اخبار السودان لحظة بلحظة

السودان: صديق البادي يكتب: رسالة إلى حميدتي

السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته ورمضان كريم . وحفظ الله البلاد والعباد ووقاهم من داء وجائحة الكورونا وغيرها ومتعهم بموفور الصحة والعافية وبعد . إن الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي من نجوم هذه المرحلة وهو إنسان مثير للجدل ويمثل ظاهرة في الحياة السياسية وعندما يحين الوقت المناسب للكتابة عن ( حميدتي في الميزان ) بحياد تام وتجرد ذاكرين ما له وما عليه فان تساؤلات كثيرة تحتاج لإجابات ستطرح عنه منذ بدء مسيرته مروراً بتكوين قوات الدعم السريع وما تلي ذلك . وثمة حقيقة لا أظنها تخفي علي حميدتي وقد أثبتت التجارب أن كثيراً من المسؤولين يتم الالتفاف حولهم والسعي بكل السبل للتقرب والتزلف إليهم عندما يكونون في السلطة ويتم الانفضاض من حولهم والابتعاد عنهم عند تخليهم عن السلطان والصولجان طوعاً أو كرهاً وتبعاً لذلك فان الكثيرين يسعون للتقرب لحميدتي بمختلف السبل لأنه صاحب شوكة وسلطان ومال ( رأيت الناس قد مالوا إلي من عنده المال ومن لا عنده مال فضه الناس قد مالوا ) وفي كل الأحوال فان الذي يميز هذا الشاب الإعرابي البدوي صدقه وصراحته ووضوحه وما في قلبه يكون علي طرف لسانه وهو يتسم بالذكاء الفطري ويسعي لتثقيف نفسه وتطويرها باكتساب المعارف وهو يحيط نفسه بخبراء متخصصين في شتي المجالات وهو في البداية والنهاية بشر كسائر البشر الآخرين يصيب ويخطئ وبذات طريقته الصريحة نأمل أن يكون الجميع معه صريحين واقف معه هنا وقفات قصيرة في محطات صغيرة :ـ
لقد سعي نظام الإنقاذ السابق للكسب السياسي الرخيص بكل وسيلة انتهازية ولو أدت لتمزيق النسيج الاجتماعي وخلق نعرات عنصرية بغيضة . وابتدعت ما أطلقت عليه بيعة القبائل إذ يبادر عدد من الأفراد بتجهيز وتسيير موكب لمبايعة السلطة ورئيسها باسم القبيلة كلها وبعض الانتهازيين اتخذوا من قبائلهم سلالم للوصول للسلطة والجاه والمال . وقطعاً إن للقبيلة وجه مشرق يتمثل في التعارف والتآلف والتكافل ووصل العلاقات الاجتماعية ومد الجسور مع الآخرين وإصلاح ذات البين مع المتخاصمين ولكن تصرفات النظام السابق ومنها المحاصصة القبلية والمناطقية في توزيع المواقع الدستورية وغيرها وتقريب هؤلاء وإبعاد أولئك أدت لصراعات ومنافسات بين القبائل بل مزقت بعض القبائل وأدت لنشوب خلافات حادة بين فروعها وخشوم بيوتها وكان النظام السابق يعمل بسياسة فرق تسد … ولا بأس أن يعقد حميدتي أو غيره من المسئولين ورش عمل هادئة بلا ضجيج وصخب وتطرح فيها دراسات وأوراق جادة عن الإدارة الأهلية والنظام الأهلي وكل ما يتعلق بهذا الشأن ولكن المؤسف إن الطريقة التي عقد بها حميدتي تظاهرة أو قل مؤتمراً للإدارة الأهلية سار فيها