اخبار السودان اليوم

السودان: العيكورة يكتب: أنس عُمر أسمعهُم ما لا يُريدون

التاريخ لا ينسى وإن حاول البعضُ إلهائه أن يُسجل أن يؤرخ حدثاً ما وإن حاول البعض إعادة كتابته بما يخدم أغراضهُم فالتاريخ إن لم يُكتب نصّاً يُحفظ بالتواتر السمعي، كُنّا في بواكير المرحلة الابتدائية عندما كان يُغني وردي: (يا مايو يا سيف الفدا المسّلُول نشق أعدانا عرض وطُول) لم نكُن نفهم من هو (مايو) ومن هُم الأعداء؟ فما كُنّا نفهمه أن هُناك رئيس جديد بالخرطُوم إسمه (النُميري) ، كان والدي رحمة الله عليه كارهاً جداً للنميري ولم نكن نحن الصغار نفهم لم هذه الكراهية بقدر ما كانت تُطربنا الأغاني الحماسية الجديدة التي أصبحت تنبعث من الراديو. تذكرتُ أيام الصِبا والعائلة تهرع في وجل نحو الخرطوم لتعود بإبن الخالة الدكتور عُمر عبد الله (رحمة الله عليه) طالب الطب وإبن الخال محمد الطيب (ملود) من كلية الزراعة وإبراهيم الأمين علي سعد (كرومة) من كلية الاقتصاد لأن حكومة نميري تعتقل طُلاّب الجامعة وفي الغالب ما كانوا يعودون مع أبائهم بقدر إطمئنانهم على سلامتهم ثم يعُودُ الكبار بعد زيارة الشريف الصديق ببُريّ .

 تذكرتُ البارحة مقُولة لسلطان عُمان الراحل قابوس في إجتماعٍ له مع أساتذة الجامعات بالسلطنة وكان بين يديه كتابٌ للتاريخ يفتحه بين الفينة والاخرى كان يقول لهم لا تضحكوا على عقول أبنائنا فالتاريخ ليس كله صحيح وواقعي. وقرأ جملة تقول أن جيشاً ما كان أوله في بلاد الروم وآخره ببلاد فارس فقال مُتسائلاً كم كان عدد سكان العالم آنذاك؟ ثم أردف أبعدونا عن هذه المبالغات وليكتُب لنا التاريخ أناسٌ أمناء لا يطمسون الحقائق ولا يُغبِشونها ولا يحذفون ما لا يعجبهُم . 

 البارحة السيّد أنس عُمر رئيس المؤتمر الوطنى (المحلول) بولاية الخرطوم تنقل في شجاعة مُنقطعة النظير مُذكراً الشيوعيين بتاريخهم الدموي ولسان حاله يقول لهُم إن كان جيل اليوم لم يُولد حينها فصفحات التاريخ لا تنسى ونصح في مُستهل حديثه مرضى السُكري والضغط من الشيوعيين واليسار بعدم مُتابعة الندوة التي كان يتحدث فيها ضمن فعالية لاتحاد الشباب بالوطني ونشرت (لايف) على (الفيس بوك)، أنس عُمر ضابط الأمن ووالي الولاية ورجل المعلومة والصمت والصبر مزج بين العربية والدارجة فجاء حديثه بسيطاً و شُجاعاً من القلب الى القلب فتح كُل الملفات في غير ما تعالٍ و إنتقاصٍ لأحد فكُلِ من إستمع لأنس عُمر البارحة كان يُومئ برأسه إيجاباً وإستحساناً ولسان حاله يقُول: (خطفتها من خشمي يا أنس). تحدث الرجُل بلسان الحال وأوجاع المواطن المغلوب والشباب المُغرر بهم عندما عندما إستفسر عن وُعُود ساحة الإعتصام و مصير حاجة آمنة التى غنى لها الشيوعيون ومحمد أحمد وكلّات الموانى والغُبُش التعانى كان أنس يستخدم كلمة (وين) عقب كل وعد فيطبقُ صمتٌ عجيب ويتسلل السؤال الحائرالى ضمير كل مُستمع أين سودان جنّة عدن وأين دولارات (ماليزيا) المنهُوبة فيضيعٌ الصدى وجعاً على تضحيات الشباب و آماله المسروقة ، أسمعهُم أنس عُمر البارحة ما لم يُريدوا للشباب (المخموم) أن يعلمُوه ، فقط البارحة عرفوا أن من قتل الأنصار في الجزيرة أبا و ود نوباوى ومجزرة بيت الضيافة هُم الشيوعيون ، والبارحة فقط علم الشباب أن اليسار لم يحصل في تاريخه على أكثر من ثلاثة مقاعد بالبرلمان والبارحة فقط تذكَر الشباب قول ناشط المؤتمر السودانى خالد سلك (الإنتخابات ما بتجيبنا) . والبارحة فقط علم الشباب أنَهُم سُرقوا وخُدعُوا مع سبق الإصرار والترصُد.  

عدّد أنس عُمر إنجازات حُكومة الانقاذ ومن شارك معها من الأحزاب الأخرى عددها بالأرقام والأسماء وتحدى من يُنكرها، عَدد التضحيات الجسام للحركة الإسلامية وشهدائها بالإسم ووظائفهم وتحدى من يٌنكر ذلك! عدد المُتحركات والجبال والوهاد والخيران وأين قُبر الشُهداء وأسماء المُدُن والقُرى وتحدى الشيوعيين إن كانوا قد سمعوا بها! فأطبق صمتٌ عجيب، تحدث أنس عُمر أنهُم لم يكونوا أغبياء عندما أتوا بمحمد إبراهيم نُقد من مخبئه ليُمارس العمل السياسى بكل حرية ورعاية كريمة من الدولة وعندما أتوا بالبعثى بدر الدين مُدثر وعز الدين على عامر وغيرهم من المختلفين معهُم سياسياً أن يعارضوا الانقاذ بكل حُرية. وقال ما كُنّا عاجزين أن نفتح بلاغات في من قتل الأنصار ومن ذبح شُهداء بيت الضيافة ولكن أخلاقُنا تمنعُنا من الانتقام والتشفى. أنس أكد في رسائله أن الفكرة لن تنتهي بقرار يوقعه (إبن مُقنّعة) مهما كان وزنه وأن حزب المؤتمر الوطني باقٍ ويُمارس نشاطه على كل مُستويات الهيكلة وأنهُم تخطوا المرحلة ولن يستطيع كائناً من كان أن يقف أمامهم فكراً وقاعدة وأردف أنس أننا ما زلنا نُسيطر على عُضويتنا حفاظاً على وطننا مُتهماً اليسار بأنه من يجُر الإسلاميين جراً للعُنف وعليهم أن يُحكموا العقل إن كان بينهُم عُقلاء مُضيفاً أن حزبه لن يُشارك في أى حُكُومة إنتقالية وسيدعم كل الغيورين الوطنيين حتى يعبُر الوطن بسلام وما لم يقله أنس في خاتمة الندوة [ الزارعنا غير الله يجى يقلعنا] . (برأيي) أن السيد أنس عُمر بندوة البارحة قد قفز قفزاً بلطف على رؤوس مواضيع في غاية الأهمية و حرّك مياه راكدة تحت أرجل اليسار وأرسل عُدة رسائل في بريدهم وأتوقع أنها فُتحت منذ البارحة ولا أظُن أنهُم سيمرون عليها مُرُور الكرام فقد وصلتُهم الرسالة و إن تعددت نظارات القُراء وزوايا الفهم فالرسالة واحدة وواضحة . 

صبري محمّد علي (العيكورة)

Exit mobile version