اخبار السودان لحظة بلحظة

لقاء صدفي مع محارب قديم

ضفاف بلادنا أحيانا لا تلتقي

ياسر عرمان

-1-

كنت جالسا على ضفاف نهر الجبل عند منتصف نهار اليوم السبت 25 أبريل، 2020، في فندق صغير يطل على النيل الذي حينما يصل بلادنا سياخذ اسما آخرا وسيكون نيلا ابيضاً بدلا من أن يكون بحرا للجبل، وكنت أراجع مع مجموعة صغيرة من زملائي بعض القضايا، وإذ بل ارى شخصا لا يخطئه بصري ولقد فقد بصره في السنوات الأخيرة ولم يفقد بصيرته، إنه من المؤسسين للحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان، من المجموعة التي لم تتجاوز 83 شخصا حينما وصلت الحدود الاثيوبية السودانية وأسست مع قرنق، وكاربينو، ووليم، وسلفا، وأروك الحركة الشعبية لتحرير السودان.

-2-

التقيته للمرة الأولى في عام 1987 حينما عٌينت مسئولا عن أجهزة الإدارة والقانون في معسكر (ديما) للاجئين السودانيين في الحدود الاثيوبية السودانية تحت قيادة مارك ماشييج، الباشمهندس والقيادي الراحل وخريج جامعة الخرطوم، ومعنا الجنرال مليك روبن، نائب وزير دفاع دولة جنوب السودان الحالي، والذي شارك في مراسم زواجي في مدينة توريت في عام 1992.

افترقنا والتقينا مرة أخرى لنعمل في الرئاسة المتحركة للدكتور جون قرنق في عام 1988 في شرق الإستوائية، وهاتفته قبل ثلاثة أسابيع للتحية والمجاملة، فهو ما يزال في خاطري، ثم رايته اليوم على ضفاف النيل في بحر الجبل.

-3-

تميز بالشجاعة مثل غالبية ابناء (المورلي) فهم مقاتلون أشاوس وشرسون على الرغم من إن قبيلتهم صغيرة ولكنها شاركت بنصيب وافر في تأسيس الحركة الشعبية، على راسهم ناشقاك ناشلوك، عضو القيادة العسكرية العليا للحركة الشعبية، وهو عضو القيادة الوحيد الذي أستشهد في خط النار وجبهات القتال، وتعرفت على العديد منهم من الشهداء، يمر في خاطري الآن لقشو لوكني، وديفيد ناري، وبابور ميسي، وكروك أدونج كروك، وكلمنت كاتينجا، ومن القادة الأحياء، جمعة بابو (أبو حديد)، وكتشنر موسان، ومارشال استيفن.

-4-

صحت قائلا: الجنرال كينيدي قايين ما أجمل أن اراك! وأردفت: كينيدي كيف أنت؟ وصاح على الفور: أهلا كمرت! وتوجهنا لتحيته، أسماعيل خميس، وأحمد العمدة ،ومحمد صالح، وحيانا بحرارة، وذكر أنه كان يود الإتصال بي لتعزيتي في رحيل الدكتور منصور خالد، فقد سمع برحيله من الإذاعة والتلفزيون، وتذكرنا إدوارد لينو.

لقد سعدت بلقاء كينيدي، ولو لا خياراتنا الأولى لما تمكنت من لقاء أشخاص من أمثاله فضفاف بلادنا أحيانا لا تلتقي، فلكي يلتقي السهل والنهر، والغابة والصحراء والجبال فإن ذلك بحاجة إلى فكرة تُنسج خيوطها من وعورة الطريق والسباحة عكس التيار، سبحنا بالامس ولا نزال. وعند الضفة الأخرى نرى أجيالا جديدة، يوهن الجسم وتظل الروح شاهقة على امتدادات الفضاء، وأحلامنا لا تموت ولا تسقط بالتقادم. قبل نحو عام من اليوم، نبتت أحلامنا في ساحة الإعتصام وجمهورية النفق امام القيادة العامة، ولقد رايت كل الغائبين حضورا هناك فالشعب يريد بناء السودان الجديد.

إن العالم يتغير والكورونا تفرض أجندة جديدة على كل العالم وحركات التحرر تحتاج إلى وقود جديد في تقلبات عالم اليوم، ورؤية السودان الجديد تحتاج إلى ميلاد جديد.

-5-

لقد سعدت بلقاء الجنرال كينيدي قايين وفي شخصه رايت كل الغائبين الحاضرين الرافلين في ثوبِ من الحسن دواما.

حينما عملنا في الرئاسة المتحركة للزعيم جون قرنق كنا تحت قيادة رئيس هيئة الأركان السابق، ويياي دينق أجاك الذي حينما أرسلت له الصورة التي التقطتها اليوم مع الجنرال كينيدي قايين،علق باللغة الإنجليزية: “لا تزالون جميلون وأقوياء ايها الرفاق.. كونوا دوما بخير.” ويمكنني أن أضيف قول الشاعر:

وما قيمة الناس الا في مبادئهم .. لا المال يبقي ولا الألقاب والرتب.

اترك رد