في ذات المسار الذي سارت فيه الإنقاذ التي غرضها هو الاستقطاب السياسي وتكبير الكوم وقد صرف علي المؤتمر والمؤتمرين صرف بذخي مبالغ فيه مع إقامة عدد كبير منهم لفترة طويلة بأرقي الفنادق والإنفاق علي المؤتمر ودفع النثريات ومنصرفات الإعاشة وإهداء عربات فارهة لبعضهم أو بكاسي ومنحهم أموال طائلة تفاوتت من شخص لآخر وفي مجملها تساوي مليارات كثيرة (بالقديم) وإذا كان الصرف من الخزينة العامة ومن أموال الدولة فان فيه بعزقة لا مبرر لها في وقت تعاني الدولة من شح في العملات الحرة لاستيراد الضروريات وإذا كان الصرف من المال الخاص لحميدتي فان هذا أمر يخصه وهو حر في صرف أمواله جواداً كريماً ولا يحق لنا إن نحشر انوفنا فيما لا يعنينا ولكن الذي يهمنا هو الجانب الرسمي لأن المؤتمر تم بتوجيه وإشراف ورعاية حميدتي وهو نائب رئيس الدولة . ومع فائق الاحترام لكل الذين حضروا المؤتمر إلا أن ما أثير وأشيع عنه من يد مبسوطة كل البسط وحاتمية في الصرف جعل الكثيرين في أجزاء مختلفة بالقطر يسعون لإقامة كيانات وتوزيع بعض الألقاب الفعلية أو الوهمية وخلق ذلك منافسات داخل بعض القبائل والكيانات وتعددت الواجهات بين الوجهاء وكل منهم يرى أنه هو الأحق بأن يكون في المقدمة تحت أي لقب ومسمي ناظر – سلطان – أمير … الخ وبعضهم يسعي للحاق بالمولد في انتظار أن تتوالي مثل تلك التظاهرات والمؤتمرات وما جري في ذلك المؤتمر يحتاج لوقفات لتقويم وتقييم ما جري فيه لأخذ الدروس والعبر وفي ضفة النهر الأخري هناك جهود عديدة تبذل لإرساء دعائم الوحدة الوطنية ورتق كل فتق وتقوية النسيج الاجتماعي ومنها علي سبيل المثال لا الحصر العمل آناء الليل وأطراف النهار وبذل مجهود مضني ولكنه ممتع لإعداد موسوعة القبائل السودانية والتماذج القومي وإيراد مئات النماذج لمصاهرات واختلاط للدماء بين السودانيين من الوسط والغرب والشمال والشرق ( وهناك أيضاً زيجات ومصاهرات شمالية جنوبية قبل إنفصال الجنوب الذي لا يمكن أن ينهي تلك الزيجات ) واقتضي اعداد الموسوعة ما امكن قراءة ما كتبه الكتاب والباحثون الأفاضل والاكاديميون والعلماء الأماجد عن القبائل مع اجراء اتصالات بالجوال مع مصادر عديدة بمختلف الولايات مع القيام بجولات ميدانية بالمواصلات العامة وبالدواب والأرجل إذا اقتضي الأمر ذلك في بعض المناطق النائية وليس بالمال وحده أو الإنفاق البذخي تنجز الأعمال الباهرة المفيدة والمهم هو الدقة والتجويد ونشر الموسوعة بعد ذلك عبر الشبكة العنكبوتية علي أوسع نطاق لمن يريد أن يقرأ أو يترجم أو ينشر دون أخذ اذن . وعلي الجميع أن يسعوا لإرساء دعائم الوحدة الوطنية وتقوية النسيج الاجتماعي والعمل علي ما يجمع وتجنب ما يفرق ويمكن أن يتم كل شيء في هدوء بلا ( زيطة وزمبريطة ) ويذهب الزبد جفاء ويبقي ما ينفع الناس .
