:: (أخيراً)، يوم أمس، أجاز البرلمان مشروع قانون حماية المستهلك في مرحلة السمات العامة، بحيث يصبح – خلال أسابيع – قانوناً رادعاً وجامعاً ما بين السجن والغرامة.. وهنا أول من يطرق باب الخاطر هو الأخ الدكتور ياسر ميرغني، الأمين العام لجمعية حماية المستهلك.. لقد قاتل بعزيمة لتحقيق هذا الإنجاز، وضحى بوقته وماله و(بحريته أيضاً).. ومن باب من لا يشكر الناس لا يشكر الله، علينا أن نشكر ياسر ميرغني، إذ ما زال هو كل جمعيات حماية المستهلك، وكل منظمات المجتمع المدني، وكل أندية الشباب واتحاداتهم، وكل وسائل الإعلام.. وما زال هو الأعلى صوتاً والأقوى مواقفَ في قضايا المستهلك.
:: والمسؤولية يجب أن تكون جماعية، بحيث تبدأ من السياسات الاقتصادية التي تخططها وتنفذها أجهزة الدولة، ثم تسري الحماية بقوة القانون وفاعلية الأجهزة العدلية، وكذلك بالتثقيف والتوعية في شوارع المجتمعات وأزقتها عبر منظماتها وجمعياتها وإعلامها، أو هكذا المسؤولية (الجماعية).. ولكن للأسف، ما عدا ياسر ميرغني وبعض رفاقه في جمعية حماية المستهلك، فما يحدث للمواطن يعكس أن كل مسؤول في موقعه بحاجة إلى أن يتحسَّس مسؤوليته ويؤدي واجبه (كما يجب)، إذ من المُحزن أن يجد هذا المواطن نفسه وأسرته بين مطرقة الأسواق التي لا ترحم وسندان لا مبالاة المسؤولين.
:: ولهذا القانون – الذي أجاز البرلمان مشروعه في مرحلة السمات العامة – مأساة سردتها أكثر من مرة ولحد (الملل).. واختصارها، في العام 2005، أصدر مولانا علي محمد عثمان يس – وزير العدل الأسبق – قراراً بتشكيل لجنة برئاسة الدكتور عبد القادر محمد أحمد، مدير المواصفات والمقاييس الأسبق، لوضع مسودة تصلح لأن تكون قانوناً مركزياً لحماية أهل السودان من الهلاك.. أكرر، في العام 2005.. ومنذ ذاك العام، وحتى هذا العام، يجتمعون ثم يشكلون من اللجان ما يتم حلها لاحقاً أو ما تنبثق منها لجان أخرى، و.. و.. و.. تسويف وتلكؤ ليس إلا.. !!
:: والمؤسف للغاية، أنهم يعلمون بأن نصوص حماية المستهلك المعمول بها حالياً لا تحمي المواطن من فساد الشركات وتواطؤ الوحدات الحكومية، بل هي (نصوص هزيلة)، ولا تتجاوز عقوباتها غرامات قيمتها تشجّع المفسدين على مزيدٍ من الفساد والجشع.. ورغم غزارة البلاغات والكوارث، فمنذ العام 2005، وحتى نهار الأمس، كانوا عاجزين عن إجازة قانون يحمي المواطن بالعقاب الرادع.. والغريب في الأمر، لقد تم إيداع مسودة القانون في البرلمان (أكثر من مرة)، ثم تم سحبها بلا تبرير غير أن هناك مراكز قوى كانت أقوى من الدولة، وقالها – أكثر من مرة – رئيس لجنة العمل بالبرلمان عمر سليمان: (هناك جهات تقوم بتعطيل قانون حماية المستهلك).
:: و(لتضارب المصالح، فشلنا حتى الآن في إجازة قانون قومي)، هكذا كان يردد لسان حال الدكتور ياسر ميرغني – طوال 13 سنة – بلا يأس.. وكان يحزنه انتهاك حقوق المواطن بتغييب (القانون الرادع)، وبالتلكؤ في إجازة القانون القومي، وبالانصياع لأجندة أصحاب المصالح (الذاتية).. هو يعلم بأن للمستهلك الحق في أن يؤخذ بآرائه في تطوير السلع والخدمات، والحق في التعويض عن التضليل أو السلع الرديئة والخدمات غير المرضية، والحق في العيش والعمل في بيئة خالية من المخاطر.. أو هكذا الحقوق المحمية بقوة القانون في أي مكان وزمان فيهما للإنسان (قيمة)..!!