اخبار السودان اليوم

رحيل منصور خالد … المثقف الضخم والمفكر الصقيل

 صلاح ادريس 

جلست علي التو في مكتبي المتواضع – وانا احاول ان ادعي العمل فى هذا الجو ” المكهرب” الذي افرزه هذا الداء اللعين الذى اصبح يخطف في كل يوم عزيز لنا . احد السياسيين الشباب  الواعدين فى الحركة  الشعبية وهو الحاج بخيت. اخبرنى وهو مشغول بتلفونه برحيل الرمز منصور خالد . وقمت من مقعدى علي التو ونظرت اليه بشئ من العتاب والحزن لماذا ؟؟؟ لانه كان من المفترض ان يترك كل شئ فى يديه  ويعزيني ويعزى الامة السودانية بفقد مثقف سوداني من الطراز الرفيع مثل  الدكتور منصور خالد. نعم يجب ان يتوقف الحاج عن القراءة ويبلغنى بمزيد من الاحترام والتقدير والحزن العميق برحيل هذه الهامة السودانية السامقة التي صاغت الفكر السوداني والثقافة السودانية في السياسة والقانون والادب والاقتصاد. الدكتور منصور خالد واحد من المفكرين السودانيين القلائل الذى شخصوا الواقع السوداني بطريقة لم يستطع غيرهم القيام بها ” النخبة السودانية وادمان الفشل ” كأنها تقرأ الحالة التي نعيشها الان اكثر من سبعين عاما ونحن لازلنا نبحث عن تاسيس الدولة السودانية . فشلت النخبة السودانية المثقفة فى خلق وتاسيس الدولة التي نفخر بها والدليل علي ذلك تركنا مجموعة صغيرة من العسكر المدعوم بالحركة الاسلامية “تسوط” البلاد  لمدة ثلاثين عاما ثم استقيظ من مجموعة من الشباب ولدوا بعد مجئ النظام الساقط  للسلطة ورفضوا الظلم والقهر والاستبداد. وبعد قيامهم بالمهمة الكبري  تركناهم في الشارع وجئنا بمجموعة اخاف عليها من ” ادمان الفشل ” مرة اخري .

دعني اعود الي منصور خالد الذى رحل عنا قبل ايام قلائل دخل الي باحة السياسة السودانية بعد ان اختاره الرئيس الاسبق جعفر نميرى لقيادة وزارة الخارجية وهو المتخصص في القانون الدولي . منذ وطئت قدماه وزارة الخارجية كان واضحا ان الرجل مختلف عن الاخرين. كان واضحا ان الرجل يملك فكرا نيرا وبعدا اكبر من المنصب الذي شغله . قبل عدة سنوات كنت اتجاذب اطراف الحديث مع الدبلوماسيين القدامي وقال ان منصور خالد هو اول من ادخل مدونة الموظف الدبلوماسي في وزارة الخارجية والتي تعني ان كل منصب من السكرتير الثالث حتي وزير الخارجية له مهام محددة يجب ان يكون مؤهلا للقيام بها ولابد من ان تكون لديه هذه القدرات ومن هنا اناشد مسئولي التدريب في وزارة الخارجية اعادة هذه اللائحة بل وضع اسس جديدة لاختبار الدبلوماسيين الجدد . وكانت هذه اللوائح مستمرة حتي جاءت الانقاذ وانهدم المعبد برمته . وهو ايضا اول من ادخل ” المكتب التنفيذي” في الوزارة . اختلف منصور خالد مع جعفر نميري وترك الوزارة بعد ارسي دعائم راسخة .  اذا سألتني عن وجهة نظري  الشخصية فان منصور خالد المثقف منصور خالد المفكر كان اكثر تأثيرا من منصور خالد التنفيذي . اشرت الي اسهاماته الفكرية الضخمة وكتابه الشهير. الذي كشف عورة المثقف السوداني واخفاقاته المتتالية في تنمية وتطوير بلاده . حيث يتحدث الكثير من السودانيين عن الكفاءات السودانية في الخارج وخاصة الخليج العربي . منصور خالد اكد ان المثقف السوداني اما ان يكون بعيدا من السلطة ولايساهم في ” التغيير الايجابي” واما ان يكون اداة طيعة في يد السلطة وكان هذه واضحا في فترة الثلاثين عاما الماضية والتي فطن لها المفكر الضخم الطيب صالح في بداية التسعينات وقال قولته الشهيرة ” من اين اتى هؤلاء” التي لم يفطن لها الكثير من السودانيين الا بعد فوات الاوان وخراب سوبا. الصراعات التي يعيشها المثقف السوداني الان سواء كان فى ” قحت” او الحركة الشعبية او الجبهة الثورية او حتي المثقف الاسلامي الذي صار يبكي  الان علي ” ضياع الاندلس” .  اشار منصور الي ان المثقف السوداني يسعي من اجل الوصول الي السلطة وعندما يصل اليها اما يعمل علي تمكين نفسه  والانتقام من الاخرين ويضع الهم  الوطني في حقيبته الخلفية حتي ياتي عسكري اخر ويلتهم السلطة ويبدأ في التباكي علي الديمقراطية الغائبة .  وهل اصبح هدف المثقف  هو السلطة في البداية النهاية .

منصور خالد – رغم اختلافنا معه في الكثير من القضايا الا الكل  يجمع علي انه مفكر سوداني من الوزن الثقبل ” اوالصقيل ” ايضا . في نفس الوقت. اختلفنا معه عندما انضم الي جون قرن في الوقت الذي كانت في البلاد في حاجة الوحدة من اجل الحفاظ علي الديمقراطية الثالثة .  اعتقد ان  اهم ما ميز منصور انه لم يكتف بالجلوس والكسل الفكري ولكنه حمل قلمه الشجاع وانتقد بشدة الواقع السياسي والاقتصادي والفكري في السودان . وساهم في تعرية المثقف السوداني الذي فشل في بناء الدولة السودانية الحديثة الدولة التي نادي بها الشباب عندما ثاروا علي نظام الحركة الاسلامية وهتفوا ” سلام —حرية — عدالة ” منصور خالد كان هدفه واضح هو ان المثقف السوداني مسئول عن بناء الدولة الحديثة علي الاسس الثلاثة التي نادي بها هولاء الشباب . قام منصور بهذا الجهد العلمي الثوثيقي بصورة قل ان تجدها في المثقف او المفكر الذي وصل كل طموحه الوصول الي احد مقاعد السلطة وادارة المقعد الوثير ذات اليمين وذات الشمال ؟؟؟؟

ذهب منصور شرقا وغربا – يمينا ويسارا – ولكنه ظل لسانا ذربا وناقدا امينا للواقع السوداني بل الاقليمي والدولي . من خلال تجربة استمرت لاكثر من ستين عاما . ظل خلالها شعلة من النشاط والعطاء الفكري والابداع النقدي المتميز . انادي مثلما فعلت  في مقالي عن فاروق ابو عيسي انادي مرة أخري بتسمية احد الشوارع المكتبات او الكليات او القاعات  باسمه فالرجل ترك اثر لايمحي في الفكر السوداني المعاصر.  وخاصة نحن نعمل لبناء دولة مدنية حديثة  يكون فيها المثقف هو الملهم والقائد والمحرك وليس العسكري الذي يجب ان يرجع الي الوراء ويترك الطريق لمثقف مثل حمدوك من علي شاكلته لقيادة السودان الجديد.

The post رحيل منصور خالد … المثقف الضخم والمفكر الصقيل appeared first on الانتباهة أون لاين.

Exit mobile version