منذ فترة طويلة ظللتُ أرصد وأتابع حركة الإنتقادات الواسعة التي يواجهها الصادق المهدي زعيم حزب الأمة من بعض الناشطين والخصوم السياسيين، وهي انتقادات في غالبها تتجاوز الفعل السياسي والمواقف التي يتخذها إزاء القضايا الراهنة إلى تعمُد التجريح والإساءة إليه والسخرية منه كما لو أنها محاولة اغتيال لشخصية الزعيم الأنصاري الأشهر على نطاق السودان منذ سبعينات القرن الماضي..
وبإلقاء نظرة فاحصة تأخذ في الاعتبار مجمل الانتقادات التي ظلت تُوجَّه إلى المهدي وأهدافها واتجاهاتها، يدرك المراقب السياسي أنها أشبه بالمزاعم والمغالطات ، لأنها تتقاطع وتتناقض مع حقائق ثابته ومعطيات ظاهرة ومشهودة، كإتهامه بالتواطوء مع النظام المخلوع، أو ضعف كسبه في معركة مقاومة النظام وإزكاء روح الثورة والانتفاضة، والحق ان اتهامات كهذه لاتصمد في وجه الحقيقة..
كمراقب سياسي يؤسس رأيه ومواقفه على رصد الأحداث ومتابعتها واستدعائها وتحليلها، ويبني آرائه ومواقفه على معطيات موضوعية أستطيع القول أن المهدي يعتبر أبعد الناس عن التواطوء مع “الكيزان” ، كما أنه أبعدهم أيضاً عن تهمة التقاعس عن المقاومة ودروب النضال، وذلك للمعطيات الموضوعية الآتية:
أولاً: يعتبر الصادق المهدي مناضلاً جسوراً ومقاوماً من الطراز الأول لكل الأنظمة الشمولية الدكتاتورية، وليس هناك من دليل أكبر من تعرُّضه شخصياً وقيادات حزبه من الأنصار لأبشع أنواع الظلم والتنكيل والتصفيات الجسدية، والمجازر والاعتقالات على فترات متفاوتة إبان الأنظمة الشمولية التي كانت تستهدف رمز الديمقراطية والحريات..
ثانياً: استناداً على النقطة أعلاه نستطيع القول أنه ليس هناك حزب سياسي في السودان دفع ثمن النضال ومقاومة الظلم والدكتاتوريات والدفاع عن الحكم المدني والديمقراطية أكثر من حزب الأمة وقياداته ورموزه السياسية من النساء والرجال، ولعلي هنا أذكر المناضلة الجسورة الراحلة سارة الفاضل حرم الصادق المهدي التي تعرضت للإعتقال والحبس الانفرادي والتنكيل والتعذيب خاصة في عهد البشير، شأنها في ذلك شأن زوجها أمير المقاومة السلمية المدنية، وبنتها الدكتورة مريم.
ثالثاً: بعد انقلاب 30 يونيو كان النظام الانقلابي أشد حرصا على جعل الصادق المهدي رهينة بمنزله، وعندما تمكن من الهروب في عملية “تهتدون” الشهيرة في ديسمبر 96، جنّ جنون النظام، وقد شكلت العملية صفعة قاسية على خد نظام البشير لإدراكه أن خروج المهدي سيعطي قوة فاعلة للمعارضة الخارجية، ولإحساسه بقوة تأثير تحركات المهدي دون غيره من المعارضين.
رابعاً: في مطلع الألفية الثالثة وبعد مفاصلة الاسلاميين عندما عاد المهدي من الخارج في عملية “تفلحون” في 2000، وكانت الخلافات على أوجّها بين معارضة الداخل والخارج حول وسائل المعارضة وطرائقها، في هذه الأثناء جاء المهدي وأعطى المعارضة الداخلية زخماً وحيوية وفاعلية، من خلال ندواته ومنتدياته السياسية الاسبوعية بمنزله بالملازمين، وتحركاته التي كانت تشكل مصدر قلق للنظام.
خامساً: اتسم الخطاب السياسي للمهدي في هذه الفترة بالديمومة وجمع بين الهدوء والاتزان والشراسة والموضوعية مما اعطى المعارضة وزناً كبيراً، حيث تتناول خطابه السياسي سوءات النظام وعمل على تعريته، الأمر الذي جعل معارضة الداخل أكبر تأثيرا على النظام من معارضة الخارج التي خبا بريقها إلى ان جاءت وصالحت النظام وشاركته الحكم ، بينما ظل المهدي على مقاومته متزعما المعارضة المدنية السلمية حتى سقوط النظام، وظل يتعرض للاعتقالات السياسية، ومغادرة البلاد، وهكذا ظل المهدي في مايو، وفي عهد الانقاذ إما معتقلاً سياسيا، وإما لاجئاً طريدا من وطنه ومحروما من أسرته.
سادسا: بشهادة رموز النظام وبعضمة لسان المهدي أن الصادق رفض كل العروض التي قدمها له نظام الانقاذ للمشاركة، وذكر في كل حواراته الصحافية الموثقة أنه لن يشارك الا في حكومة منتخبة ديمقراطياً، وقد ثبت الصادق المهدي على هذا المبدأ طيلة الثلاثين عاماً، ونحن كمراقبين للمسرح السياسي السوداني نشهد أن الصادق المهدي كان يؤكد في كل تصريحاته ومقابلاته الصحافية والاعلامية وحتى أثناء الحوار مع النظام كان يؤكد أنه لن يشارك نظاما شموليا ولن يدخل الا حكومة ديمقراطية عبر الانتخابات…
واستناداً على النقاط الموضوعية والمعطيات أعلاه استطيع القول ان الاتهامات المثارة في مواجهة المهدي هذه الايام ليست موضوعية بل اشبه بالمغالطات في اطار حمله للتشويه والتشويش ، فالحقائق المجردة تقول بكل موضوعية ان الصادق المهدي مناضل من الطراز الاول ورمز باذخ من رموز المقاومة السلمية، وحماة الديمقراطية في السودان، وهو قائد خط المقاومة المدنية السلمية ضد الانظمة الشمولية في البلاد، وفوق كل ذلك يُعد المهدي سياسيا محترفاً، عركته ميادين السياسة وصقلت عوده وفكره،فكان شيخ وزعيم الساسة في السودان بلامنازع، ومفكراً لايشق له غبار، وفقيها وسطياً يُعتد به، وعالماً مبجلاً، وموسوعة ثقافية تنحني لها الهامات فضلا عن كونه متساحا متوازنا ينأى عن العنف ، ويحفظ له تأثيره الكبير على الحركات المسلحة واقناعها بالمقاومة السلمية من خلال تحالف نداء السودان الذي ترأسه في اطار مشوار المقاومة المدنية السلمية ضد نظام المؤتمر الوطني المخلوع
..اللهم هذا قسمي فيما أملك..
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.