يقال إن الراحل دكتور حسن الترابي قال ذات مرة إن الإنقاذ أذكى من إعلامها)، في إشارة منه لضعف إعلام الإنقاذ الذي ظل يتعرض بين الفينة والأخرى لانتقادات بسبب عجزه عن المنافسة في سوق الإعلام في وقت أصبح فيه الإعلام الخاص يتفوق كثيراً على الرسمي خاصة القنوات الفضائية التي تجد مشاهدة عالية عكس القنوات الرسمية من تلفزيون السودان، هذا بجانب فشل صحف الإنقاذ بدءاً من (السودان الحديث والانقاذ والجمهورية والأنباء والرائد)، ويرى عدد من قيادات الوطني أن الإعلام فشل في إبراز الكثير من النجاحات التي حققها مسؤولو الحزب في الحكومة، وبرز عدم الرضا، هذا عند الرئيس عمر البشير ونائبه الأول بكري حسن صالح في أوقات سابقة اللذان جاهرا صراحة في أكثر من موقع، بعدم رضائهما عن الأداء داخل مؤسسات الحكومة الإعلامية، التي فقدت القدرة على المنافسة في الفترة الماضية، وعجزها عن مجاراة الإعلام الافتراضي والخاص.
انتقادات
تواصل النقد للإعلام الحكومي حتى مطلع الأسبوع الماضي، حيث تم توجيه انتقاد للإعلام خلال اجتماع المكتب القيادي للمؤتمر الوطني ولاية الخرطوم والذي شهد عمليات التسليم والتسلم بين والي الخرطوم الفريق هاشم الحسين وسلفه الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين، فقد أشاد القيادي بالحزب الحاكم علي عثمان محمد طه بأداء الوالي السابق، إلا أنه أكد بأنه ظلم إعلامياً، وأوصى طه والي الخرطوم، هاشم عثمان الحسين، بمزيد من الاهتمام بالإعلام وتقويته واستنهاض الهمم، وقد ظلت أمانة الإعلام في الحزب الحاكم محل أنظار منذ ترفيعها إلى قطاع، وقد وجد انتقادات كثيرة في أداء مهامه بالصورة المطلوبة.
ضعف خطط
غير أن المتابعين يرون أن هناك حالة من التشاكسات داخل المؤسسات الإعلامية انعكست سلباً على أدائها، فضلاً عن تباينات في الشأن الإعلامي بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، ظهرت إلى العلن وباتت معروفة للجميع، وأوضحوا أن الإشكالية التي تواجه الإعلام الرسمي لا تكمن في الأشخاص وإنما في الخطط والبرامج التي توضع للعمل الإعلامي
أهل الاختصاص
ولمواجهة التحديات العديدة التي تواجه الحزب الحاكم في الفترة المقبلة منها الداخلي والخارجي وانتخابات 2020 التي تحتاج إلى إعلام قوي يستطيع أن يقدم الحزب للرأي بصورة جيدة ومشرقة، ولهذا تم إسناد الأمر لأهل الاختصاص، ولذلك آثر الحزب الحاكم على اختيار د. إبراهيم الصديق رئيساً لقطاع الإعلام. ويرى مراقبون أن هذا تحدياً كبيراً سيواجه رئيس القطاع في ظل التوسع الكبير في الإعلام الإلكتروني ومنصات التواصل الاجتماعي ذات الإيقاع السريع في نشر المعلومات، وهذا يحتاج إلى نفس طويل وخبرات لمواجهة هذا التحدي.
ترتيب أولويات
وحتى يستطيع الحزب الحاكم مجاراة الأحداث والاستعداد لانتخابات 2020 كان تفكيره منصباً نحو الإعلام وتقويته، وقد حملت الأخبار فى وقت سابق عن مشاورات داخلية حول عملية إحلال وإبدال طالت جميع أجهزة الإعلام الحكومية والتي تشمل تلفزيون السودان والإذاعة القومية وقناة الشروق الفضائية وصحيفة الرأي العام، أيضاً الاهتمام بدائرة الصحافة والتشر الإلكتروني في الحزب الحاكم.
وعد مراقبون هذه الخطوات بمثابة ترتيب للبيت الداخلي تأهباً لانتخابات 2020 ومواجهة كثير من التحديات القادمة.
إرباك واضح
الخبير الإعلامي والقيادى بالمؤتمر الوطني د. ربيع عبد العاطي يرى أن الإعلام الرسمي يحتاج إلى إعادة نظر، مشيراً إلى وجود إرباك واضح في الأداء الإعلامي، وقال في حديثه للصيحة: لا توجد مؤسسة صحفية قوية تدعم الدولة ببنية قوية، ولا يوجد جسم للمحتوى السياسي والإعلامي، وأضاف: على الرغم من كثرة القنوات الإعلامية المتعددة إلا أنها فشلت في إيصال الرسالة الإعلامية بالصورة المطلوبة، ولهذا يجب إعادة النظر تجاهها، مؤكداً على عدم وجود تناغم وتنسيق بينها والاهتمام بالمحتوى، وأن هنالك قنوات لم تلتزم بالتصريح الذي منح لها والالتزام بالتخصصية، ودعا إلى ضرورة تشخيص العلة حتى يستطيع الإعلامي الحزبي مواكبة المستجدات بصورة علمية مع مراعاة اختيار أصحاب الموهبة والكفاءة في العمل الإعلامي.
