قبل حوالي شهر من الآن تحفظت قوى الحرية والتغيير (قحت) ، بضغط من الحزب الشيوعي ، على تولي حميدتي رئاسة آلية معالجة الازمة الاقتصادية مما اضطره الى رفض المهمة ، فالرجل كان يشترط أن توافق جميع مكونات قحت على رئاسته للآلية ، ولذلك قاموا بتعيين رئيس وزرائهم حمدوك ليرأس تلك الآلية بعد اعتذار حميدتي.
كانت حجتهم لرفض تولي حميدتي للمهمة الا يقروا بفشلهم في معالجة المشكلة الكبرى المتمثلة في الازمة الاقتصادية ومعاش الناس والتي اسقطت النظام السابق ونصبتهم كبديل باعتبارهم ممثلين للثوار ، الأمر الذي يمثل اقرارا بفشلهم كمدنيين واعترافا ضمنيا بأن العسكر اكثر كفاءة وقدرة على التصدي لذلك التحدي.
بالطبع ، وكما هو متوقع ، فشل حمدوك في المهمة التي ما كان ينبغي ان توكل اليه مجددا من خلال تلك الآلية لانها أصلا من اختصاصاته كرئيس وزراء واختصاصات وزير ماليته!
الآن ، وقد ذهبت السكرة وجاءت الفكرة ، بعد أن تفاقمت الأزمة الاقتصادية وضاق الحال بالمواطنين ، غلاء غير مسبوق منذ الاستقلال وندرة جعلت الناس يبقون سحابة يومهم تقريبا في صفوف الخبز والوقود والغاز مع ازمة في المواصلات لا يوجد مثيل لها في العالم اجمع ، وبلغ البؤس وضنك العيش بالناس درجة اقنعتهم بأن الاوضاع عشية سقوط النظام السابق كانت افضل بكثير وباضعاف مضاعفة من الوضع الكارثي الحالي ، جاء القحاتة بقضهم وقضيضهم مستسلمين وصاغرين مطأطئي الرؤوس لحميدتي ومعلنين التوبة على ما بدر منهم من (قلة أدب)في المرة السابقة ، ووضعوه على رأسهم معززا مكرما باقرار مدو بفشل المدنية التي لطالما (نبحوا) بها وملؤوا الدنيا ضجيجا وزعيقا ، وباعتراف ذليل بعجز (علماء الاقتصاد الدوليين) من حملة الجوازات الأجنبية في معالجة الازمة!
يا له من اعتراف داو وجهير بان المدنية فشلت في تحقيق اهم مطلوباتها ومبررات وجودها ، ويا له من اقرار بأن العسكريين ممثلين بحميدتي هم الأقدر والأكفأ لقيادة البلاد والتصدي لاخطر قضاياها ، ويا له من تمزيق جديد للوثيقة الدستورية التي كانت قد اكدت على ايكال المهام التنفيذية لمجلس الوزراء (المدني) وابعاد المجلس السيادي (التشريفي) عن تلك المهمة!
الآن حق للبرهان وحميدتي وقيادة القوات المسلحة ان يمدوا ارجلهم لشعار مدنياوووووووو وللقحاتة المنهزمين المنكسرين (المبلولين) ، ولو كنت مكان حميدتي لاشترطت عليهم ان يعلنوا فشلهم عبر الاعلام ولجعلتهم يأتون الي حبوا بعد ان اضطرهم عجزهم وفشلهم الى ان (يبلوا المدنية ويشربوا مويتا!)
السؤال الصارخ لقحت ..ما هو مبرر بقائكم في السلطة وقد سلمتموها بمحض ارادتكم للعسكر ، بل ما هو مبرر الثورة اصلا على النظام السابق وقد رضخ المدنيون القحتيون الذين زعموا أنهم الأحق بقيادتها وأهلها واستسلموا للعسكر وسلموهم السلطة التنفيذية بعد أن عجزوا عن قيادتها وأقروا بذلك العجز ؟! لماذا ايها القحاتة لا تنسحبون من المشهد السياسي وتستقيلوا وتحلوا مجلس وزرائكم العاجز برئيسه ووزير ماليته و(تبلوا) حاضنتكم السياسية باحزابها الفاشلة وتودعوا خبرائكم الى المطار ليعودوا الى بلادهم في الخارج؟!
ما هو مبرر بقائكم ايها الفاشلون العاجزون وقد سلمتم السلطة المدنية للعسكر؟!
ثم اخيرا : ماذا ينتظر المجلس العسكري ومتى يستلم السلطة التي جاءته تجرجر أذيالها من اولئك العاجزين؟!