والمحطة الثانية :
إن السيد حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة هو الآن رئيس الآلية الاقتصادية المعول عليها السعي لإيجاد حلول اسعافية عاجلة غير آجلة للأزمات المتفاقمة التي بلغت ذروتها القصوى وليس هناك وقت لإضاعته في عقد المؤتمرات وتقديم دراسات وبحوث وحلول نظرية وهي مهمة ولكن الأزمات والاختناقات الحادة لا تحتمل انتظار الحلول النظرية وترديد عبارات ( اعتقد وأري وفي الحتة ديك ) وكما يقولون ( الجيعان ما بنتظر فورة البرمة ) والأزمات تحتاج لمعالجات اسعافية عاجلة ( امسك لي واقطع ليك ) . وقد فعلها حميدتي من قبل في الفترة الممتدة بين شهري أبريل وأغسطس عام 2019م قبل إعلان تعيين رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة ونأمل أن يعيد الكرة مرة أخري وقد بلغ تردي الأوضاع حداً لا يوصف . وحدثت حالات فردية تنبئ بخطر داهم إن لم يتم تلافيه وعلي سبيل المثال فقد رأي البعض رجلاً كبيراً في سنه يحمل كيساً فيه خبز واختطفه منه آخر وجري بسرعة فائقة وسط ذهول الجميع من هول المفاجأة غير المتوقعة . والضيق قد يؤدي للسرقات ونهب البيوت للحصول علي الضروريات من مأكل ومشرب ( والجوع كافر ) قد يؤدي لجرائم أكثر فظاعة . وإذا أجرينا مقارنة في الأسعار في يوم 11/4/2019م والأسعار في يوم 1/4/2020م فان الجميع يتمنون العودة لأسعار 11/4/2019م وليس العودة لذلك النظام الذي مضي وانقضي . وفي عام واحد زاد سعر الدولار بأكثر من الضعف أما أسعار كافة السلع بلا استثناء فقد طارت ( للسماء الأحمر ) وتضاعفت عدة مرات . ويتم تعليق ذلك في شماعة الدولة العميقة وإذا كانت الحكومة قوية ولها أضراس وأنياب وقواطع فإنها يمكن أن تردع كل متلاعب في قوت الشعب وتردع كل عابث بمقدراته ولكن ثبت بما لا يدع مجالاً للشك إنها هينة لينة ومهمومة بقضايا انصرافية وغير معنية بهموم المواطنين المعيشية وقد انشغلت بمعارك في غير معترك وبقضايا آجلة غير عاجلة وهي من صميم مهام الجمعية التأسيسية القادمة عن طريق صناديق الاقتراع بعد انتهاء الفترة الانتقالية . والمؤسف أنهم عولوا وانتظروا هبات ومساعدات الخواجات والدعم الأجنبي وكان حصادهم منهم صفرياً أما الدول العربية الشقيقة المانحة فقد توقفت عن مواصلة الدعم للشتائم والهجوم الذي وجه إليها يعني ( جو يساعدوه في حفر قبر أبوه دس المحافير ) ( رازة ونطاحة ) والمؤسف أن كل الأسواق وأماكن البيع أصبحت بلا رقيب أو حسيب وكل بائع ( يقطع من راسو أي سعر دايرو ) وليس لهم أي إحساس بوجود حكومة أو سلطة . والمرتجي من الآلية الاقتصادية التي يرأسها حميدتي ومعه دكتور حمدوك وبقية أعضاء اللجنة السعي بشتي السبل لإيجاد معالجات اسعافية عاجلة .
المحطة الثالثة : –
ذكر البشير إن أحسن عمل قام به في كل فترة حكم الإنقاذ هو إقامته ودعمه لقوات الدعم السريع وأثبتت الأيام صدق قوله وان أفضل عمل قام به هو تكوينه لقوات الدعم السريع التي كان أفضل عمل قامت به هو الانحياز لخيار الشعب وإسقاط البشير الذي كان متشبثاً بالسلطة ولا يريد أن يتخلي عن كرسي الرئاسة حتي يرحل عن الدنيا ويدخل القبر وباءت كل محاولات إقناعه بأن يكون رئيساً شرفياً انتقالياً مع تشكيل حكومة قومية قوية ويكون رئيس الوزراء في مستوي مهاتير محمد ورفض هو و من حوله هذا الاقتراح ليس حباً فيه ولكن حفاظاً علي مصالحهم . وعند تشكيل المجلس العسكري الانتقالي عين الفريق محمد حمدان دقلو ( حميدتي ) نائباً