اخبار السودان لحظة بلحظة

ونسة مع وزير الصحة

تعرف يا دكتور أكرم أنا كنت دائما أقول أن شعبي وللأسف شعبي لابد أن يحكمه ديكتاتور عادل. لكن هل يعقل أن يكون الديكتاتور عادلاً ؟ ودائما لا يصح إلا الصحيح ، وهذا الشعب الطيب الكريم يستحق أن يُسلك به إلى الطريق القويم ، لكنه يحتاج وقتا، وجهدا، ويلزمه الكثير من الكفاح والتضحيات ليصبح شعبا يقوده الحق ويقوده الضمير وتنتفي عنه الأنانية .

دكتور أكرم أنت أكبر مراهن على وعي الشعب ، لكنك للأسف خُذلت ، كما خُذل الذين من قبلك. فالذين باعوا ضمائرهم ، باعوا الدقيق المدعوم ، وباعوا الوقود . وباعوا المواد الغذائية ، وهرّبوا الذهب . والذين أرادوا الحصاد لأنفسهم وقفوا ألف أحمر في طريق السلام ، وعرقلوا مسيرة الثورة . لذا ما أردتك أن تحدثهم عمّا تقدمونه لهم في الحجر ، لأنهم ببساطة سيقولون أننا سنقدم لأنفسنا أفضل من ذلك إذا حجرنا أنفسنا في دورنا وبين أهلينا .

وينسون أن المريض منهم سيصبح مشروع إصابة لعدد غير محدود من أهله ومواطنيه . لو أنّ وعيهم يقودهم إلى الالتزام بالبقاء في بيوتهم ، ولو أنه يقودهم إلى حكمة الأجداد فنظفوا وطهروا بيئتهم ولاطلقوا بخور القرض واللبان الضكر ثلاث مرات في اليوم حتى تصبح سماء الخرطوم سحابة من بخور .

دكتور أكرم ، أنت تريد مخاطبة الناس بشفافية، وتريد أن تصدقهم في كل كلمة ، وتريد أن تحدثهم بلغتهم ليفهموك ويلتزموا لك حتى لا يحتج محتج بأنه لم يفهمك . لكنهم للأسف مدّوا لك ألسنتهم ، وهم لا يعلمون أنهم يمدونها لأنفسهم . وبعد أن فهموا قراراتك وعرفوا توجيهاتك قالوا لبعضهم أن الرجل مسيس وأنه يسعى لتمرير الفعل السياسي عبر التوجيه الصحي .

وعودا على بدء ، يا دكتور اكرم ، نادى منادي نسيبي الكبير السلطان علي دينار في مشائخ سلطنته ، وما أكثرهم ، وما أعلمهم. ولما استجابوا للنداء وحضروا أمام السلطان الآمر ، انحنوا أمامه وقالوا لبيك . سألهم : ماذا تصلّون ، وكيف تقرأون ، ولمن ترفعون أيديكم ؟ قالوا لله . قال فكيف توقّف المطر وأصبحت الدنيا جافة لا خضرة فيها ولا يشرب منها طير ولا حيوان ولا إنسان ؟ فأحنوا جباههم خجلا، ولم يفتح الله عليهم بكلمة . فقال السلطان : أنا خارج للقنيص ، وراجع مع المغيرب ، ولو رجعت لقيت الأرض ما روت سأرويها بدمكم . وأمرهم بالبقاء في مكان اجتماعه بهم ، فبقوا ، وركب جواده ، ثم سار إلى القنيص .

وبعد العصر وقبل المغيب عاد السلطان إلى فاشره ، وقبل أن يدخلها وعلى مسافة منها كان الماء يشكّل حزاما فوق أرض السلطنة . ودخل السلطان الفاشر وأرجل فرسه مبتلة بالماء حتى فوق الركبة وابتل صدر الجواد.
بالسلطان يا دكتور أكرم تستطيع أن تلزمهم بالبقاء في بيوتهم ، لا يخرج منها حتى صوتهم ، حتى أنفاسهم. بالسلطان تستطيع أن تبقيهم في بيوتهم دون أن يصيبهم أذى ، وهذا ذروة المراد. وأعرف كيف منع أهل السلطان سلطانهم ، وأرخوا الحبل للتفلت ، وتماهوا معه ، فعمّ الطاعون واشتدّ البلاء ، فبدأتم يا سيدي الوزير الهمام وكأنكم وحدكم تحملون هم الأمة جمعاء .

قل للسيد رئيس الوزراء، ولكوكبته ، وللسيادة كلهم ، أن الأمر لن يخرجكم ولن يخرج البلاد من أزمتها إذا سار الحال هكذا . وأن يسير الحال هكذا فعلى بلادنا السلام . قل لهم أن يستخدموا السلطان وإن بدت في ذلك شدّة . ولا تراهن إلا على السلطان ، والسلطان وحده ، فقد بلغت حدود وعيهم ، وعرفت عمقه.

اترك رد