار الصحيحة في كابينة الطائرة لترتفع وتحلق في السماء، رغم أنها تندفع في مدرج الاقلاع بكل قوة، قوة المحركات الجماهيرية.

استمرار حالة “عدم الاقلاع” قد يتسبب في منح الانقلاب العسكري حيثيات ترفع قابليته، ويزيد من خطورة الحالة أن تمعن الحكومة في التعويل على تشتيت انتباه الجماهير بقرارات ذات صيت شعبي لكنها غير مؤثرة في الواقع السياسي، مثل قرارات لجنة ازالة التمكين التي تنال متابعة وقبولا عاليا لكن دون أن تؤثر كثيرا على الأوضاع الاقتصادية أو السياسية.

وفي ظل ترقب شعبي عال لمخرجات لجنة التحقيق الخاصة بمذبحة ساحة الاعتصام التي يرأسها الأستاذ نبيل أديب تبدو مؤشرات الاستقرار السياسي في محك خطير، مع غياب البرنامج الوطني الذي قد يساعد على تماسك الجبهة الداخلية تحت مظلة أهداف قومية مشتركة.

وينتظر المشهد السياسي اعلانا وشيكا لتحالف سياسي جديد خصاما على قوى الحرية والتغيير يرأسه السيد الصادق المهدي يضم مجموعة أحزاب سياسية ومكونات مجتمعية وربما بعض حركات الكفاح المسلح.

فهل يستطيع المشهد السياسي السوداني – ولأول مرة – الوصول بالفترة الانتقالية إلى بر الحكم السياسي المستقر أم يعيد التاريخ نفسه.

في بلد مثل السودان حقق الرقم القياسي في عدد الانقلابات العسكرية الفاشلة والناجحة، يسهل تصديق أية أخبار أو معلومات عن انقلاب عسكري وشيك، كما هو الحال الآن.

رابط الخبرأضغط هنا لنسخ رابط الخبر

اترك رد