الخرطوم: الانتباهة
لمعرفة أهميّة ملف سد النهضة الإثيوبي ذائع الصيد؛ يجب النظر إلى الإهتمام الأمريكي به؛ فواشنطن التي رمت بثقلها خلف الملف؛ لم تفعل ذلك سهوا أو تقديرا للدول المعنية؛ “السودان؛ إثيوبيا ومصر”؛ وإنما لديها مصالح بالطبع؛ ويبدو أن القضية كلها تأتي في إطار حرب المياه التي وفقاً لمؤشرات ستكون المحطة المقبلة التي ستنتظر العالم؛ بعد الهبوط المفاجئ في الذهب الأسود “النفط” وما سيعقبه من تداعيات.
وفي ظل هذا يعتبر ملف سد النهضة واحد من الملفات الشائكة التي يتعامل معها السودان كدولة شريكة وواحدة من دول حوض النيل؛ وان كان الملف قديم منذ عهد النظام السابق؛ الا انه لم ينتهي بعد؛ واصبح واحد من أجندة ومهام حكومة حمدوك الانتقالية؛ ومع أن الحكومة الحالية خاضت غمار الملف وشاركت في جولات مختلفة آخرها ما حدث في واشنطن؛ عبر الوساطة الأمريكية التي أشرنا إليها آنفا؛ الا ان هناك جملة مآخذ على طريقة وأداء الحكومة في التعامل مع القضية؛ سيما وزير الري والموارد المائية؛ فخبراء في هذا المجال يعتبروا أن الوزير ليس مناسبا لإدارة الملف؛ وهو ما أشار إليه مهندس عبدالكافي الطيب أحمد؛ بقوله: إن الوزير عندما سئل في واشنطن عن الضمانات لعدم انهيار السد اكتفي بقوله “انا من سنار”؛ وبحسب عبدالكافي أن الإجابة تعكس الارتباك ودليل على كبر هذا الملف عليه.
وربما انطلاقا من تلك المعطيات؛ طالبت المجموعة المدنية المناهضة لسد النهضة؛ بتحويل الملف لمجلس الأمن والدفاع واقالة وزير الري؛ ياسر عباس؛ وأشارت إلى أن مجموعة النظام البائد لاتزال تعبث في ملف المياه وسد النهضة، لافتة إلى أن هذه الأيادي رهنت مصير المياه والنيل الأزرق للإرادة الإثيوبية؛ وأكدت أن السبب وراء ذلك كان دعم إثيوبيا للرئيس المخلوع في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية؛ وبالطبع ما ترمي إليه المجموعة يدخل في حيز التحذيرات من حرب المياه؛ بعد تعثر المفاوضات في واشنطن ورفض إثيوبيا المشاركة في أي مفاوضات مقبلة الا بحضور كل دول حوض النيل؛ وهذا أمر وفقا لمختصين يجعل من تحويل هذا الملف لوزارة الدفاع والأمن قضية لا تحتمل التأخير؛ وهو ما فعلته الحكومة عندما أقرت تحويل الملف؛ إلى الأمن والاستخبارات العسكرية؛ واعتبر الخبير في شأن المياه والقانون الدولي د. أحمد المفتي؛ الخطوة تتناسب مع المرحلة الحالية؛ وقال إنه اقترح من قبل هذا الاتجاه؛ لأسباب من بينها تأكيد إثيوبيا؛ أن الملء سوف يبدأ في يونيو 2020 ، وانها ، قد تخلت عن المفاوضات الفنية ، التي كانت هي التي طالبت بها ، في اجتماع رئيس الوزراء الأثيوبي ميلس زيناوي ، مع رئيس الوزراء المصري ، باديس أبابا ، في مايو 2011 ، وأنها لن تشارك في أي مفاوضات ، إلا مع كل دول حوض النيل ، بعد ان ناشدتهم بالمطالبة بحقوقهم المائية.
وبحسب المفتي أن إثيوبيا بذلك تكون قد انسحبت من المفاوضات ، بعد أن كان الأمر اعتذارا مؤقتا ، من اجل إجراء مشاورات داخلية ، وذلك بعد أن نجحت إثيوبيا ، في جعل السد حقيقة واقعة ، بموافقة مكتوبة ، وغير مشروطة ، من السودان ومصر ، في اعلان مبادئ سد النهضة لسنة 2015 ، والذي ما زال السودان ومصر يتمسكان به.
ويرى البعض أن المفاوضات حول ملف سد النهضة؛ حصرت مهامها في الأمور الفنية الهندسية؛ في وقت ان التطورات الماثلة تستدعي التفكير في التعامل القانوني والعسكري؛ سيما بعد أن خرجت إشارات من كل من مصر وإثيوبيا؛ تلوح بهذا الخيار؛ ويقول المفتي أن بسبب أن أي تحرك عسكري أمني ، لابد أن يكون مؤسسا على الحقوق المائية في القانون الدولي ، وعلى كيفية معالجة ذلك الأمر في اتفاقية عنتبي ، وعلي حق الدولة في الدفاع عن نفسها ، وفق ميثاق الأمم المتحدة ، ونطاق ذلك الحق ، وحق الإنسان في الماء؛وبحسب المفتي أن الهدف ينبغي أن يكون هو ، تفادي حرب المياه ، وذلك عن طريق الاعتراف بسد النهضة كأمر واقع ، وصياغة إطار قانوني مؤسسي ، يكون أساسا لتعاون تنموي إقليمي مستدام ، اساسه مياه النيل ، بين الدول الثلاثة.