* أحد الاصدقاء الاعزاء الذي جمعتني به ظروف العمل الصحفي قبل سنوات، كنت اتناول معه كثيرا الاوضاع السياسية في البلاد ، هو يدين بالولاء المطلق لنظام الانقاذ البائد لذا كان يدافع عنه باستماتة ويرفض تحميله مسئولية ماحدث بدارفور من محارق ومذابح وتشريد وتدمير، تجمعه بالبشير علاقة صلة رحم وكان يجزم بانه برئ من كل الاتهامات التي توجه ناحيته من المحكمة الجنائية الدولية.
* كنت اقابل دفاعه هذا بهجوم ضار عليه وعلي المؤتمر الوطني ،ولان الصداقة التي جمعتنا كانت عميقة فان الزعل لم يكن يعرف طريقا الي دواخلنا، نتحدث باريحية وشفافية بعيدا عن العتاب، كل منا يدافع عن فكرته، كنت اؤكد له ان البشير _ ووقتها كان رئيسا _ مسئولا عن الخراب الذي لحق بدارفور وانه مجرد رجل حرب لايعرف السلم ويمتلئ قلبه بالحقد علي اهل دارفور لانهم رفعوا السلاح في وجهة.
* اذكر في أحد الايام انني مارست عليه ضغطا متصلا في ذات الشأن ولم يجد غير الصمت واعتقدت انني انتصرت عليه من واقع الحقائق الكثيرة التي سردتها عليه وهي تعضد وجهة نظري بوصفي دارفوريا تألم مثل غيره وتأثر بالاحداث المؤسفة التي شهدها الاقليم لاكثر من عشر سنوات، ولكن يبدو انه صمته وكما يقولون “كان فوق رأي”، فقد قذف الي ملعبي اتهام اربكني رغم دفاعي المستميت و قال لي:”ياخ انتو بتقاتلوا عشان غنماية “.
*وواصل حديثه قائلا :”حتي لو اعترفنا ان البشير يتحمل والمؤتمر الوطني مسئولية الحرب التي دارت في دارفور، فهل تقع عليهما ايضا اوذار الحرب العبثية التي تدور رحاها بين قبائلكم، هل يعقل ان تموتوا من اجل “غنماية” تم نهبها او ذبحها، ومضي في حديثه ورغم اقراره بالظلم الذي حاق بانسان دارفور الا انه ظل يؤكد بتحمل الدارفوريين جزء من دمار الاقليم باقتتالهم القبلي الذي ازهق الارواح ودمر الموارد واشاع الفوضي الامنية.
* بكل صدق لم أكابر رغم انني حملت حكومة الانقاذ وقتها مسئولية التفلتات الامنية بتسليحها لعدد من القبائل ولضعف هيبة الدولة، وايقنت ان الرجل صادق فيما قال بل هو جسد الحقيقة التي رأيت عدم دفن رأسي في الرمال هربا منها، قلت له: نعم نتقاتل لاتفه الاسباب ونرتكب جرائم بحق الانسانية لاتمت الي الدين بصلة ولكنه سيأت يوم وينبذ فيه أهل دارفور هذه الملهاة ويعودون الي رشدهم لانهم أهل دين وتقوي وأخلاق.
* وبالفعل غابت عن أرض الاقليم لثلاث سنوات الصراعات القبلية وهذا الامر جعلنا نشعر بسعادة غامرة ونراهن علي استعادة النسيج الاجتماعي بدارفور لحمته، ومن فرط ثقتنا عقب ثورة ديسمبر المجيدة التي اندلعت ضد الفساد والجهوية والقبلية وحفظت لانسان دارفور حقه ومجدته توقعنا الا نسمع مرة اخري صوت البندقية،ولكن يبدو اننا اسرفنا كثيرا في الاحلام .
* فقد استيقظنا علي صراع عبثي بين الرزيقات والفلاتة في الشهر المحرم الذي للاسف الشديد سالت فيه الدماء انهارا وفقدنا انفس عزيزة من الطرفين ، ذهبت ارواحهم بعد ان حضر الشيطان وغابت الحكمة ففعل فعلته في النفوس التي توارت عنها عظمة هذا الشهر وسيطر عليها الغضب ، وليت السبب الذي ماتوا من اجله كان يستحق .
* تذكرت قول صديقي الذي اشار الي اننا نقتتل من اجل “غنماية ” ، فالماشية التي سرقها اللصوص مهما بلغ عددها وقيمتها المادية فهي ليست اغلي من نفس مؤمنة واحدة ، هل يعقل ان ترق دماء من اجل “غنم” ؟، بالتأكيد لا وماحدث يؤكد ان التخلف مايزال يسيطر علي اجزاء بدارفور ، لان الواقعة التي شهدتها جنوب دارفور لايمكن ان تقع في اي جزء من السودان، وكثيرا ماسمعنا بسرقة ماشية في البطانة، الشمالية، سنار، الجزيرة وغيرها من ولايات البلاد ولكن لم نسمع باقتتال قبلي بسببها.
* علينا الا نتعامل بالعاطفة في مثل هذه الاحداث ، فالذي سرق وقتل يجب ان يجد عقابه الرادع حتي يكون عظه لغيره ،وعلي حكومة ولاية جنوب دارفور الا تلجأ الي الاعراف الاجتماعية وتدعو الي مؤتمر صلح يعقبه دفع ديات وطي صفحة الخلاف ،عليها ان تضرب بقوة علي كل متفلت وان تطال يدها كل الذين ضلعوا في هذه الحادثة العبثية ،وعلي المجتمع الدارفوري ان يتعامل بحسم مع مثل هذه القضايا حتي لو استدعي الامر مقاطعة القبائل التي تقتتل.
خارج النص
الي متي نموت من اجل “غنماية “