لرئيس المجلس العسكري وأصبح بعدها النائب الأول لرئيس مجلس السيادة بعد إعادة تشكيل المجلس مناصفة بين العسكريين والمدنيين . وشهد الوطن فترتين انتقاليتين بعد ثورة أكتوبر عام 1964م لمدة سبعة أشهر وبعد انتفاضة ابريل في عام 1985م لمدة عام واحد فقط وفي الحالتين تم تنفيذ البرنامج الانتقالي المتفق عليه وأجريت انتخابات عامة وسلمت السلطة لحكومة منتخبة في الحالتين المشار إليهما . أما الآن فان الوضع مختلف تماماً إذ تم الاتفاق أن تكون مدة الفترة الانتقالية ثلاثة أعوام ونصف مضي منها حتي الآن عام وبضع أسابيع وتبقي عامان وستة أشهر. ولكن كل المؤشرات وقرائن الأحوال تؤكد أن الفترة الانتقالية ستمتد لأجل غير مسمي باتفاق متوقع بين مجلس السيادة بشقيه العسكري والمدني وأحزاب قحت المشتركة في الحكومة والجبهة الثورية والحركات المسلحة التي تنتظر نيل حصتها في السلطة علي كافة المستويات بصبر نافذ و كل هذه المكونات التي ذكرتها غير مهيأة لإجراء الانتخابات وتحس بأنها في وضع لا يمكن أن تفرط فيه أما الذين ينتظرون قيام الانتخابات فان انتظارهم سيطول لسنوات قادمة وفقاً للمعطيات الراهنة . وإذا أجريت انتخابات وفازوا بالتزكية بعد امتناع الآخرين عن الانتخابات فان الفشل سيكون حليفهم من البداية لان السهام المعارضة لهم ستنهال عليهم من كل جانب . ولنا وقفة منفصلة مع مفاوضات جوبا ونرجو أن لا تكون حبال بلا بقر ودرهم من الانجاز خير من قنطار من التنظير وكل ما يتم التوصل إليه ينبغي عرضه علي الرأي العام وكل الشعب السوداني للتداول حوله قبل إجازته .
والوطن يعاني الآن من داء وبيل اشد خطورة من الكورونا حفظ الله الجميع منها هو مرض وداء التهافت علي السلطة والتكالب علي المواقع . والبلد يشهد أزمات حادة واختناقات معيشية والمتهافتون علي السلطة يتعاركون والعدو علي الأبواب ويلج علي خاطري عنوان كتاب الاستاذ محمد جلال كشك ( ودخلت الخيل الأزهر ) ويطابقه الآن ( ودخل الاستعمار السودان ) أو بالأحري بدأ يتسلل حتي يتمكن في زمن قياسي من الجلوس علي كرسي الوصاية والأستاذية والسيطرة ويبرر دخوله بأنه ينفذ طلباً تقدم به دكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء لمجلس الأمن …. وكان الأمثل والأفضل من البداية قيام مجلس سيادة محدود العدد من العسكريين والمدنيين وتكوين حكومة من المدنيين يرأسها رئيس وزراء قومي يقف علي مسافة واحدة من الجميع و يتسم بقوة الشخصية والصرامة في الحق والحزم مع تمتعه بخبرات واسعة ومؤهلات رفيعة وقدرات هائلة وإلمام بأحوال الشعب وتشكيل حكومة قوية للتصدي للتحديات التي تجابه الوطن وتكون من الخبراء الوطنيين وأصحاب القدرات العالية من العمالقة . وتكوين مجلس تشريعي ترتكز لجانه المتخصصة علي الخبراء الذين يختصون بشئون اللجنة التي ينضمون إليها وفي مجموعهم يكونون المجلس التشريعي وأن يكون الولاة من الإداريين الحازمين المجربين مع وزراء ولائيين من ذوى الإختصاص وأن ينصرف كل السياسيين لتنظيم أحزابهم للمرحلة القادمة ونقول للثنائي البرهان وحميدتي إن أوضاع المواطنين لا تسر عدواً لا صديقاً ( وكمان جابت ليها إستعمار ) ونقول لحميدتي بنفس الطريقة التي عقدت فيها مؤتمراً للإدارة الأهلية صرفت فيه الكثير فإن نسبة بسيطة مما تم صرفه يمكن أن يوجه لتنظيم جلسات مفاكرة لعقلاء وحكماء وعلماء السودان وهم كثر للتفاكر للوصول لرؤية ناضجة تخرج الوطن من ( ورطته الحالية).

اترك رد