اخبار السودان اليوم

عثمان ميرغني يكتب : تجميد عضوية حزب الأمة!

ربما لم يكن مفاجأة كبيرة أن يعلن أمس حزب الأمة القومي بزعامة الإمام السيد الصادق المهدي تجميد عضويته في تحالف قوى الحرية والتغيير.. كثير من الارهاصات كانت تقرأ كف تحولات المناخ السياسي.

صحيح أن قوى الحرية والتغيير رغم نجاحها الباهر في قيادة الحراك الجماهيري طوال فترة عصيبة حتى تكللت بإسقاط النظام المخلوع، لكن كان واضحا بعد انتصار الثورة أن غياب الهيكلة والتنظيم المؤسسي الحقيقي لهذا التحالف العريض سيؤثر مع مرور الزمن على صلابته وقدرته في انتاج دولة ديموقراطية مستقرة سياسيا.

ويبدو أن “هواجس” حساب ميزان القوى السياسية المنضوية تحت راية التحالف عرقلت تطويره إلى “رابطة” سياسية فعالة تعمل وفق مبدأ (وحدة الأهداف، وتعدد الأفكار).. ففشلت مكوناته في التوافق على هياكل مؤسسية حقيقية خشية أن تمنح ميزة تفضيلية لشخص أو حزب، ونتج عن ذلك اتفاق الحد الأدنى للهيكلة على (المجلس المركزي) الذي يبدو أقرب إلى (مؤتمر مائدة مستديرة) في انتاج القرارات و التخطيط لمستقبل الفترة الانتقالية.

هذا الحال قلل كثيرا من (كفاءة) أكبر تحالف سياسي في تاريخ السودان، للدرجة التي بدت كثير من الحلول والخيارات التي تبناها مجرد اجترار لتجارب سابقة حرفيا، مثال لذلك الاصرار على اعادة انتاج تجربة الحكم بمجلس سيادة متعدد الرؤوس، (بل وبزيادة عدد الرؤوس عن ما كان عليه الوضع في التجارب الماضية).. وهو تكوين يشبه (المجلس المركزي) في مبدأ تجنب منح ميزة تفضيلية لأي مكون مدني (خلافا للمكون العسكري الذي يعمل بتراتبية مؤسسية تفرضها قواعد عملهم العسكري).

هذا الوضع جعل قوى الحرية والتغيير أشبه بمسابقة في الجري تلزم المتسابقين بتقييد أرجلهم كلها إلى بعضها، حتى لا يستطيع واحد التقدم على الأخرين.

لكن مع ذلك لا أتفق اطلاقا مع قرار حزب الأمة القومي تجميد نشاطه في قوى الحرية والتغيير، فالوضع الراهن يتطلب الصبر على وعثاء السفر والانتقال الديموقراطي مهما بدا بطيئا أو محبطا في نتائجه الأولوية. الأجدر بذل كل ما في الوسع لانضاج تجربة التحالف السياسي العريض، على أقل تقدير حتى عبور الانتخابات القادمة عند نهاية الفترة الانتقالية، فالراهن السياسي لا يسمح بالعزف المنفرد.

ونصيحتي لقوى الحرية والتغيير أن تنتبه للمخاطر الجسيمة في حال تضعضع هذا التحالف، فالمطلوب تضحية بالذات الحزبية والسياسية الضيقة من أجل المصلحة القومية العليا. ويبدأ ذلك بإعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير بقيادة تنفيذية واضحة، فيها رئيس ونائبه ومكتب تنفيذي يساندهم بالطبع مجلس مركزي يمثل القاعدة التشريعية الموجهة للسياسات. فك القيود من الأرجل لتنطلق في مضمار التنافس السياسي يحفز الجميع ويرفع سقف الأداء، لكن (توازن الضعف) يعطل الجميع ويشركهم في الفشل.

كأني بالتاريخ يعيد نفسه، تنجح القوى السياسية في انتاج الثورات، وتفشل في انضاجها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صحيفة التيار

Exit mobile version