اخبار السودان لحظة بلحظة

عثمان ميرغني يكتب : من “المواطن” إلى “الوطن” هل تسمعني؟

الساسة يعشقون المصطلحات، ينحتون كلمة بعينها ثم يرفعونها إلى صفحات القاموس السياسي ليبدأ مباشرة استهلاكها لا تاريخ لنهاية الصلاحية.. ورغم أنني تحدثت عن كثير من هذه المصطلحات إلا أنني هنا أقدم لكم نموذجاً فريداً منها، عبارة (دولة المواطنة)..!!

في ضمير أي سياسي عندما يستخدم هذا التعبير أنه يقصد المساواة المطلقة بين المواطنين بحيث لا يعلو فرد على آخر في الواجبات والحقوق.. حسناً حتى هنا ليس في الأمر حرج ولا علة، لكن دعونا نتعمق أكثر ونضع علامة الاستفهام حول كلمة “المواطنة”، ما هي المواطنة؟

يبدو بديهياً أن المقصود بها الانتماء للوطن، فكل من يحمل الجنسية السودانية، مثلاً، هو مواطن ينال الحقوق ذاتها التي يستحقها أي مواطن آخر مهما اختلفت اللهجات والسحنات والديانات والثقافات.

وحتى هنا لا مشكلة.. لكن يطل السؤال الحتمي، من هو المواطن؟ أقصد شروط أهليته لينال مواطنة الوطن بل الخيط الذي يربط الوطن بالمواطن.

ولتقريب الفكرة وفهم السؤال أضع أمامكم هذا المثال..

المواطن محمد أحمد إبراهيم يسكن حي الحاج يوسف يحمل البطاقة القومية والجنسية السودانية وجواز السفر السوداني ورخصة القيادة، وكلها أوراق رسمية إمتصت منه أياماً وجهداً ومالاً كثيراً من أجل استصدارها مختومة بالخاتم الرسمي للدولة. ما هي علاقة الوطن بهذا المواطن سوى هذه الوريقات والبطاقات والشهادات؟

نشرح السؤال أكثر..

إذا تعرض هذا المواطن لمشكلة، أو كارثة، أو مظلمة، أو أمر يتطلب منه التواصل مع “الوطن” الذي هو مواطنه، كيف يستطيع أن يتصل بـ”الوطن”؟ وكيف يسمعه “الوطن”؟ وكيف يرد عليه أو يساعده أو حتى يعتذر عن مساعدته؟.

بعبارة أخرى ما هو الخيط الرابط بين “الوطن” و”المواطن” سوى البطاقات والشهادات والأوراق الرسمية التي دفع ثمن إصدارها من حر ماله وعرق جبينه في التجوال بين مكاتب الحكومة المختلفة؟

لنفترض أن “الوطن” تعرض لأزمة مثل جائحة “كورونا” السائدة الآن، وأعلن “الوطن” حالة الطوارئ وقرر فرض حظر التجوال الشامل ولثلاثة أسابيع.. ولنفترض أن الله أنعم على الوطن بأموال تسمح بإعاشة مواطنيه خلال فترة الحظر، كيف يصل “الوطن” إلى كل “مواطن” ليمنحه الدعم المناسب، تماماً مثلما فعلت حكومة الدنمارك التي منحت كل مواطن ما يعادل 90% من الدخل الشهري الذي كان يحصل عليه قبل الحظر..

كيف يعرف “الوطن” مطلوبات “المواطن” ثم يساعده بتوفيرها؟ هنا بالضبط يأتي المعنى الحقيقي لمفردة “المواطنة”..

المواطنة: هي أن تستطيع الحكومة التواصل المباشر مع “المواطن” المفرد في الاتجاهين، تسمعه ويسمعها، يتصل بها وترد عليه..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صحيفة التيار

اترك رد