مسؤولية الدولة
الكاتب الصحفي المعروف فتح الرحمن النحاس، حمَّل الحكومة مسؤولية فشل الإعلام الرسمي في القيام بمهامه، قائلاً لـ(الصيحة) إن أكبر عدو للإعلام الرسمي هي الدولة نفسها، لأنها تعمل ضد تطوره بعد أن أغلقت صحفها وفتحت الباب للصحف المستقلة والتي أصبحت تتسابق على الأخبار السالبة حتى توزع أكبر عدد من المطبوع، ولهذا أصبح ذوق القارئ والمواطن يميل للصحافة الناقدة للحكومة، وقال: الصحف الحكومية لم تتوفر لها الكفاءات، وأن هنالك ضعفاً في المهنية، كما أن الصحف الحكومية ذاتها ليست لديها استراتيجية عمل وحتى الفضائيات أصبحت تفضل استضافة أصحاب الرأي الآخر أكثر من أصحاب الرأي الرسمي. وأضاف أن أسوأ الخيارات أن تجعل الإعلام الرسمي مصابيح تضيء الطريق لعربة المسؤول ما يجعل أجهزة الإعلام الرسمي ممعنة في الرسمية رغم أن التجارب الطويلة في الإعلام الحكومي أثبتت أن المواطن العادي لا يستنكه الإعلام الحزبي والحكومي ويفضل الصحافة وأجهزة الإعلام المستقلة، ويشير إلى أن هناك كثيراً من الدراسات التي وضعت لتطوير الإعلام الرسمي، لكنها أهملت، وظلت حبيسة أدراج المسؤولين.
سياسات لاحقة
النحاس نفى بشدة الاتهام الذي يشير إلى فشل الإعلام الرسمي في بداية الإنقاذ عن القيام بمهامه، ووصفه بأنه كان أكثر حيوية ومواكبة رغم وجود صحيفتين وقناة تلفزيونية وحيدة وقتذاك، لكنها أدت دورها لأن السياسات كانت جيدة، وهناك مساحة للإبداع. ويؤكد النحاس أن السياسات اللاحقة والاجتهادات أضرت بالإعلام الرسمي، لأنها جاءت عكس القاعدة الأساسية أن الإعلام يساوي الجمهور، وهذا ما يضع تحدياً أمام الدولة في كيفية تحقيق هذه المعادلة، ودعا إلى أهمية ترتيب البيت الداخلي ومعالجة مشكلة الإعلام واستغلال الإمكانات الكبيرة المتوفرة في تطويره وعدم مقدرة الإعلام الآخر على منافسته ومواكبته، وشدد النحاس على ضرورة الاهتمام بوضع خطط استراتيجية للإعلام وخلق مؤسسات إعلامية ناجحة تستطيع منافسة الإعلام الخاص، مؤكدًا أن تغيير الأشخاص دون الاهتمام بالمحتوى والرسالة الإعلامية التي تقدم لن يحل المشكلة التي تواجه الإعلام الرسمي.
أسباب ومسببات
وفي ذات السياق، قال رئيس قطاع الإعلام بالمؤتمر الوطني د. إبراهيم الصديق إن الإعلام الرسمي ما زال لديه دور كبير في الواقع الإعلامي يقوم به، لكنه عاد وقال إن هنالك تحديات تواجهه تقنية ومهنية وتحديات في ملاحقة الأخبار وسرعة إيقاعها وتوفير البيئة الجيدة حتى يستطيع القيام بالدور المنوط به. وأضاف: هنالك اختلاف في المهام والأدوار الموكلة للإعلام الرسمي والخاص، موضحاً أن المؤسسات الإعلامية الرسمية لديها التزامات سياسية، اجتماعية، وثقافية وأن المؤسسات الخاصة دائماً تكون متحررة من الالتزامات وتركز على ما يطلبه المشاهد أو القارئ وما ينبغي أن يقدم، ودعا إلى ضرورة اهتمام المؤسسات الإعلامية الرسمية بالإعلام الجديد وتأثيراته والتفاعل معه في سرعة إيقاعه والاهتمام بالمحتوى الذي يقدم للمجتمعات وللأجيال الجديدة والتي يكون خطابها مختلفاً.
تقرير : عبد الهادي عيسى
الخرطوم (صحيفة الصيحة)