اخبار السودان لحظة بلحظة

تمويل المرتبات من موارد حقيقية- كيف؟

د/ عادل عبد العزيز الفكي

في اللقاء التليفزيوني الذي أجري معه مساء يوم 4 يونيو 2020 أحسن الدكتور عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء عندما رد على السؤال المتعلق بتمويل المرتبات بقوله (أنه سيتم من موارد حقيقية). وحسناً أنه تفادى الإشارة للعائد من المصادرات التي قامت وتقوم بها لجنة إزالة التمكين كمصدر من مصادر تمويل الزيادة في المرتبات.

مصادر إيرادات الدولة تتمثل في الضرائب بأنواعها المختلفة بما فيها الضرائب على التجارة الدولية (الجمارك)، ثم العائد من مبيعات السلع الحكومية مثل البترول والجزء الذي تملكه الحكومة من الذهب، والرسوم الحكومية المختلفة، والتمويل الخارجي المباشر، والاستدانة من النظام المصرفي (طباعة العملة) في الحدود الآمنة حسب ما يحدده قانون الموازنة.

من الواضح أن المصادر المذكورة جميعها فيما عدا المصدر الأخير (الاستدانة من النظام المصرفي) تأثرت بشدة، وانخفض العائد منها بصورة مريعة لسببين، الأول: عدم انتظام عمل أجهزة تحصيل الضرائب والرسوم الحكومية منذ بداية العام وحتى تاريخه، والثاني جائحة كورونا وإغلاق معظم الأنشطة الاقتصادية، ونتيجة لذلك قل العائد من مبيعات السلع الحكومية وتوقف السحب على القروض. وعلى هذا أصبح عجز الموازنة في زيادة باستمرار، واضطرت الحكومة لسحب مبالغ هائلة من بنك السودان لتغطية المنصرفات الضرورية للحكومة، ومن بينها دفع المرتبات.

إن الاستمرار في السحب من بنك السودان سوف تترتب عليه نتائج تضخمية مؤكدة، لهذا يُعتقد أنه لا بد من إجراءات عاجلة تتضمن: إعادة فتح الأنشطة الاقتصادية وممارسة الأجهزة الحكومية لأعمالها لتحصيل الضرائب والرسوم الحكومية، إعادة نشاط التعدين الأهلي والحكومي في مجال الذهب للحصول على موارد، خصوصاً بعد عودة شركة السبيكة لوزارة المالية بعد أن كانت تابعة لجهاز المخابرات العامة.
من المهم كذلك وبعد عودة البنوك ومؤسسات التمويل الأصغر لأعمالها أن تقود حملة واسعة جداً لنشر ثقافة الادخار، والشمول المالي، وسط فئة الموظفين، التي أصبحت مرتباتها تتيح لها توفير جزء من دخلها بما يؤهلها لإقامة مشروعات صغيرة بضمان المرتب. الفكرة تتمثل في إقناع الموظفين بالحصول على تمويل بضمان المرتب، على أن يُستغل في مشروعات مدرة للدخل كالزراعة المنزلية، وتربية الحيوانات والدواجن، والصناعات اليدوية كتطريز الثياب وغيرها. وحتى يتمكن الموظفون من توفير جزء من دخلهم يجب تنشيط الجمعيات التعاونية للمساعدة في خفض تكلفة السلع الرئيسية، حتى لا تستغرق هذه السلع كل المرتب أو جله.

إن نشاط البنوك ومؤسسات التمويل الأصغر والجمعيات التعاونية على هذا النحو سوف يخلق طلباً عالياً في الاقتصاد، يؤدي لتحريك جمود الاقتصاد بما يؤدي في النهاية لزيادة حصيلة الضرائب كمورد حقيقي.
من النقاط المهمة في لقاء السيد رئيس مجلس الوزراء المشار إليه تعويله على الاستثمار بدلاً عن المنح و(الشحدة)، وإشارته إلى ضرورة تحسين مناخ الاستثمار. غني عن القول أن تحسين مناخ الاستثمار يحتاج إلى مجهود ضخم جداً من جميع أجهزة الدولة، وعلى رأس هذه الأجهزة النظام العدلي والقانوني، حيث ينبغي احترام الملكية الفردية، وعدم مصادرة الأراضي والمنشآت إلا بموجب حكم قضائي حسبما تنص الوثيقة الدستورية. بغير هذا يكون الحديث عن تحسين مناخ الاستثمار حرث في البحر. والله الموفق.

اترك رد