فجأة بلا مقدمات انتشر حريق كبير في الوسائط، مقاطع مصورة رصدت هجوما شبابيا على الناشط السياسي الأستاذ عثمان ذو النون في مدينة سنار، في الحال وكما هو معتاد انقسمت ردود الفعل بين مع وضد، واندلعت حرب أسفيرية شعواء في بعض جوانبها كان الضرب “بالهوية”!!
هذه المعارك متكررة بنفس الملامح والشبه في أماكن مختلفة، معارك ترفع رايات الثورة في مواجهة القوى المضادة تحت شعار “البل”..فأين الخلل؟؟
هؤلاء الشباب كانوا وقود وقاطرة الثورة من شارع إلى شارع ومن حي إلى آخر تعرضوا للضرب والقتل والسجون والتشريد ودفعوا ثمنا باهظا حتى أطاحوا بالنظام الدكتاتوري الدموي.. وهم–حتى اللحظة – لا يشعرون بأن الثورة في مأمن ويخشون من ردة قد تطيح بمكتسبات الثورة أو على أقل تقدير تكلفهم ثمنا باهظا فوق الفواتير القديمة التي دفعوها منذ ديسمبر الماضي.
وبكل يقين، الذين تورطوا في حادثة ذو النون قد يكونوا لم يروه ولا يعرفونه ولا علاقة شخصية لهم معه، لكن “وقود” المعركة والغبن والكراهية توفر من مخزونات ضخمة تغذي المشهد السياسي بعلم أو بغفلة وتختصر العملية السياسية في كلمة واحدة “البل”!!
وهي مفردة كانت ملهمة خلال شهور الحراك والعراك الثوري القوي ضد النظام المخلوع، لكن الوضع تغير، والثوار لم يعودوا الآن “معارضة” بل هم “حكومة” لأن الحكومة الانتقالية التي تدير البلاد هي من رحم ثورتهم ودماء شهدائهم.
يصبح السؤال المرير الحتمي، من الذي له مصلحة في الابقاء على حالة “الثورة” و تغذية الشعور الشعبي بالكراهية تحت غطاء و راية “البل”؟
من له مصلحة في حرق الوقود الثوري الشبابي في معارك انصرافية؟ بينما هم قادرون بوعيهم وقدراتهم ادارة معركة كبرى لبناء دولة السودان الحديثة حلم المستقبل..
عندما تنتشر شعارات ولافتات فيها عبارات مثل “أصحى يا ترس!” هل يعلم مروجوها أنها في الحقيقة أشبه بحملة لتجريد الشعب السوداني والثوار من السلاح؟
لماذا “يصحى الترس” ان كان في امكان الشباب الثوري أن يدير المعركة وهو في موقع “الحُكم” الدستوري وليس المعارضة في الشارع؟
الثوار الآن يملكون القصر الجمهوري ومجلس الوزراء (للأسف لا برلمان حتى الآن) ويملكون القوات النظامية، ويملكون بنك السودان ويملكون الدولة بما فيها، فلمصلحة من محاولة اقناعهم أنهم لا يملكون سوى “الترس”!
هنا الثغرة!! بل وهنا المعركة الحقيقية!!
الثورة المضادة عندما تحاول الاختراق فإنها لن تأتي بالشارع (محل الترس) فذلك ثامن المستحيلات.. لكنها ستضرب الدولة وتخترقها هنا في دوائر الحكم والسلطة.. فلمصلحة من تضليل الثوار بإقناعهم أن المعركة في “الترس” وأن “الحل في البل”.. بينما الثورة والثوار في يدهم السلطة وأدوات الدولة ومن هنا يجب ان يديروا معاركهم لا من “الترس”!!
في تقديري هنا تكمن العلة والخلل، تحويل بوصلة المعركة لينشغل الثوار الشباب بمعارك وهمية، بينما معركتهم الحقيقية يجب أن يديروها بأدوات السلطة التي اقتلعوها عنوا واقتدرا من النظام الديكتاتوري.
لمصلحة من تجريد الثورة السودانية من سلاح السلطة؟
صحيفة التيار